| أخلاقيات الإسلام | الطمع.. مفتاحُ كلِّ سيئةٍ، ورأس كلِّ خطيئةٍ
الطمع.. مفتاحُ كلِّ سيئةٍ، ورأس كلِّ خطيئةٍ
يُعرّف الطمع على أنع نقيض اليأس
وضده، وهو بمعنى إرادة الشيء وطلب حيازته، ولو على النحو غير
المشروع.
والطمع هو حالة نفسانية تبعث
بصاحبها الى التحرك نحو تلبية رغبات النفس فيما يُؤمل أو يُتوقع
حصوله من الامور، ماديةُ كانت أو معنوية، وهو على
نوعين:
الطمع
الممدوح
وهو الطمع الذي يكون متعلقه ـ أي
الأمر الذي يطمع اليه ـ أمراً خيرياً كطلب العلم، وأعمال الخير من
قبيل قضاء حوائج الآخرين والصدقة، والطمع في غفران الذنوب وغيرها،
وهو مما ندرب أليه القرآن الكريم، كما في قوله تعالى ((وما لنا لا
نؤمن بالله وما جاءَنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم
الصالحين))(سورة المائدة ـ 84)، وقوله تعالى ((إنّا نطمع أن يغفر
لنا ربًّنا خطئنا أن كنّا أوّل المؤمنين))(سورة الشعراء ـ 51)،
وهو ذات ما ورد في دعاء الإمام السجاد عليه الصلاة ولسام في
صحيفته الدعائية الشهيرة إذا رأيت مولاي ذنوبي فَزِعتُ،
وإذا رأيت عفوك طَمِعتُ.
الطمع
المذموم
وهو الطمع الذي يكون متعلقه ـ
الأمر الذي يطمع اليه ـ أمراً شرورياً محظوراً، أو دنيويا ً أو
ينتهي الى أمرٍ محظور. وهو محل حديثنا هذا، لأنه سجيّة أخلاقية
دنيئة، بل أنه مرض سلوكي خطير مفسدٌ لقلب الانسان ولبّه، لنه يردي
بصاحبه في أنواع المهالك، ويتسبّب عنه أنواع المفاسد، وآثاره
وخيمة على الفرد والمجتمع.
وموقع هذه الرذيلة الخلقية من
مساوِئ الاخلاق موقع الأصل من الفروع، فعنها (رذيلة الطّمع)
تتسبّب الكثير من الذنوب الكبيرة والصغيرة، فكم من سفكِ دماءٍ
وهتك أعراضٍ وبهتِ مؤمنين واغتيابهم، وارتكاب كذبٍ الى غير ذلك من
الموبقات حصلت بسبب المطامع، لذا فالطمع هو أحد موادّ بحر الذنوب
وروافده، وعليه فهو من أشدّ القبائح لدى العقل والشرع، وهذا ما
أكدّته مصادر الشريعة وبالأخص منها الروايات المستفيضة في ذلك،
التي أشارت بالتفصيل الى عظم خطره، وحذّرت من هيمنته وتغلبه على
النفس، وأبانت عن الحياة التعيسة التي يعيشها الطامع، وسوء
العاقبة والمنقلب السيء الذي ينتظره يوم الحساب فعن نبي
الإنسانية صلوات الله تعالى عليه وآله أنه قل في ذم الطمع إيّاك
واستشعار الطّمع، فانه يشوب القلب شدَّة الحرص، ويختم على القلوب
بطبائع حبّ الدنيا، وهو مفتاحُ كلِّ سيئةٍ، ورأس كلِّ خطيئةٍ،
وسبب إحباط كلِّ حسنة، كما قال صلوات الله تعالى عليه وآله إيّاكم
والطمع، فإنّه الفقرُ الحاضرُ، وايّاكم وما يُعتذرُ منه، وقوله
صلوات الله تعالى عليه وآله الصفا الزّلال الذي لا تثبتُ عليه
أقدام العلماء الطمع.
وتتمة للقول العصموي، فقد ذمّ
أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام الطمع مرارا وتكرارا، فمن
اقواله عليه الصلاة والسلام إيّاك أن توجِفَ بك مطايا الطمع،
فتوردك مناهل الهلكة، وقوله عليه الصلاة والسلام من أراد أن يعيش
حرّاً أيام حياته فلا يُسكن الطمع قلبهُ، وقوله غَش نفسهُ من
شربها الطمع، وقوله جمالُ الشرّ الطمع.
