7 شوال 1445 هـ   16 نيسان 2024 مـ 11:38 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | قادة محمديون (الأئمة وبعض الصحابة) |  حذيفة بن اليمان.. صاحب سرِّ الرَّسول صلى الله عليه وآله
2021-12-22   1148

حذيفة بن اليمان.. صاحب سرِّ الرَّسول صلى الله عليه وآله

لقد استطاع الإسلام من خلال قيمه وتوجيهاته المؤثرة، أن يصنع رجالا حول النَّبي صلى الله عليه وآله يتحلون بخصال يندر أن تحصل في الواحد من النَّاس في ذاك الوقت، فقد أحاطت به ثلة من الأصحاب عرفوه حق المعرفة وآمنوا به حقَّ الإيمان، فلم يرتابوا في إيمانهم، ولم تتزلزل قلوبهم أمام البلاءات المختلفة التي كانت تلاقيهم؛ بل كانوا يواجهونها بقلوب آمنة ونفوس مطمئنة؛ فكانوا خيرة الأصحاب له، ولم تكن مواقفهم فقط هي الصلبة والمتزنة، بل كانوا بالإضافة إلى ذلك أصحاب علم وفقاهة وبصيرة في الدِّين.
وحيث إنَّه من حقِّ المرء الشريف أن يعلو ذكره، وأن يشمخ صداه، إيفاء لتاريخه المشرق وأياديه البيضاء كان لزاما على من اتبع الطريق وتبين له السبيل، أن لا ينسى يد أولي الفضل وأن ينعت أهل العدل بما يقتضيه العدل. 
فالصَّحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أحد أولئك الذين لم يهتزوا ولم يرتابوا في دين الله حتى قبض نبيه صلى الله عليه وآله، فقد كان أحد الأركان التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعتمد عليها ويستند إليها، ولا يخفى حضوره هذه الشخصية في تاريخ الإسلام وأثرها فيه. 

اسمه ونسبه:
حذيفة بن اليمان بن جابر من قبيلة عَبْس، واسم أبيه: حِسْل أو حُسَيْل، وقد لقب أبوه باليمان بسبب حِلْفه مع قبيلة بني الأشهل اليمنية في المدينة، حيث أنَّه ورد المدينة هاربا من قومه عندما قتل شخصا منهم، فلذلك لقبه قومه باليمان، ويكنى حذيفة في الكتب بأبي عبد الله أو أبي سُريحة.

إسلامه وأُخُوَتِه مع عمار:
أسلم حذيفة وأبوه وهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وآله، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بعد الهجرة بينه وبين عمار بن ياسر الصحابي الجليل، لما آخى بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة.

مشاركته في الحروب:
شهد الصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أول معركة له مع النبي صلى الله عليه وآله في أحد، وفي هذه المعركة قتل أبوه خطأ من قبل المسلمين، فكان من حذيفة ذي الإيمان الرفيع أن وهب لهم دمه ولم يطالب بالقصاص ولا بالدِّيَة.
وشهد حذيفة بعض الفتوحات، فقد كان من المشاركين في حرب نهاوند، ولمَّا قتل أمير الجيش النعمان بن المقرن أخذ حذيفة الرَّاية وتمَّم المسيرة، وكان فتحت همدان والرَّي و دينور على يديه، وأيضا شهد فتح الجزيرة ونُزُلَ نصيبين، وكان في فتح تُسْتَر قائدَ جناح اليسار في جيش الصحابي عمار بن ياسر رضي الله عنه. 

