11 شوال 1445 هـ   20 نيسان 2024 مـ 4:17 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  مكانةُ المرأة في الإسْلام وتحريف الحَدَاثيين له
2021-11-15   1280

مكانةُ المرأة في الإسْلام وتحريف الحَدَاثيين له

تُعنى مكانة المرأة داخل المنظومة الإسلامية بأولوية فائقة وباهتمام خاص لدى دوائر صناعة وتسويق الفكر الحداثوي الغربي، الذي يدَّعي السَّعي لتحريرها من سطوة الدِّين.
وفي معركتهم مع الدِّين عموما، ومع الإسلام خصوصا، استخدم الغرب عدَّة وسائل كان موضوع المرأة أشرسها، وذلك لما تمثِّله هذه الأخيرة من دور تأسيسي في البناء المجتمعاتي، فوجهوا سهامهم للمرأة المسلمة مستفيدين تارة من الخطاب الدِّيني الحداثوي، الذي يهدف إلى تجريد المرأة من جميع التَّقاليد المنبثقة من قيم الإسلام، وتورا من سلوك وأراء بعض المتديِّنين المتدفِّقة من فهمهم الخاطئ ونظرتهم الدُّونية التي تنزع من المرأة إنسانيّتها.
وبين رؤية الفكر الحداثي، وأولئك الذين صنعوا وفرضوا حواجز أمام تقدُّم المرأة والإستفادة ممَّا شرَّعه الله لها، بسبب استنادهم إلى أحاديث أُسيء فهمها وتفيسرها، إخترنا من خلال هذه السُّطور الاسهام في تبيين الرُّؤية القرآنية لمكانة المرأة ودفع الشُّبهات المثارة حولها.
فمن التَّجلِّيات الواضحة لمظاهر احترام القرآن للمرأة، هو حضورها الواسع في كثير من مستويات خطابه، فهي حاضرة على مستوى التَّكريم بوصفها من بني آدم ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر))(سورة الاسراء ـ70)، وأيضا موجودة كشريكٍ للرَّجل في الإنسانيّة ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً))((سورة النساء ـ1) ومساوية له في كلِّيات التَّكاليف ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ))(سورة التوبة ـ71) وفضلا عن الخطاب التَّشريعي، تبين الآية الكريمة شراكة المرأة للرَّجل في مسألة الولاية من خلال وحدة الهدف في مسيرة بناء المجتمع الصالح، وهي غاية تُثاب عليها المرأة كما يُثاب عليها الرَّجل ((أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ))(سورة آل عمران ـ 195) وعليه، فالمرأة  تتساوى وفق المعايير الإلهية مع الرَّجل في الإنسانية وفي الحقوق المتعلِّقة بها، وأيضا في الإيمان والتَّكاليف.
وكذلك وعلى المستوى الاجتماعي تبوَّءت المرأة مكانة القدوة في المجتمع، وهو ما يقرَّه القرآن في نموذجي إمرأة فرعون ومريم بنت عمران، وما يستحقُّ التَّوقُّف عنده في المثالين، هو:
دور المرأة المتميَّز، والذي لا يمكن أن يؤدِّيه سواها، في امداد المجتمع بالقيم الأخلاقية، بدءًا بتربية النَّاشئة وصولا إلى تكريس قيم العفَّة والفضيلة، وهو ما حصل مع مريم البتول التي واجهت افتراءات قومها بالصَّبر والعبادة، حتى برَّأها الله وجعلها مثالا أعلى في الخلق والعفَّة والطَّهارة. 
ومشاركة المرأة في الأحداث السِّياسية وفي الشَّأن العام، وهو ما نفهمه من تمسُّك امرأة فرعون بكلمة الحقِّ وإصرارها على معارضة فرعون.
وأيضا أنَّ المرأة لها من الاستعداد وقوَّة الإرادة ما يسمح لها ببلوغ أعلى مراتب السُّلَّم الاصلاحي، انطلاقا من احترامها لذاتها وتذلُّلها لله والتزامها بتشريعاته.
وعليه، فرغبةً في الكيد، تتَّخذ عموم المدرسة الغربية الحداثوية من موضوع المرأة في الإسلام، مطيّة للنَّيل من الدِّين نفسه، متَّهمين الشريعة بازدراء المرأة والتَّقليل من شأنها وسحق شخصيّتها وانسانيّتها أمام الرَّجل، وبالتّالي هضم حقوقها وقمع حرِّيتها... .
