16 شوال 1445 هـ   25 نيسان 2024 مـ 4:36 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أفكار ونظريات |  حاكمية الموت وحتميته في القرآن الكريم
2021-11-10   1508

حاكمية الموت وحتميته في القرآن الكريم

قراءة في مفهوم موت المخلوقات، الأحياء منها والأشياء
القرآن كتاب الله الأشمل والأدق، بل والخاتم لما قبله من كتب وصحف، وبالتالي، فأن شموليته لمناحي الحياة ونواحيها يتطلب أن يتطرق الى كل شيء، كان وكائن وسيكون، بما يجعل من الخلق في غنى عن غيره، الى الأبد.
وعلى الرغم من كونه ـ القرآن الكريم ـ كتابا سماويا، الأصل فيه التشريع والتقنين، وبالتالي فليس هو كتاب تأريخ أو علوم، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يتطرق الى كل شيء، ويحيط المستجدات منها احاطة بالغة الدقة، خصوصا في الجوانب العلمية الإعجازية التي تطالعنا المكتشفات في كل يوم بشيء جديد منها، ليثبت أنه أحاط بها خبرا، ألا أننا غفلنا عنه، خصوصا في الفضاء والفلك حيث ذُكر في القرآن الكريم فيها ما يدعو للانذهال. 
وبعيدا عن الجوانب العلمية، والسنن التأريخية في المجتمعات، فضلا عن الجانب التشريعي، فأن القرآن الكريم تطرق بشكل دقيق الى مفاهيم خاصة، لم يفطن لها الفرد قبل ذلك، ومنها حتمية الموت، ليس على صعيد الفرد فقط، إنما على المجتمعات والعوالم، وهو تعبير يمكن ان يعتبر نواة للعلوم الاجتماعية بل والسياسية، فضلا عن الإحيائية. 
ويمكن أن تقسم الموت حسب القرآن الكريم، من جهة امحل الموت، الى ثلاث اقسام، هي:

ـ موت الفرد:
تحدث القرآن الكريم عن الموت باعتباره انقضاء لأجل للفرد، وهو ما لا يختلف فيه اثنان، حيث أنه ـ الموت ـ الحقيقة الثابتة التي تتحقق على كل الخلق، فكلّ شخص من سكان هذه المعمورة مهما طال به الأمد سيكون الموت خاتمته ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ))(سورة الأنعام ـ 61)، وقوله تعالى ((وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ))()ابراهيم ـ 44)، وقوله تعالى ((ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ))(اسورة المؤمنين ـ 14 ـ16).
بل أن هذه القاعدة متسقة مع كل ما هو حي في الحياة، ويشمل ذلك كل مخلوقاته المادية منها ككل ما يدب على الأرض، فضلا عن الهلامية منها كالملائكة والجان ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ))(سورة أل عمران ـ186)، الا أن العجيب في حتمية الموت هذه، هو لازمتها لغير الفرد، حيث أن الموت يصيب الأمم والحضارات كذلك!

ـ موت الأمة:
وكحال الفرد، فأن الأمم هي الأخرى لها أجل تموت فيها وينقضي حالها، خصوصا وأن هذه الأمة أو تلك إنما هي الكيان الاجتماعي الذي تشكل من افراد وجماعات، ما يعني أنها ستنال الموت وتفنى وتزول كما هو الحال مع الفرد فيها، ما يعني أن الموت سنة إلهية على المجتمعات كما هو سنة على افراد هذه المجتمعات، لذا فأن أممنا هذه وحضاراتنا الروحية منها والمادية، ستنفى كما صارت الى فناء وزوال، الأمم السالفة عنا، كقوم سبأ ((لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19))(سورة سبأ ـ 15 ـ19)، وقوم عاد ((وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ))(سورة الأعراف ـ 74)، وقوم مدين وثمود ((كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ)) (سورة هود ـ 95)، والروم والفرس ((غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5))(سورة الروم ـ 2 ـ5)، وبني إسرائيل ((وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ  (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (135) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ(137))(سورة الأعراف ـ 34 ـ 36)، وغيرهم الملايين من الأمم، ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ))(سورة الأعراف ـ34)، بل أن موتها بذات الحتمية والتوقيت الذي وقتت لأجله، ما يعني أن انطباق الموت على الأمم يشابه جدا موت افرادها، وان موتها لا مفر منه.

ـ فناء العالم:
واتساقا من موت الإفراد وأممهم، فأن الموت سيطال كل شيء، حيا كان أم غير حي، ذرة صغيرة كانت أم جرما كبيرا، ليكون بعد ذلك العدم الا من الله الحي القيوم، (( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27))(سورة الرحمن ـ 26 ـ27).
وبغية الرد على من يرى في موت غير الأحياء استفهام، باعتبار ان الموت للروح، فجوابنا هو أن موت الأشياء ـ صغيرها وكبيرها ـ هو الإفناء والتحول والتبدل والتغير، فمن تشقق السماء وتغير لونها ((فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ))(سورة الرحمن ـ 37)، الى تبدل الشمس الى كورة وتكدر النجوم وسير الجبال وتعطيل الحمل عن حملها، واحتراق البحار ((إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ(6))(سورة التكوير ـ 1 ـ 6) الى انفطار السماء او انشقاقها ((إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ  (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ(5))(سورة الانفطار ـ 1 ـ 5)، ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ(5))(سورة الانشقاق ـ 1 ـ 5)، كلها علائم لموت الوجود، ليبقى الأجل الأكرم سبحانه وتعالى (( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27))(سورة الرحمن ـ 26 ـ27).

عبد الحسن الشمري

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م