10 شوال 1445 هـ   19 نيسان 2024 مـ 5:16 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | حقوق الإنسان |  حقوق الإنسان في الإسلام.. حق الحياة مثالًا
2021-11-19   1007

حقوق الإنسان في الإسلام.. حق الحياة مثالًا

الحقوق هي مجموعة من المبادئ الثابتة والمستحقة لكل شخص لمجرد كونه إنسانًا، ولا يجوز لأي أحد أن يسلبها منه.
ولما كانَ الدين الإسلامي دينًا تهمه حياة الفرد من كافة جوانبها، بغضِّ النظر عن عرقه أو لونه أو مكانه الجغرافي أو مكانته،  فقد أولى الإسلام - منذ أربعة عشر قرنًا - جانبا مهما للحقوق والحريات، وأطّرها بأسس لا يشوبها الخطأ والنقصان، وجعل لها ضمانات وأصول، وألزمَ الناس باتباعها لكي تعيش البشرية في سلامٍ ووئام. 
ولذلك نرى القرآن الكريم، وهو بمثابة الدستور والكتاب الأول في الإسلام؛ قد حوى جزءا ليس بالقليل حول الحقوق العامة والحريات، والتي تشمل حقوق الحيوان والنبات والإنسان، وكل ما أوجده الباري  عزّ وجلّ علىٰ الأرض. 
وكذلك ما جاء في السُنة النبوية الشريفة من النهي عن حرق النخل وإغراقه بالماء، وقطع الأشجار المثمرة وحرق الزرع وعقر البهائم إلا للأكل، وهذهِ وصاياه في النبات والحيوان فكيف بالإنسان، وهو أعظمُ مخلوقٍ خلقه الله وكرّمه بأن جعلهُ خليفة في الأرض دون باقي المخلوقات.
ومن آثار هذه الكرامة أن جعلَ حياة الفرد تكاد تكون مساوية لحياة النوع البشري بأكمله، فقال تعالىٰ: ((مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ))(سورة المائدة ـ 32).
ويمتد هذا التكريم للإنسان حتىٰ بعد وفاته؛ فقد نهىٰ الإسلام عن المثلة ولو بالكلب العقور، فما بالك والحديث عن الإنسانـ سيد المخلوقات.
وهذا عكس ما ينصرف لذهن البعيد عن الإسلام من أنه دين قتلٍ وحروب، لأنه لم يَسمع عنه إلا ممن تلطخت أيديهم بالدماء، والإسلام منهم براء.
بل حتى الحروب التي خاضها المسلمون؛ كانت فقط وفقط للدفاع عن الإسلام والمسلمين، ولم يُبدأ في الإسلام بحربٍ لغيرِ ذٰلك، وحتىٰ في مثل هذهِ الحروب كان النبي صلوات الله تعالى عليه وآلهِ يشدّد علىٰ المجاهدين بأن يرفقوا بأعدائهم،  فعن  أبي عبد الله الصادق عليه الصلاة والسلام: "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تغلوا ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا امرأة ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله فان تبعكم فأخوكم في دينكم وان أبى فأبلغوه مأمنه ثم استعينوا بالله عليه".
وكان أميرُ المؤمنين علي صلواتُ اللّٰهِ عَليه لا يقاتل حتى تزول الشمس ويقول: "تفتح أبواب السماء، وتقبل الرحمة، وينزل النصر"، ويقول في مورد أخر: "هو أقرب إلى الليل وأجدر ان يقل القتل ويرجع الطالب ويفلت المنهزم!"
وأعتبر الإسلام حق الحياة حقًا شرعيًا مقدسًا لكل بني البشر؛ يجب أن يتمتعوا بهِ، وهو الأساس لبقية الحقوق، ولا يحقُّ لأحدٍ مهما كانت مكانته أن يسلبهم  ذٰلك الحق. 
ومن أبرز صور اهتمام  الإسلام بحقوق الإنسان وعلىٰ رأسها حق الحياة، أنه ذمّ العرب الأوائل ممن كانوا يئدون فتياتهم، علىٰ الرغم من أن هذا التقليد القبيح كان قبل مجيء الإسلام بمئات السنين، قال تعالى: ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ))(سورة التكوير ـ 8)؛ فهنا يقف القرآن مستنكرًا ومنتفضًا لفتياتٍ مسيحيات أو يهوديات أو وثنيات كُن قد قُتلن في تلك الأزمان البعيدة!
ومن قصص القرآن الكريم التي وردت في ذمّ قتل الناس، ما ورد في قصة أصحاب الأخدود: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8))(سورة البروج ـ 5- 8).
ويربط بعض المفسرين هذه الآيات بقصة الملك "ذي نواس"، وهو آخر من مَلَكَ قبيلة حِميَر، أصبح يهودياً واجتمعت معه قبيلة حِميَر على اليهودية، وسمّىٰ نفسه "يوسف"، وأقام على ذلك حينًا من الدهر، ثم علم أن بنجران بقايا قومٍ على دين النصرانية، وكانوا على دين عيسى عليه السلام، وعلى حكم الإنجيل، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ويدخلهم فيها، فسار حتى قدم نجران، فجمع من كان بها على دين النصرانية ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها فأبوا عليه فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص كله فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها، واختاروا القتل، فخدّ لهم أخدودا وجمع فيها الحطب وأشعل فيه النار، فمنهم من أُحرق بالنار، ومنهم من قتل بالسيف، ومثّلَ بهم كل مثلة، فبلغ عدد من قتل وأحرق بالنار عشرين ألفا. 
مع أن القصة تتحدث عن قتل النصارى المسيحيين، لكن القرآن رفض وذم قتلهم وتعذيبهم.

وإلى يومنا هٰذا تستمر الأنظمة الإرهابية والحكومات العنصرية بالقتل والتجويع لأسبابٍ دينية، أو تمايزٍ باللون أو العرق كما يحدث في بعض الولايات المتحدة الأميركية، بل وقد شملت الحروب والإبادات العنصرية أغلب سكان العالم، كالصين وروسيا وجنوب أفريقيا وأفغانستان ونيجيريا وألمانيا وأوروبا وأوكرانيا، وقد فاقت أعداد القتلى الملايين في كل مجزرة فيهن، بلا أي ذنب سوى اختلاف في الدين أو في اللون أو الانتماء.. إلخ. 
وفي الحروب وقواعد التعامل مع العدو تبرز إنسانية الإسلام أكثر من أي جماعةٍ أخرى، فالإسلام دين الرحمة والتسامح، فمن أجل الحفاظ علىٰ النفس الإنسانية حرّم الإسلام القتال طلبًا للمغانم، أو بدافع التعصب القومي أو العرقي، بل  وحرّم أن يقتل الإنسان نفسه، قال الله تعالى: ((وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا))(النساء ـ 29)، ناهيك عن تحريمه إلقاء النفس إلى الهلكة، حسبما تبينه الآية الشريفة: ((وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ))(البقرة ـ 195).


السيد علي قاسم الرضوي

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م