| مقالات | الولاية... مفهوما وتطبيقا
الولاية... مفهوما وتطبيقا
((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا
دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(57)(المائدة ـ 55 ـ
57)
الولاية من الألفاظ المشتركة، معنويا ولفظيا، وهي في الإولى، أولى وأجلى، باعتبار أنها تعني التولي والتزام الأمر، كمن يقول: "زيد ولي لعبيد"، أي أن زيد قائم بأمر عبيد، ومنه يقال الأب ولي أمر الأبن، أي القائم بمهام ارشاده وبناءه، ومنه أيضا بأن للجار الولاية، أي له الأولوية في حق المجاورة.
أما
بكونها مشتركا لفظيا، فهذا يعني أن لها مصاديق متعددة المعاني
والقصود، شأنها شأن "العين" التي تعني العين الباصرة مرة، وعين
الماء في أخرى، والجاسوس في ثالثة، وهكذا، فالولاية تعني ـ حسب راي
البعض ـ وهو ما يحوجها الى قريب لفظا، فقولنا عين على الجاسوس يتطلب
الحديث عن حالة حرب او تجسس او ترقب، وكذا لو اردنا القصد منها عينا
للماء، فيستلزم الحديث عن العطش او السقي او غير ذلك مما يقرب
المعنى، وهي في كل الأحوال تعني ـ لفظيا ـ الأحقية بالأمر،
الاولويّة بالأمر، وهي لا محالة عين ما يراد من مفهوم ولاية اهل
البيت باعتبارهم أولى بأمور المسلمين من انفسهم وأحق بهم منها، وهي
قرائن حاليّة ولفظيّة لها نفس المدلول، أي أنها قرائن مقاميّة
ولفظيّة في آن واحد، تدل جميعها على أنّ مراد الية هو الاولويّة
والأحقية بالأمر.
ومن
جملة القرائن اللفظيّة نفس الروايات الواردة في هذا المورد
.
إرهاصات ما بعد
الفقد
لم يشكك المشككون ولم يتخرصوا على أمر كما فعلوه مع مفهوم الولاية، حتى صيروه خلافا سياسيا! إمعانا منهم في تسطيح مفاهيمه وتمييع قصدوه، بقصد الندية مرة والحسد في أخرى، والتنافس في غير المحل في ثالثة، كل ذك بعدما فقدت الأمة نبيها الكريم صلوات الله عليه وآله، وهو ما سمح بأن يمد الجميع أعناقهم لتولي أمور المسلمين بن بعده، حتى بات هذا المفهوم من المفاهيم الإشكالية على مر التاريخ الإسلامي، وهو ما دفع كل فرقة منهم في أن تقرأه ـ بل وتصيره ـ حسبما تشتهي وتريد، فتولدت لدينا قراءات متعددة، وقد تكون متناقضة أحيانا، مع تسطيح لأبعاده المهمة والجوهرية، وهو ما ولّد تشوها فكريا لدى البعض، باعتبار أن الولاية مفهوم ذو صلة بالدين والعقيدة والسلوك، فضلا عن التشريعي منه، فضاعت عند البعض منهم جادة الصواب وضالة ما يرتجى، بعد أن قطعنا الحبل الممتد بين الرسالة والولاية (الإمامة)، فضلا عمن قطع التراتبية والتناسقية بين الثقلين (كتاب الله وعترة نبيه)، وهو ما صيّر المفاهيم لديهم مشوهة ومبتورة ومتجزئة، أنتجت حالة من التطرف الفكري، والسلوكي أيضا، باعتبارهم لم يقبلوا بها كامتداد طبيعي لمشروع الرسالة، ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ))(المائدة ـ67).
أبعاد مفهوم الولاية
ولأهمية الولاية، فإن مفهومها يمتد ويتسع بسعة الدين، ويصل الى ابعاد متعددة، فكرية واجتماعية وسياسية بل وحتى اقتصادية، فضلا عن البعد الوجداني، ما يجعل منها منظومة دينية متكاملة، كيف لا وهم التتمة النبوية والاتساق العصموي والتراتبية العقلية التي تجعل اتباع الولي الطريق الحصري للوصول لله جل شأنه.
وللحديث عن ابعاد الولاية ومفاهيمها، سنتحدث بشيء مقتضب عن كل بعد، وكما يلي:
ـ البعد الوجداني: تعني الولاية بوجه من أوجهها، المحبة؛ باعتبار أنها تعني محبة ذوي القربي والارتباط القلبي بهم، ومداليل هذه المحبة التي تعني على المُحِّب والمُحَّب، بل أن لها الفضل في الدورة التهذيبية للموالي وصلاح ذاته، باعتبار أن الموالي المحب سيتحصل على آثر حبه وولاءه ممن يحب ويوالي، وصيرورة الأخير قدوة وأسوة له بعد أن يتأثر بشخصية الولي بل ويحاول مشاكلتها ومشابهتها:
تعصى الإله وأنت تزعم حبه ذاك لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لأطعتـــه إن المحب لمن أحب مطيـع
والولاية لا تعني المحبة ألا بجزئية وجدانية ذات جنبة واحدة، وإن كان مقتضى ذلك هو السير والإتباع لأهل البيت عليهم السلام، إنما تستلزم جنبة أخرى تتمثل بالبراة من العدو ـ العدو هنا نفيض الولي ـ والتبري من أعداء الله لازمة الولاية لأوليائه، فليس منطقيا أن يحب الإنسان شخصا ويوالي قاتله او عدوه، لأن ذلك افراغ لمنطق الحب المبني على تراتبية الحق والخير.
ـ البعد الفكري: وهو البعد الأهم، والذي يعني التزام مرجعية فكرية توصل الفرد منا الى خط الرسالة دون اعوجاج، وبها يكون المرء في مأمن على دينه باعتباره يأخذ بما يقوله من تربى ببيت الرسالة المحمدية كمقتضى ولازم لحديث الثقلين المتواتر: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض".
ونزولا عن البعد الفكري للولاية، فأن الإنسان الموالي سيتخذ من أهل البيت عليهم السلام مراجعا معصومين، يأمن عندهم دينه فروعا وعقيدة، فضلا عن المفاهيم والقيم والأخلاق التي يربون محبيهم عليها.
ـ البعد العملي: إذ تعني تسليم الولي لوليه في كل شؤون حياته، خصوصا فيما يتعلق بالجانب العقائدي والعباداتي، ومن باب أولى المعاملاتي، ومعنى أدق، التسليم بكل ما أتى به النبي الأكرم، من خلال أتباع أولياء الموصى بهم، ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))(النساء ـ65)، تسليما مطلقا وثقة مجردة ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا))(الأحزاب ـ36).
ـ البعد التطبيقي (بعد الاقتداء): وهو مرتبط الى حد ما بالبعد العملي، ويستقل عنه في جوانب، ومفاده تماثلية ومشاكلة ومشابهة الموالي لوليه، بمعنى لزوم تشبه المرء بمن يتولى، سيرة وسلوكا، وجعله الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة.