10 شوال 1445 هـ   19 نيسان 2024 مـ 11:27 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أخلاقيات الإسلام |  ماهية الأخلاق، مدخل في فسلفة الأخلاق
2022-04-19   322

ماهية الأخلاق، مدخل في فسلفة الأخلاق

بالتعارض مع المفهوم الشائع عن نسبية الأخلاق، يمكن لنا أن نعرف الخُلق على أنه الدين والطبع والسجية، وبالتالي فأن من له دين (أي من يتدين لله حقا وليس بمجرد الانتماء الصوري)، لا بُد أن يكون متخلقا بما هو حسن، لأن صناعة الخلق الحسن هو الوظيفة الكبرى للدين، بل وإن الأخلاق إنما هي تلك الطبائع الطيبة التي يتطبعها الفرد نزولا عند ما يطلبه منه الدين والديان جل شأنه.
والأخلاق طبائع نفسية تتمظهر بالسلوك العملي، وبعبارة أدق، هي مجموعة من الصور الباطنيّة التي يستبطنها الفرد لتُشكل محركا عمليا له في التعامل مع ربه ومع نفسه ومع الأخرين.
وإذا كان الخَلق (بفتح الخاء) هو الصورة الخارجية (الظاهرية) للفرد، فإن الخُلق (بضم الخاء) هو الصورة الجوانية (الباطنية) للإنسان، وعلى هذا جرت السيرة بتزكية النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله بالقول بأنه حسن الخَلق والخُلق؛ فكان مصداقا لقوله جل شأنه ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ))(سورة القلم ـ 4).
ومن هذه المقاربة بين الصورة الباطنية للفرد والظاهرية لديه، يتبين حسنه من قبحه، فإن كانت أفعاله محمودة وحسنة عقلاً وممدوحة وراجحة شرعاً كان ذا خلقاً حسناً، وإذا كانت أفعاله ذميمة وقبيحة شرعاً أو عقلاً كان ذا خلقاً سيّئاً.
وقد سمي العلم الذي يتبنى البحث في الأخلاق، بشكلها العام بأنه علم الأخلاق، وله موازينه ومباحثه وقواعده، خصوصا وإن مادته البحثية هي محاسن الأخلاق ومساوئها، فضلا عن حثّه على التحلّي بالأخلاق الحسنة والتخلّي عن الأخلاق السيّئة، مع تأصيله للسلوك الفردي والجمعي اتساقا مع المنظومة الأخلاقية التي تجره هنا او هناك، ووفقا لهذه المنظومة صار علم الأخلاق أشرف العلوم وأنبلها، لأنه يحث صاحبها على التحلي بالأخلاق بالحسنة، والتخلي عن السيّئة منها، وبالتالي فأن من نتائج هذه العلم هو تحسين السلوك (فرديا كان أم اجتماعيا)، من خلال أدوات التهذيب والترويض التي يؤسس لها علماء الأخلاق والفضيلة، على اعتبار إن الأخلاق بمظهرها السلوكي إنما هي أفعال معبّرة عن باطن صاحبها ومعربة عن ذاته الحقيقية دون تصنع أو تكلف.
إما عن اعتباره أشرف العلوم وأنبلها، فمرده الى إن معيار تشريف هذا العلم دون ذاك هو موضوعته التي يتبنى، لأنّ شرف العلم ـ أي علم ـ بشرف موضوعه أو غايته، فشرف علوم الطاقة النووية مثلا بشرف قضيتها، فإن وظفت لصناعة القنابل وتدمير المجتمعات؛ كانت أحقر العلوم وأدناها، وإن استخدمت في المجال السلمي كتوليد الطاقة كانت شريفة وعالية.
وعن أهمية علم الأخلاق، فكما هو معروف بأن ثمة حكمة كبيرة من وراء خلق وتدبير هذا الكون من قبل خالقه سبحانه، وبالتالي فهنالك هدف سامي وراء ذلك، خصوصا وإن الله جل شأنه قد بين ذلك بقوله تعالى ((وَ ما خَلَقْنا السَّمَاءَ وَالأرضَ وما بَينَهُمَا لاعِبينَ))(سورة الأنبياء ـ 16) تنزه جل شأنه عن العبث واللهو واللعب، مع إن أصل خلق الإنسان (بل والكون أجمع) لم يكن مجرد خلق لاهدفي ولاقصدي، بل أن من أهم قصوده هو تحقيق العبادة لله جل شأنه كمصداق قوله تعالى ((وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إلاّ ليَعبُدُون))(سورة الذاريات ـ 56)، مع غناه جل شأنه عن هذه العبادة، إنما هي لتحقيق غاية الإستخلاف التي وعد، لأن في النهاية لا بد من جائزة ما للمحسن (من حسنت عبادته) دون المسيء، أتساقا مع وعد الله الصادق ((أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوْا أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لا يُفتَنُون))(سورة العنكبوت ـ 2)، وجائزة العبادة الحسنى هي استخلاف الله على أرضه كما وعد. 
من هذا وذاك، يمكننا الجزم بان موقعية أخلاق الإنسان لا تنفك عن مصيره، بل وإنها مبدأٌ وغايةٌ وهدفٌ سام له، يكون إذا كانت وينعدم جوهرا إذا انعدمت، فحسن الأخلاق يحقّق للإنسان معاني ايجاده وخلقه، بدء من إنسانيته ومرورا بتكامله وتساميه، وانتهاءٍ بتسنمه شرف الخلافة الإلهية المنصوص عليه منذ خلق الإنسان بقوله تعالى ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ(34))(سورة البقرة ـ 30 ـ34).
ومما لا يختلف فيه اثنان، بأن هدف كل الشرائع السماوية هو تكامل الإنسان وترقيته ماديّا ومعنويّا، روحيا وجسديا، وصولا لمنصبه الذي هُيء له ـ الخلافة الربانية ـ، ليبدأ مشوار تعميره للأرض عمرانا مشروطا بالفضيلة والقيم السامية والمعاني النبيلة، وبتعبير أدق، أنسنة الأرض، وإلباسها الثوب الإنساني المتسم بالسماحة والفضيلة كمستلزمات لازمة للعبودية الحقة التي أرادها جل شأنه من خلقه للإنسان.
ولما كان الإسلام واحدا من أهم الأديان السماوية، فقد منح الأخلاق مكانها الأسمى، واشتغل عليها اشتغالا منقطع النظير، إمعانا منه في رُقي الأنسان وتكامله، حتى باتت الأخلاق جوهر الإسلام وليست جزءا منه، خصوصا وأن الأصل في مبعث نبي الإسلام محمد صلوات الله عليه وآله لم يكن إلا لتصويب منظومة الأخلاق وإتمام ما نقص أو زور منها، فعنه صلوات الله عليه وآله أنه قال إنّما بعثت لاُتَمِّم مكارم الأخلاق، وفي حديث أخر بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م