16 شوال 1445 هـ   25 نيسان 2024 مـ 5:56 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أحكام مجتمعية |  انتهاء الزوجية... وجهة نظر اسلامية في حق الطلاق لطرفي الزواج
2021-11-14   853

انتهاء الزوجية... وجهة نظر اسلامية في حق الطلاق لطرفي الزواج

يتشدق المتشدقون على الإسلام في إطلاق سراح الرجُل بطلاق زوجته أو الإمساك عليها، وعدم منحها ذلك إلا حيث يشاء هو، وبالتالي فأن الطلاق حقّ له دونها، وهو ما جعل منها في وضع المستضعف ـ والكلام حسب تصور هؤلاء المتشدقين ـ  بل أنها أقرب للاستعباد، فضلا عن تسخيرها لإمتاع الرجل وحسب.
وقد أرجع بعضهم هذا التصور الى تأثر الإسلام ببعض ما عرفه العرب في زمن جاهليتهم، وقد عّدل الإسلام شيئا منه دون أن يترك للمرأة حقا في ذلك، إذ بقيت المرأة في هذه المعادلة ـ معادلة الزوجية ـ الجنس الاضعف والطرف المذعن! بل وأتهموا الإسلام في ذلك بأن أحكامه إمضائيّة وتقريرية لما كان سائدا قبله، وليست تصحيحية تأسيسيّة لما يفترض أن يكون.
والحق فإن الإسلام جاء بطرح نوعي جديد، بل وبثقافة شمولية تتسق مع الفطرة السليمة رافضا بذلك ما يجافي العدالة والإنصاف مما كان سائدا، ولم يجامل في ذلك طرف أنملة، ليس لأنه لا يقبل ما كان سائدا، بل لأنه يشرع ما تقبله الفطرة السليمة ويؤيده العقل السوي، خصوصا وأن المشرع هو الله جل شأنه الذي لا تغيب عنه صغيرة ولا كبيرة. 
وبخصوص التشريعات الإسلامية، فإن الإسلام رسم الإطار العام وترك التفصيلات لظروفها، حسب قاعدة "حلال مُحمّدٍ حلال أبداً إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة".
من جهة أخرى، فأن التشريعات الإسلاميّة تنقسم الى قسمين اثنين، ثابت ومتغيّر، والثابت هو ما شُرِّع وِفقا لمصالح عامّة، لا تغيره الأزمنة ولا الأمكنة، وهو الأصل في المراد من معنى "التشريع"، وبخلافه هو النوع الثاني والمسمى بالفقه المتحرك أو "المتغير" الذي يشُرّع لمقتضيات محددة، أي أنه يبتنى لمصالح وقتيّة، يبقى ببقائها وينتهي بنهايتها كبعض الأحكام الاجتماعية والسياسيّة.
أما عن تهمة القاط الإسلام لما كان سائدا دون أن يبذل جهدا في سبيل تنقية التراث المعهود، فهي تهمة لا وزن لها، ولا قيمة، لأن الإسلام لم يقبل التنازل عن المبادئ او المُداهنة والمُجاملة على حساب العقيدة، كونه تشريعا سماويا من لدن حكيم عليم، وهو ما أكده القرآن الكريم مرارا، ومنه قوله جل وعلا: (( ... وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ))(سورة البقرة ـ 120) وقوله تعالى: ((.......وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ))(سورة البقرة ـ 145)، وقوله تعالى: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ... ))(سورة الإنعام ـ 116).
وقبل الرد على من أتهم الإسلام بظلم المرأة من خلال تقييد الزوجية بالرجل وحصرها بيده دونها! لا بد لنا من أن نعرف الطلاق ونعّدد انواعه. 
يعرف الطلاق على أنه فِراق بعد تآلف، يحصل بين الرجل والمرأة، ولا يكون إلا عن كراهية مُعقَّدة لا يُمكن حلُّها إلاّ به، والكراهية هنا قد تكون من الزوج صوب زوجته فيسمى رجعيا، إذا كان عن دخولٍ بها ولم تكنْ التطليقةُ الثالثة، ولم تكنْ المرأة يائسةً، وشرائط أُخَر مذكورة في محلّها.
وإذا كان منها، فيسمى خُلعيا؛ لأنّها خلعت نفسها منه، بعد أن بذلت مَهرها في سبيل ذلك كي تتخلّص بنفسها وتنفلت عن قيد الزوجيّة.
وإذا ما حصل من الطرفين على حد سوء، فيسمى بالمُباراة، وهي التخلّص والفصل بينهما، وقد سمي كذلك من أصل "تَبارَأَ" أي تفرقا وتفارقا.
وعلى هذا وذاك، فأن صور الطلاق هي كالآتي:
ـ رجعي اذا كان عن رغبةِ من الزوج.
ـ خلعي إذا كان عن رغبة من الزوجة.
مباراة إذا كان عن منهما.
