17 شوال 1445 هـ   25 نيسان 2024 مـ 2:39 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  حلولٌ إسلامية لمشاكلٍ حضارية.. شيخوخة السكان أنموذجاً
2021-11-19   1853

حلولٌ إسلامية لمشاكلٍ حضارية.. شيخوخة السكان أنموذجاً

تظهر قوة الدين الإسلامي في تقديمه الحلول الناجحة للمشكلات التي تعاني منها البشرية، وهذا من دلائل إعجازه، فكلما تقدّم الزمان وتطوّرت تجارب البشر، كلما ظهرت دلائل جديدة تؤيد صحّة الأحكام الإسلامية، والتتبع التاريخي يظهر لنا مراتٍ كثيرةٍ تمّ فيها محاربة الأحكام الإسلامية ومخالفتها لتظهر بعد فترة صحتها والآثار المدمرة لمخالفتها، وما هذا إلا لكونها موافقة وملائمة للفطرة البشرية، وواضع هذه القوانين هو رب العالمين، فهو أعرف بما يلائمهم ويناسبهم.
ومن المشكلات العالمية التي ظهرت حديثاً مشكلة "المجتمع الهَرِم" و "شيخوخة السكان"، وهي نتيجة سياسة متّبعةٍ لسنواتٍ طويلة في كثير من الدول والمجتمعات.
 ففي عام 1798م ، ألّف «مالتوس» كتاباً أسماه «رسالة في الأصل السكاني»، وفي ذلك الكتاب رسم مستقبل البشرية بنظرةٍ تشاؤمية، وقال: "ينبغي الحدّ من النموّ السكّاني، وإلا فإنّ الجوع والانفجار السكّاني سوف يهدّدان العالم".
وقد سَرَت هذه النظرية بسرعةٍ في العالم بشكلٍ متزامنٍ تقريباً، وصدرت الكثير من الدراسات التي وصفت "بالعلمية" تأييدا لهذه النظرية، وراحت تدعو لتحديد النسل، حتى عُدّت من ضرورات تقدّم المجتمعات، وقامت  المنظمات النسوية الغربية بتشجيع تحديد النسل والترويج لفكرته، لأن هذه المنظمات تعتبر الأمومة من معوقات تحرّر المرأة وتقدّمها، والإنجاب من وسائل سيطرة الرجل على المرأة، فأي فكرةٍ تحارب الإنجاب يقومون بترويجها، بالإضافة للقوى الرأسمالية التي ساهمت في الترويج لتوجه المرأة نحو سوق العمل، وتسليعها فيه، فضلا عن التقليل من قيمة الإنجاب وتربية الأولاد والاهتمام بالأسرة كواجب أصلي من واجباته مما يتسق وفطرتها وبنيتها الجسمانية والعاطفية.
ووصل الأمر إلى سنّ قوانين متطرفة في سبيل تحقيق هذه الفكرة، من قبيل تجويز الإجهاض، والذي يعتبر قتلاً للأطفال في أرحام أمهاتهم وتقطيعهم بطريقةٍ وحشية؛ وهو ما حرّمه الإسلام، مما أدى الى انتشار واسع لهذه العمليات، وهذا يعني عشرات ملايين الأطفال تمّ قتلهم قبل أن يولدوا.
ومن قبيل سياسة الطفل الواحد التي اتبعتها الصين، وهو قانون يمنع من إنجاب أكثر من طفلٍ واحدٍ للزوجين، فقد أدى ذلك الى تزايد أعدادُ المسنين بسرعةٍ كبيرة، مع تراجع عدد المواليد، مما جعل المجتمع الصيني يتحول إلى مجتمعٍ مسن وهرم، تضرب الشيخوخة اركانه وبنيانه، ناهيك عن الآثار النفسية لهذه السياسة ـ سياسة الطفل الواحد ـ حيث حذرت دراسة أسترالية نشرها موقع "ساينس ديلي" الأمريكي من أن تطبيق هذه السياسة أسفر عن أجيال أكثر تشاؤماً وخوفاً من المخاطر، وأقل ثقة بالغير، وأشارت الدراسة إلى انتشار ما يعرف بـ"متلازمة الامبراطور الصغير" بين الشباب الصيني الذين ليس لديهم أخوة أو أخواته حيث يتسمون بالأنانية والانطوائية والنزعة الاستهلاكية.   
وفي تقريرٍ صدر عن منظمة الأمم المتحدة بعنوان (سكان العالم حتى عام 2300)  يقول: "أن الاتحاد الأوروبي - والذى تجاوز 455 مليون نسمة عام 2005- سوف يتقلّص سكانه إلى 59 مليوناً، وأن الألمان والفرنسيين والبريطانيين لن يكون لهم - نظرياً  ـ وجودا في عام 2300م".
ولتوضيح حجم الفزع الذى ينتاب الغرب من تناقصه السكانى، فلننظر إلى ما قاله باترك بوكانن، عام 2001، في كتابه "موت الغرب ــ The Death of the West":
"إن الغرب يموت بعد أن توقفت شعوبه عن التكاثر، وأوروبا قد شاخت، وقد أصبحت رجلاً ميتاً يمشي".

