14 شوال 1445 هـ   23 نيسان 2024 مـ 11:31 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا... الإمامة ضرورة الإسلام الكبرى
2021-11-12   1391

لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا... الإمامة ضرورة الإسلام الكبرى

يستتبع الحديث عن الإمامة، جملة أسئلة تستفهم عن ماهيتها، وكيفية التنصيب لها، ومن هم الأئمة من بعد النبي الأكرم صلوات الله عليه وعليهم، ومن قبل كل ذلك، تلك الأسئلة الملحة عن ضرورتها ولازمتها لتتمة النبوة، ما يجعل منها الامتداد الطولي للنبوة مرة والعرضي في أخرى. 
والسؤال الأهم في ذلك، هو: ما الضرورة في أن تُتّمم الإمامة النبوة؟ وهل انعدمت السبل إلا من ذلك؟ 
وفي معرض الإجابة عن هذه الأسئلة الملحاح، لا بد لنا من أن نُذّكر بإن الإسلام هو الرسالة الخاتمة، وهذا يعني أن لا دين او رسالة بعده، وبالضرورة لا نبي بعد نبي الإسلام محمد صلوات الله عليه وآله، في وقت كانت الديانات السالفة تجد فيما يليها من ديانات، استمرارا لها وتصويبا لما يمكن ان يُزور عليها أو يُغير فيها أو يُحرف منها. 
وربما يتبادر الى اذهان البعض، سؤال مفاجئ في اللحظة هذا، عن ضرورة تعدد الديانات، وعدم الاكتفاء بواحدة منها، ولكل الأزمنة والأمكنة؟! والجواب ببساطة، هو أن متسلسلة الاديان تلك، إنما هو إلجاء الضرورة لما يمكن تسميته بضرورة أن يكون الترقي والتكامل البشري بشكل تدريجي، ما يجعل العباد مستحقين للديانة المسحية بعد أن وعوا مطالب الديانة اليهودية التي نقلتهم من فوضى علاقهم مع آله عائم وهلامي لا يعرفونه ـ وربما بغيره شركا وكفرا ـ الى الله سبحانه وتعالى من رب كريم وجليل، بعلاقة منظمة بعبودية عاقلة ومختارة من قبلهم، ورضا وقبول منه، ما يجعل الرسالات السماوية تتمم بعضها بعضا، وبالتالي الأنبياء يؤازر بعضهم بعضا، بما يكامل مجتمعاتهم، مع العرض بأن مفهوم الإمامة محل مقالتنا هذه، إنما نقصد به التكليفات السماوية للمصطفين والمجتبين بعد النبي محمد صلوات الله عليه وآله حصرا بدء من الإمام علي عليه السلام وانتهاء بصاحب العصر والزمان الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتمييزنا هذا منعا للخلط في مفهوم الإمامة، باعتبار إن بعض الأنبياء كانوا ائمة في ذات وقت نبوتهم، كإبراهيم عليه السلام ومحمد صولات الله عليه وآله، كما أن لجميع الأنبياء أوصياء من بعدهم يتكفلون بإدامة تلك الديانة ومسيرتها ومسيرة ذلك النبي، حسما تريد الرسالة المكلف بها والمكلفين بإتمامها. 
وعودا على بدء، فان الإمامة كأصل متأصل في العقيدة الإسلامية، مرده حاجة الأمم الى من يحفظ ويصون الإسلام من التزوير او التلفيق او الإزاحة بالتمييع او التشدد، خصوصا وإنها رسالة متكاملة القصود والمعالجات، ولا نهاية لمعالجاتها الزمانية والمكانية، نظريا وتطبيقيا، ما يجعل منها الخاتمة، والختامية هنا تعني انقطاع النبوة بالموت الفسيولوجي للنبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وعلى آله.