وعليه فالطلاق يمكن أن يكون حقا للمرأة كما هو حقا للرجل، وليس بيد الرجل حصرا كما يدعي هؤلاء.
فقد ورد عن نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وآله أنه رأى في  امرأةً ـ ولعلّها جميلة بنت أُبيّ بن سلول ـ تزوّجها رجلٌ دَميمٌ (كريه المنظر) وأَصدَقها حديقة، فلمّا رآها كَرِهتهُ كَرَاهةً شديدةً، فجاءت إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وأَبدت كَراهَتَها له وقالت: "إنّي لأَكرَهَهُ لدَمامَته وقُبحِ مَنظره حينما رأيتُه"، وزادت: "إنّي لو لا مخافة الله لبَصَقتُ في وجهِهِ"، قالت: "إنّي رفعتُ الخِباء فرأيته مُقبِلاً في عدّةٍ، فإذا هو أشدُّهم سواداً وأقصرهم قامةً وأقبحهم وجهاً"، قالت: "والله، لا يجمع رأسي ورأسَه شيء"، فقال لها رسول الله صلّى اللّه عليه وآله: "أَتَرُدّين عليه حديقتَه"؟ قالت: نعم، وأَزيدُه، قال لها النبيّ: "لا، حديقته فقط"، فردّت عليه حديقتَه، فَفَرّق بينهما صلوات اللّه عليه وآله، بل أن ذلك حصل بغياب زوجها، بدلالة تكملة الرواية: فلمّا بَلَغه قضاء رسول اللّه وحكمُه بالفِراق بينهما قال: "قد قَبِلتُ قضاء رسول اللّه صلوات الله عليه وآله".
وهذا تأسيس لحق المرأة في طلب تطليق نفسها إذا أحدث الزواج كراهة منه نحوه، عندها يحق لها أن ترفع امرها للحاكم الشرعي، ليفصل في أمرها وليس للزوج الامتناع عن ذلك.
كما جاء في حديث الإمام أبي جعفر عليه الصلاة والسلام قوله: "لا يكون الخُلع حتّى تقول: لا أُطيع لك أمراً ولا أَبرّ لك قَسَماً ولا أُقيم لك حدّاً فخذ منّي وطلّقني، فإذا قالت ذلك فقد حلّ له أنْ يَخلعها بما تراضيا عليه من قليلٍ أو كثيرٍ، ولا يكون ذلك إلاّ عند سلطان، فإذا فعلت ذلك فهي أَملك بنفسها من غير أنْ يُسمّى طلاقاً".
كما روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام في مورد أجابته عن سؤال في أمرأه تُباري زوجَها أو تَختَلع منه بشهادة شاهِدَينِ على غير طُهرٍ مِن غير جُماع، هل تَبينُ منه بذلك؟ أو هي امرأته ما لم يُتبِعُها بطلاقٍ؟ فقال: "تَبينُ منه"، قال: إنّه رُوي لنا أنّها لا تَبينُ منه حتّى يُتبِعُها بطلاقٍ! قال عليه الصلاة والسلام): "ليس ذلك إذن خُلع"، فقال: تَبينُ منه؟ قال عليه الصلاة والسلام): "نعم".
كما ورد عن الإمام محمد الباقر عليه الصلاة والسلام فيمَن كانت عنده امرأة ولا يقوم بنَفقتِها... قال: "كان حقّاً على الإمام أنْ يُفرّق بينهما"، 
وعلى هذا وذاك، فلم يعد أمر الطلاق من خصوصيات الزوج، ولا مما خُص به، إذ أن للزوجة إلزامِ زوجها بطلاقها إذا اقتضت مصلحتها ذلك، وفقا للقاعدة الفقهية: "لا ضَرَر ولا ضِرار في الإسلام".
وتأكيدا لذلك، فقد ورد الإمام جعفر الصادق عليه الصلاة والسلام قوله: "..... والطلاق والتخيير مِن قِبل الرجل، والخُلع والمُباراة يكون مِن قِبل المرأة"، وبذلك فقد منح الإسلام للمرأة حق خلع نفسها من الزوج اسوة بحقه في ذلك، أي أن لها خلع نفسها حسبما تقتضيه مصلحتها ورغبتها، ولا خِيار للزوج في ذلك، وهو ما يٌثبت أن حق الطلاق منصرف للزوجين، ولا ينحصر بالزوج دون الزوجة، وهو ما يعني أن خلاصها ـ إن أختار ذلك ـ مسموح وممكن لها، وليس له أن يبقيها رهينة لرغبته سيما المتعسفة منها.
أما عن تقييد المرأة بمراجعة الحاكم الشرعي، وأطلاق ذلك للرجل، فمرده هو الفَروقات الطبيعية في تكونهما السيكولوجي والاجتماعي، كونها أكثر إحساسا وانفعالا، بل إنها عاطفية جدا بالقياس اليه، وهو ما قد يدفعها للحالة الثأرية كردة فعل للعاطفة غير المتوازنة؛ مما جُبلت عليه خلقيا، في حين أنه يتسم بالهدوء وبعد النظر خصوصا وأنه هو الذي بدأ المشروع وتكلف في سبيله الغالي والنفيس، ما يعني أنه الأكثر حرصا على ذلك منها.  

العلوية فاطمة الجابري

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م