وهذه النتائج الخطيرة دعت الدول إلى تغيير رأيها حول الكثير من القوانين التي نتجت عن فكرة تحديد النسل، بل جعلتهم يقرّون قوانين مخالفة لما تبنوه أولاً؛ تشجيعاً لسكانها على التناسل لزيادة معدل الولادات والتخفيف من الآثار المدمرة التي تسبّبوا بها.
فقد أعلنت الصين عن وقف سياسة الطفل الواحد، حيث أصبحت تشكل تهديداً للاقتصاد الصيني، بعد أن أصبح من المؤكد أن أعداد العمال في الصين لا تتوافق مع احتياجاتها السكانية في المستقبل.
أما المفوضية الأوروبية فقد دعت في تقريرٍ رسميٍّ لها إلى اعتماد ما وصفته بسياسات صديقة للأسرة؛ لتشجيع الأوروبيين على إنجاب المزيد من الأطفال.
وكذلك الأمر بالنسبة لليابان التي تعاني من شيخوخة حادة في سكانها، والولايات المتحدة الأمريكية ليست بمنأى عن نفس الكارثة.
لكن هذه القرارات لم تساهم بشكل فعال في الحدّ من الأضرار، لأن شعوب هذه الدول ما زالت تعني من بقايا الدعاية السلبية ضد الإنجاب وتكوين الأسر الطبيعية، وما زالت متخوفة من التبعات الاقتصادية والاجتماعية للإنجاب.
إن ما تبحث عنه هذه الدول من حلولٍ لما تعانيه شعوبها، والتي تعتبر أكثر الشعوب تقدماً، هو عينه ما دعا إليه الإسلام وشجّع عليه منذ البداية، من الدعوة إلى تكثير النسل واعتباره من أسباب قوة الأمم، والترغيب بالزواج واعتباره من أسباب التكامل الروحي وكثرة الرزق وبالتالي تقدّم الاقتصاد، واعتبار الأولاد زينةً للحياة الدنيا، كما نه حارب عملية "الوأد" التي كانت تقوم بها بعض القبائل في الجاهلية خوفاً من الفقر، حيث نبههم أن لا حاجة اقتصادية للتخلص منهم كما اعتقدوا، بل اعتبر الاسلام الإنجاب من أسباب الرزق، وتجربة الأمم أثبتت أن الإنجاب والكثرة السكانية من أسباب التقدّم والرفاه الاقتصادي.
وبسبب مواجهة علماء المسلمين للترويج لنظريات تحديد النسل والتقليل من الإنجاب، تمّ اتهام الدين الإسلامي بأنه دين متخلّف وقبلي وفوضوي، يعتمد على أفكار بدوية تناسب مجتمع القبائل في شبه الجزيرة العربية، حيث كانت القبيلة تعتمد في استمرارها على كثرة عدد أفرادها، ولذلك شجع الدين الإسلامي على كثرة الإنجاب، وها هي الأيام والتجارب أثبتت صحة ما دعا إليه الإسلام في هذا الشأن، وبطلان ما اتهموه به من كونه نتيجة بيئة قبلية، بل تبيّن كونه رسالةً عالمية.
ولجوء الأمم إلى ما شرعه الله عند حدوث الكوارث  سنّة تاريخية، وتظهر لنا بملاحظة ما أدت إليه سياسات الدول التي تدّعي تقدّمها، وعدم حاجتها للدين الإسلامي اعتماداً على علومهم التجريبية، حيث سنجد أنهم وقعوا في مشكلاتٍ خطيرة، ستؤدي لانقراضهم، فيلجؤون إلى البحث عن حلول، وكثيراً ما يتوصلون إلى حلول هي في الحقيقة نفس أحكام وقوانين الإسلام وإن لم يشعروا أو يعترفوا بذلك؛ لأن القوانين الإسلامية هي صادرة ومجعولة من قبل الله تعالى، فهو خالق البشر وأعلم بما يناسبهم، فمن صفات الإسلام أنه دين الفطرة، والفطرة مشتركة بين جميع البشر، فلو وُضِّحت أحكام الإسلام وقوانينه بأدواتٍ وطرقٍ مناسبة، لرأينا أفواج الناس التي تميل قلوبها لقبول هذا الدين، قال الله تعالى:
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ))(سورة الروم ـ30).  
لكن المشكلة هي ببعض البشر الذين ظلموا أنفسهم وظلموا الناس بمحاربة هذا الدين، والسعي لطمسه وتحريفه، ومحاربة ما دعا إليه، وإخفاء معالم حقّانيّته، وتشويش صورته الناصعة، وتشويه سمعته النظيفة. 

السيد علي قاسم الرضوي

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م