مكانته بين أصحاب الرَّسول:
يعدُّ الصحابي حذيفة بن اليمان صاحب سرَّ رسول الله صلى الله وآله، حيث كان يذهب إلى النَّبي صلى الله عليه وآله ويسأله عن الفتنة والشرور التي ستحيط بواقع الأمَّة، وفي ذلك يقول هو بنفسه في إحدى الرِّوايات: " كان النَّاس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله عن الخير، وكنت اسأله عن الشَّر مخافة أن يدركني".
وقد كان حذيفة بن اليمان من الذين خصهم رسول الله صلى الله وآله بالأَسرار المتعلِّقة بالفتنة الجارية في  زمنه صلى الله عليه وآله، حيث أعلمه بأسماء جميع المنافقين الذين كانوا معاصرين لرسول الله صلى الله عليه وآله، بل كان المسلمون يعرفون نفاق الرجل منهم، إذا ترك حذيفة الصلاة عليه بعد موته.
ويعدُّ حذيفة بين اليمان ممن حضر وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وممن وقف بجانب أمير المؤمنين علي عليه السلام في محنته، وهذا ما جعله أحد الأركان الأربعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، إلى جانب سلمان المحمدي والمقداد بن الأسود الكندي وأبو ذر الغفاري.
ومن شدَّة وفائه لأمير المؤمنين ومعرفته لحقِّه: أنَّه عندما كان في الكوفة وبلغه مبايعة النَّاس لعلي عليه السلام في المدينة بعد مقتل الخليفة عثمان، قام حذيفة خطيبا في النَّاس ساعة، ثمَّ أطبق يساره على يمينه وقال: "اللَّهم اشهد إنِّي قد بايعت عليا".
وممَّا ورد في حق حذيفة وفضله عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: "أنَّ عليا عليه السلام قال: ضاقت الأرض بسبعة، بهم تُرزقون، وبهم تُنصرون، وبهم تُمطرون، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة وأنا إمامهم".

رواياته:
عدَّ الشيخ الطوسي حذيفة بن اليمان من الرُّواة عن النَّبي صلى الله عليه وآله، وعن علي بن أبي طالب عليه السلام، كما أنَّه عُدَّ عند جملة من الرجاليين ممن روى عن جماعة: منهم عمر بن الخطاب، وعمار بن ياسر، وجندب بن عبد الله البجلي، وربعي بن خراش العبسي، وزيد بن وهب الجهني، وَ زِرُّ بن حبيش، وشقيق بن سلمة الأسدي.
فقد رُويَت عن حذيفة بن اليمان أخطر حادثة جرت على النبَّي صلى الله عليه وآله، وهي حادثة اغتياله صلوات الله تعالى عليه وآله وسلم المعروفة بحادثة العقبة بعد انصرافه صلوات الله تعالى عليه وآله وسلم من غزوة تبوك.
ومضمون هذه الحادثة أنَّ اثني عشر رجلا ممن شارك مع النَّبي صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك، حاولوا  أثناء مرور النَّبي صلوات الله تعالى عليه وآله وسلم بالعقبة، أن يُغيروا عليه فتنفر به النَّاقة فيقع في بطن الوادي،  فأوحى الله تعالى إلى رسوله ليخبره بما يعتزم البعض فعله معه، وقد كان يصحبه في هذه الحادثة عمار بن ياسر وحذيفة، حيث كان عمارُ قائدَ ناقة النَّبي صلى الله عليه وآله وحذيفة سائقها. 
وقيل: أنَّ الذين حاولوا قتله صلى الله عليه وآله ثمانية منهم قرشيون، وأمَّا البقيَّة فمن العرب، وحذيفة كان يعرف أسمائهم جميعا بإخبارٍ من الرَّسول صلوات الله تعالى عليه وآله وسلم.

ولايته:
تولى حذيفة على المدائن في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ويروى أنَّ عمر بن الخطاب كان يعرف له من الفضل ويوقره كثيرا، وقد كتب له في عهده حينما ولاه على المدائن: أن اسمعوا له، وأطيعوا، وأعطوه ما سألكم، فلمَّا قرأ أهل المدائن عهده؛ قالوا: سَلنا ما شئت، فقال: اسألكم طعاما آكله وعلف حماري ما دُمتُ فيكم.

وفاته:
توفي حذيفة رضي الله عنه في الكوفة سنة 36 للهجرة النَّبوية، بعد مقتل عثمان، في أوائل خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد نُقل أنَّه لما حضره الموت جزع جزعا شديدا وقال: ما أبكي أسفًا على الدُّنيا، بل الموت أحبُّ إليَّ، ولكنِّي لا أدري على ما أقدم، على رضًى أم على سخطٍ.
وممَّا رُوي عن الإمام الرضا عليه السلام أنَّه قال: "لما حضرته ـ أي حذيفة ـ الوفاة قال لابنته: أيةُ ساعة هذه؟ قالت: آخر الليل. قال: الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ، ولم أوالِ ظالما على صاحب حقٍّ، ولم أعادِ صاحب حقٍّ".
وقد أوصى حذيفة ابنيه صفوان وسعيد ببيعة أمير المؤمنين عليه السلام، فبايعاه تنفيذا لوصيته، وقد قتلاَ معه في حرب صفين.

عبد الجليل بن رشيد الجزائري 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م