أما عن دواعي انحسار التتمة للنبوة الخاتمة من خلال الإمامة، فنقول إن خاتمية الدين الإسلامي وسعة معالجاته للحياة منه والى ما يشاء الله، أمر مفروغ منه، لكن احتمالية ان تُحّرف او تُزّور او تُزّيغ من قبل البعض، هو الأخر أمر قائم، انسلاخا من جديلة الخير والشر، فحيثما يكون للخير محل، فإن للشر حبائله ووسائله، وهو ما يجعل مسؤولية الحفاظ عليها وتحصينها بالحصن والموانع، ـ ليس على صعيد التبليغ والتبشير وإنما على سبيل الإدامة والضبط لأصولها وترجمة ما قد يصعب على اتباعها فهمه، لأي سبب كان، بما في ذلك حركة اللغة (التي قد تشوش فهم النص)، او حركة الحياة (التي تستلزم المواكبة) ـ من الأهمية بمكان، ولا يكون ذلك من خلال انتخاب بشري للأمة بعد استشهاد النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله كما حاوله البعض بمسمى الخلافة، لما لذلك من مساوئ كثيرة، فكان اللا بّد يفرض نفسه في مفهوم الإمامة، بما يضمن لهذه الرسالة مسارها ومسيرها، ولا بد أن يكون لهذا المفهوم مد سماوي من جهة الله سبحانه وتعالى، وقابلية ذاتية من جهة من يجسد هذا المفهوم، مع ضرورة أن يستمر تحصين هذا المفهوم الى يوم البعث، طوليا مع مسير البشرية، فكانت الإمامة هي الوسيلة الأنضج لهذه المسؤولية الجسيمة.
وبقدر ما حُفظ الدين الإسلامي من خلال حفظ كتابه الكريم بالإرادة الألهية ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) (الحجرـ 9)، وذلك من خلال تدوينه من قبل النبي محمد صلوات الله عليه وآله من جهة وحفظه بصدور الرعيل الأول من الأئمة والصحابة المنتجبين، فإن الإمعان في هذا الحفظ كان من خلال اقرانه بتوأم وشريك لا يقبل التزوير او التقول او التفسير بغير الحق، ذلك هو الثقل الأكبر المتمثل بالأئمة من أهل بيت النبي صلوات الله عليهم اجمعين، بناء على قول النبي محمد عليه وآله الصلاة والسلام: "إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"، ما يجعل منهم ومن إمامتهم شريكا ابديا، وابدية شراكتهم هذه متأتية من خلال تناوبهم على الإمامة بنسق معين ونحو لا يخلو منهم زمن، ما يجعل من مزامنتهم للثقل الأكبر (القرآن الكريم) حفظا منهم للدين وضمان إدامته، وتوظيفه مع متغيرات الحياة مهما تطورت وتعقدت، باعتبار أن حالة الصراع بين الثوابت الإنسانية ومتغيراتها، تستلزم من يوفق بينها وبين مصالح الخلقة والإنشاء، دون ان يقاطع حاجات النفس البشرية، ولا يمكن لأحد ان يضمن ذلك ما لم يكن مسلح بدعم سماوي، وهو وظيفة الأئمة الربانيين من أهل بيت النبي عليه وعليهم السلام. 
  والخلاصة في كل ما مضى، هو إن الإمامة ضرورة أكيدة، بما تمارسه من وظيفة كبرى، بدء من الحفظ للدين، وضمان الوجهة الصواب، ناهيك عما تولده لدى العباد من حضورات في إن هذا الدين أكثر موائمة للحياة من غيره، بما يمنحه لهم وجود هؤلاء الأئمة عليهم السلام، كونهم سيواكبون حياة العباد كل حسب زمنها ومتغيراتها، بما في ذلك "خاتمهم" المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، ولا يعتبر ختمه لهم، انتهاء لإمامتهم، لأن طوله عمره الشريف فيه ما فيه من حجة وآية، ناهيك عن قدرته على مواكبة مئات الأجيال على سعة متغيرات حياتهم وميكانيكية سلوكهم حيالها.

 

فاطمة الناظم

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م