10 شوال 1445 هـ   19 نيسان 2024 مـ 12:43 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | حقوق الإنسان |  حق المعتقد
2021-10-26   616

حق المعتقد

وسط تنامي حالة الإسلاموفوبيا، ونمو الراديكال الإسلامي والتطرف فيه، يتساءل الفرد منا عن جذر هكذا توجهات، وعن صحة دعواها بالانتساب للإسلام، وهو ما يحتم علينا ان نصارح القارئ على اختلاف مشاربه ونكشف له حقيقة هذه التوجهات من خلال فلسلفة حق الاعتقاد في الإسلام وحق إبداء الرأي فيه. 
بدء، فأن القاعدة الإساس في التعامل مع معتقد الأخر هي قاعدة صريحة وسامية ـــ والسمو هنا سمو المرتبة التشريعية كونها نابعة من الدستور الإسلامي المتمثل بالقرآن الكريم ـــ وهي قاعدة ((لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي))( البقرة ـــ 256)، وهي قاعدة قائمة وثابتة ولم تنسخ باي قاعدة أخرى، ووفقا لهذه القاعدة، فأن ليس لأحد ان يجبر أحد على اعتناق الإسلام ولا حمله على الأيمان به وبنبيه، فالقهر والجبر سيكونان خارج نطاق العمل في هذا المورد، وبذلك فإن حكومة السيف ستكون في الإسلام دفاعية محض، وربما يسحب هذا؛ البساط ممن يعتقد بأن الإسلام جاء بالسيف رحمة للعالمين! وإن انتشاره إنما تحصيل حاصل لقوة سيفه! وربما سحب ذلك مشروعية بعض الحروب خصوصا فيما يسمى بالفتوحات مما سنورده في مورد أخر. 
وقد عوض الإسلام عن ذلك ـــ الإكراه ـــ بمنحيين اثنين، اولهما ما منحه للفرد من حرية في تبني عقيدته؛ شريطة ان لا تضار بها عقيدة المسلمين، في حين كان منحاه الثاني هو الدعوة الحسنة والحوار العقلاني مع من لا يؤمن بالعقيدة الإسلامية.
وإذا ما قلنا بأن الإسلام يدعم حرية المعتقد، انما نقصدُ بالصميم؛ منح الفرد حريته الفكرية، وأهم ملامح هذه الحرية بل وقاعدتها الإساس هو تحرير الفرد من حالة العبودية لغير الله جل وعلا؛ لأن فلسفة الدين ـــ كل الدين ـــ إنما هي تحرير الإنسان من عبادة غير الله وفقا لقاعدة التوحيد، وربما يستدق ذلك إذا فهمنا إن قاعدة التوحيد ستبقى هي أسُ غيرها من الحريات وما خالفها فليس من حرية، ويقترب ذلك من أن الحرية الشخصية في المجتمعات الغربية حق مكفول لأفرادها الا انه حق مقيد بقاعدة كلية تكمن في عدم تقاطع هذه الحرية مع حريات الأخرين، وفقا لنظمهم السياسية والاجتماعية، وبالتالي فأن ديمقراطيتهم مقيدة بقيد يمنع فيه حرية الافراد اذا تجاوزوها.
ولم يمنح الله ـــ باعتباره المُشّرع المطلق ـــ حتى نبيه الأكرم صلوات الله عليه وآله، على ما أهّله فيه وميزه عليهم كونه صفوتهم والدال لهم على كل الخير، لم يمنحه صلاحية غير التذكير للناس بأمر الله بشكل بعيد عن الإكراه، فليس من صلاحيته ان يكره احد على الإيمان به وبدينه ورسالته، بل وشدد على ذلك معتبرا أن أي اكراه منه ـــ أي النبي الأكرم صلى الله عليه وأله ـــ إنما يعد سيطرة غير مشروعة منه عليهم وحاشاه من ذلك، حيث أن الله جل وعلا يبلغ نبيه الأكرم قائلا ((فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عيلهم بمسيطر))(الغاشية ـــ22)، بل واعتبر اكراهه لهم ـــ إن حصل ذلك ـــ إنما هو تَجّبر منه وتكبر؛ (( نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ)) (ق ـــ 45).
وأدل دليل على حرية المعتقد في الإسلام هو إن داره ـــ البلدان الإسلامي ـــ ما زالت تحتوي المخالف من نصراني ويهودي ومجوسي؛ بل وتمنحهم حقوقهم كما تمنح المسلم في ذات الدار، وبذلك فأنه ـــ الإسلام ـــ دين التنوع ودين الكفالة حتى لمخالفيه خصوصا في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما جعل من الخليفة الشرعي لرسول الإسلام الإمام علي عليهما السلام تبني قاعدة إنسانية كبرى في التعامل مع الأخر ـــ أي أخر ـــ وفقا لما يراه من كون هذا الأخر؛ لا بد ان يكون واحد من اثنين "إما اخا لك في الدين او نظيرا لك في الخلق".   
وعلى هذا فإن قبول الإسلام لمن هو من غيره في بلاده؛ بات أوضح وأجلى من أن يناقش، إذ نراهم ـــ وأقصد غير المسلمين ـــ ينعمون بخيره وأمنه وبحرية كاملة غير منقوصة بما في ذلك ممارستهم للشعائر والطقوس الخاصة بهم.
كما يؤسس الإسلام للبناء التكاملي للبشر؛ من خلال طرحه لنظام مجتمعي وعقائدي رصين مبنّي على قاعدة من الحرية هي الأخرى رصينة برصانته، وبالتالي فهو يعرض نفسه ـــ كمباني وضوابط وفلسفة ـــ على الأخرين، ويترك لهم الحرية في قبوله من عدمه وفقا لـ ((... فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ .......)) (الكهف ـــ 299)، وهو ما جعل التأريخ عقيم بغض النظر عمن كتبه؛ من أن يذكر لنا ولو شاهدا واحدا على حالة إكراه مارسها النبي الأكرم على أحد بغية اعتناق الإسلام طيلة حياته، ونفس الأمر تتبعه خلفاء رسول الله من أئمة اهل البيت عليهم السلام، ما جعلهم يتبنون المسلك المنطقي في الإقناع والمتمثل في محاورة اهل الكتاب بل والملحدين والزنادقة، من خلال تبنيهم للحجج المنطقية الدامغة والمنطق الرصين. 
وعلى هذا وذاك، فإن حالة الانغلاق والتقوقع التي وقع فيها من يدعي الانتماء للإسلام ظنا منهم بحصر الحقيقة فيما يعتقدونه، إنما هو تنافي صريح مع أصل الخلقة الإنسانية المجبولة على التنوع والتعددية حتى على صعيد ما يعتقده هؤلاء المتنوعون والمتعددون، وهذا ما تثبته الفطرة السليمة بدوام حالة التعددية في المعتقد. 
ورغم ما يمنحه الإسلام من حرية في العقيدة، إلا انه يبقى يؤكد على فكرة التدين باعتبارها مصدر إلهي يناغم الفطرة السليمة، فضلا عن كونه خطة سماوية مثالية لترويض النفس البشرية وتربية الإنسان ضمن خطة إنشاءه.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م