11 شوال 1445 هـ   20 نيسان 2024 مـ 3:38 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  السَّهْرَوَرْدِي.. فيلسوف الإشراق المقتول
2021-11-15   1532

السَّهْرَوَرْدِي.. فيلسوف الإشراق المقتول

هو شهاب الدِّين يحيى بن حبش بن أميرك السَّهْرَوَرْدِي، ومن أشهر ألقابه: شهاب الدِّين، وكذلك يُكنى بأبي الفُتُوح، وأيضا يلقّب عند المتأخِّرين بشيخ الإشْرَاق، ولد في سهرورد القريبة من مدينة زنجان الإيرانية سنة ( 549 هـ)، وتوفي مقتولاً سنة ( 586 هـ).
كان السَّهروردي من أهم وأبرز الفلاسفة المتصوِّفين والمتفقّهين في زمانه، بل هو المؤسِّس للمذهب الفلسفي الذَّوقي الموسوم بـ"حكمة الإشراق"، أمَّا من جهة الانتماء المذهبي فالمرجَّح كونه شافعيًا، غير أنَّه يُذكر ويُتَّهم بكونه انتقل إلى المذهب الإسماعيلي في المراحل الأخيرة من حياته، استنادا على انتدابه ليكون داعيةً للمدرسة الإسماعيليَّة  النِّزاريَّة. 
دَرَس في بداية مراحله الدِّراسية في مدينة مُراغة التي نشأ فيها وهو ابن العشر سنين، على يد شيخه مجد الدِّين الجيلي ـ الذي هو أحد أساتذة ومشايخ  المتكلِّم والمفسِّر فخر الدِّين الرَّازي ـ وينسب ثمَّ يعود  إليه الفضل في تكوين شخصيته العلمية، فدَرَّسه النَّحو، والصَّرف، والقرآن الكريم، والفقه، والأصول، والفلسفة، والمنطلق، ويذكر أنَّه تعرَّف على الفَخر الرَّازي في هذه المدينة، وأثناء تواجده فيها دارت بينهما نقاشات وحوارات ومباحثات عديدة. 
ثمَّ انتقل إلى مدينة أصفهان التي كانت من المراكز والمعاقل الرئيسية للعلم والعلماء في تلك المرحلة، فأكمل فيها دراسته للفلسفة والمنطق على الطريقة المشائيّة السِّنَاوية، فدَرَس كتاب  البصائِر النَّصرانيَّة على يد شيخه وأستاذه الشَّيخ: ظهير الدِّين القاري، ويُنقل أنّه وأثناء تواجده في أصفهان كتب عدِّة مؤلّفات منها "بُستان القلوب"، الذي سبق مصنّفه المشهور بـ"حكمة الإشراق" الجامع لمباني وأُسُس مذهبه الفلسفي الإشراقي. 
وبعد أن تزوَّد بما يحتاجه من المعارف والعلوم الدينيّة والعقليّة في مدينة أصفهان، وقبلها مدينة  مُراغة، دخل في مرحلة السَّفر والتِّرحال بين المدن والمناطق الإسلاميّة باحثا عن الحقيقة التي تنشدها دواخله، دأبه  في ذلك دأب المتصوِّفة والعارفين الّذين لهم ذوقًا معرفيًّا خاصًا في فهم الوجود وتجلِّياته على الصُّوَر والحقائق الممكنة، فتنقَّل بين بلاد فارس والعراق، وكذلك تجوَّل في بلاد الأناضول حتى استقرَّ به الحال في مدينة حلب الشامية. 
وفي مدينة حلب السورية، قضى ما تبقى له من عمره، حيث ذاع صيته بين بعض المريدين لمعارفه الفلسفية والذَّوقيَّة، ولعلَّ جرأته في طرح آرائه وشجاعته في بيانها لعموم النَّاس، هو ما سرَّع في حصول المجابهة والمصادمة مع فقهاء حلب، بعد أن انعقدت ودارت بينه وبينهم  نقاشات ومناظرات عديدة، فرفضوا آرائه وسفَّهوا أقواله، بل وحكموا عليها وعليه بالزَّندقة والكفر والتَّضليل.
وقد نقل الذَّهبي في سير أعلام النُّبلاء عمَّا قيل فيه، فقال: 
وقال ابن أبي أصيبعة: "اسمه عمر، وكان أوحد في حكمة الأوائل، بارعا في أصول الفقه، مفرط الذكاء، فصيحا، لم يناظر أحدا إلا أربى عليه".
قال الفخر المارديني: "ما أذكى هذا الشاب وأفصحه، إلا أنِّي أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره".
وقال المارديني: "ثم إنَّه ناظر فقهاء حلب، فلم يجاره أحد، فطلبه الظاهر، وعقد له مجلسًا، فبان فضله، فقرّبه الظاهر واُختص به، فشنعوا [ عليه ]، وعملوا محاضر بكفره، وبعثوها إلى السُّلطان، وخوّفوه أن يُفسد اعتقاد ولده، فكتب إلى ولده بخط الفاضل يأمره بقتله حتما، فلما لم يبق إلا قتله، اختار لنفسه أن يمات [يموت] جوعا ، ففعل ذلك في أواخر سنة ست وثمانين بقلعة حلب، وعاش ستا وثلاثين سنة".
قال ابن خلكان: "وكان يُتَّهم بالانحلال والتَّعطيل، ويَعتقد مذهب الأوائل [ لعلَّه يقصد الفلاسفة المتقدمين على الإسلام]، اُشتهر ذلك عنه، وأفتى علماء حلب بقتله ، وأشدهم [عدواة وفَتوة عليه] الزَّين والمجد ابنا جهبل، قلت [القائل هو الذَّهبي]: أحسنوا وأصابوا [ أي مَن أفتوا في قتله ].

فبعد التَّحريض عليه من قِبل فقهاء حلب لدى صلاح الدِّين الأيّوبي، وإصدار الفتاوي المكفِّرة والمُضَلِّلة له ، وعلوّ أصوات المبيحين لدمائه والمطالبين بقتله، تمَّ الحكم عليه بالإعدام، فقُتل وهو لم يتجاوز عقده الرابع من العمر، وقد اُختلف في طريقة إعدامه وقتله، فمنهم من قال أنَّه سجن حتى مات جوعًا وعطشًا، ومنهم من ذهب لكونه قتل بالسَّيف، ومنهم من رجَّح أنَّه مات حرقًا. 
ولقد وصلتنا عدَّة مؤلّفات له، غير أنَّه ومع التتبُّع والتَّدقيق نجد أنَّ بعضها ثابتُ النِّسبة له، والبعض الآخر غير ثابتٍ، إلاَّ أنَّها مشهورة النِّسبة له . 

من آثاره المكتوبة : 
- كتاب حكمة الإشراق . 
- كتاب الأسماء الإدريسيَّة .
- كتاب الأربعون اسمًا .
- كتاب المشارع والمطارحات . 
- كتاب البصر . 
- كتاب هياكل النُّور .
- كتاب الرمز المومي . 
- كتاب التَّنقيحات في الأصول . 
- كتاب البارقات الإلهيَّة . 
- كتاب الرَّقيم القُدسي .
- رسالة مختصرة .
- رسالة في اعتقاد الحكماء . 
- رسالة عقل سرخ.

حبيب مقدَّم التُّونسي

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م