ولعلَّ ذروة هجومهم تتمثَّل في توجيه سهامهم من خلال فهمهم الخاطئ لمثلث: الحجاب، والارث، والقِوامة؛ 
فهم يفهمون أنَّ القْوامة ترتبط بهيمنة الرَّجل على المرأة في جميع ميادين الحياة العامَّة، وهذا خلاف لما قصده القرآن ا لذي أتى بلفظة "قَوَّامُون"، الذي قصد بها نوعًا من أنواع الإدارة والاشراف على المصالح الأسريَّة، وهي مسؤولية تتوافق وطبيعة الزوج أكثر منها مع الزوجة، وبالتالي لا يجب أن  يُفهم من القِوامة هنا سلب حقوق المرأة المادِّية والمعنوية، ولا اقصاءً لها من أداء وضيفتها الاجتماعية والسياسية المكفولة قرآنيا بموجب مساواتها مع الرجل في الانسانية. 
وأيضا مفهوم الحجاب، فمن المنظور الغربي الحداثوي لا تدلُّ هذه المفردة على شيء غير تقييد الحريّات، وهي قراءة تنمُّ عن عدم الاحاطة بالأبعاد الفلسفية والمعنوية والأخلاقية للحجاب، مما يعطي للإشكال حجما كبيرا من السَّطحية،  ما دام النّظر لم يأخذ في الحسبان صون المجتمع من فوضى الفواحش التي تخبّطت فيها مجتمعات الجاهليّة، وتعاني منها اليوم المجتمعات الغربيّة، فثقافة الحجاب من شأنها أن تُنمِّي السُّلوك الفردي والجمعي وتحصِّن أفراد المجتمع من شيوع الرَّذيلة.
بقيت الدَّلالة المُعْطَاة لمفهوم المساواة في مسألة الميراث من لدن الحداثيّين مقتصرة على قوله تعالى: ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ))(سورة النساء ـ 11) في الوقت الذي كان فيه الكلام عن الميراث في أكثر من موضع  من القرآن الكريم، فهناك آيات كثيرة يستفاد منها أنَّ الضابطة في تقسيم وتوزيع حقوق المرأة في الإرث جاءت بلحاظ موقعها داخل الأسرة بوصفها أُمًّا أو بنتًا أو أختًا أو زوجة، ممَّا يدلِّل على أن أحكام الميراث لا تُبنى على التَّمايز البيولوجي بين الجنسين، بل أقيمت على أساس موقع الرَّجل والمرأة من الأسرة - قربا أو بعدا - مع مراعاة التَّفاوت في المسؤوليات وتحمُّل التَّبعات، من دون فرق بين الرَّجل والمرأة، وهذه هي عين المساواة التي تكون على أساس طبيعة ووظيفة وموقع كلٍّ منهما. 
أمَّا الحقيقة التي تتأسَّس عليها دعوة الغرب، ويسمونها مساواة ففي واقع الأمر هي دعوة للمشابهة من جهة الكم في الميراث، لوضوح أن مفهوم المساواة يختزل في داخله بل يتقيَّد بمبدأ العدالة التي هي الأخرى تُبنى وتتقيَّد بمراعاة التَّفاوت في المسؤوليات وتحمُّل التَّبيعات.
وأخيرا.. ولمّا كانت حقيقة الإنسان بروحه لا بجسده المادي، جاء الدِّين الإسلامي بتشريعاته وأحكامه لانتشال إنسانية المرأة التي تمثل حقيقة وجودها، من الدُّونيّة والانحطاط الذي كانت تعانيه في الجاهليّة، فسنَّ تشريعات وأنزل أحكاما تساعدها على تنمية البعد المعنوي فيها حتى ينعكس في سلوكها الخارجي ويغذِّي إرادتها في تأدية دورها الحسَّاس في المجتمع، وهذا لا يعني أيضًا إهمال الشَّريعة للبعد المادِّي، بل حاولت أن تأطره وفق المصالح التي فرضتها التَّشريعات الإلهية. 
وهذا التَّوازن الحاصل بين البُعد المادي والمعنوي في المرأة مفقود في المدرسة الغربيّة الحداثويَّة، لكونها تعطي الأصالة للشَّكل الخارجي في المرأة مختزلة حقوقها وحرِّيتها وإنسانيتها ووجودها فيه، وهذه النَّظرة السَّطحيّة والتَّرويج لها لم يكن فعلا اعتباطيا، أو اهتماما بتطوير واقع المرأة ، بل كان برنامجا مدروسا  ينطوي تحت فكرة "علمنة المرأة كمدخل لإفساد المجتمعات المسلمة".

فؤاد بيَّاش التُّونسي 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م