وبذات المعنى، أكد الامام الصادق
عليه الصلاة والسلام مذمومية الطمع، فورد عنه صلوات الله عليه
وسلم قوله ان أردت أن تقر عينك وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع
الطمع عما في أيدي الناس، وعدّ نفسك في الموتى، ولا تحدّثن نفسك
أنّك فوق أحد من الناس، واخزن لسانك كما تخزن مالك.
وللطمع هذا أعراض وعلامات مذمومة،
لا بد أن تظهر على صاحبه، و وقد بينها أمير المؤمنين عليه الصلاة
والسلام في قوله الطمع على أربع شعب الفرح والمرح واللجاجة
والتكاثر فالفرح مكروه عند الله والمرح خيلاء واللجاجة بلاء لمن
اضطرته إلى حمل الآثام والتكاثر لهو ولعب وشغل واستبدال الذي هو
أدنى بالذي هو خير، ومعنى كل منه هو
ـ الفرح حيث ينتاب الطماع فرح
عارم عند حصوله على ما طمع فيه، بحيث تظهر آثار ذلك الفرح عليه
بشكل كبير وغير منطقي، ومن المعلوم أن الفرح مالم يكن بحق فهو
مذموم، حسبما قال عز من قال ((إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ
موسى فبغى عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ
مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ
قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْفَرِحِينَ))(سورة القصص ـ 76)، وقله جل شأنه (( لِّكَيْلَا
تَأْسَوْا على مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ))(سورة الحديد ـ
76).
ـ المرح ويظهر على الطماع ملامح
المرح والسرور عند فوزه ببغيته ومطمعه، والمرح هو التبختر
والاختيال، قال تعالى ((ولا تمش في الارض مرحاً))(سورة الإسراء ـ
37)، وقيل في المرح هو الأشر والبطر، بمعنى الطغيان عند النعمة،
وهو ما ذمه القرآن الكريم، كما هو في قوله تعالى ((ثُمَّ قِيلَ
لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِن دُونِ اللَّهِ ۖ
قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ
شَيْئًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَٰلِكُم
بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى
الْمُتَكَبِّرِينَ(76))(سورة غافر ـ 73 ـ 76).
ـ التكاثر والرغبة في الاكثار من
المال وغيره من حطام الدنيا، وجمعه والحرص عليه، وهو ما يؤدي
بصاحبه للتملص من انفاقه أو بذله في وجوه البرّ والخير، وهذا هو
الآخر من مذموم الصفات ومقبوح العادات، لما فيه من اشغال النفس
واللهو، واتلاف الوقت والوقوع في المحظور الشرعي، قال تعالى
((ألهكم التكاثر () حتّى زرتم المقابر))(سورة التكاثر ـ 1 ـ
2).
ـ اللّجاجة وهي التمادي واتخاذ
السبل المختلفة بغية تحصيل ما يطمع اليه ولو أدّى ذلك الى تحمّل
الذلّ والاهانة، ومن هنا يكون الطماع ذليلاً، قال أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام من لم ينزه نفسه عن دناءة المطامع فقد أذلّ
نفس، وهو فيه الآخرة أذل وأخزى.
وبواعث الطمع واسبابه كثيرة،
فمنها الجهل وضآلة الوعي في المعارف الالهية خصوصا الفقهٍ
والعقائدٍ والأخلاق، فعن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه
قال إنّ قلوب الجهال تستفزها الأطماع، وترهنها المنى، وتستعلقها
الخدائع، وقوله صلوات الله تعالى عليه الحرص، والشرة، والبخل
نتيجة الجهل.
كما أن اهمال الترويض وعدم
الاهتمام بتهذيب النفس وتزكيتها وتربيتها وترويضها بالصبر على
الطاعات وترك المعاصي هو السبب الأخر لجنوح النفس الى الطمع،
فالتساهل تجاه التكاليف الشرعية وعدم الجدّية في أخذها بنظر
الاعتبار في التعامل والعلاقات، يجعل من صاحبها عُرضة للإصابة
بمختلف الامراض الاخلاقية ومنها الطمع، فعن أمير المؤمنين علي
عليه الصلاة والسلام انه قال إنّ هذه النفس لأمارة بالسوء، فمن
أهملها جمعت به الى المآثم.
من جهة أخرى، فأن التربية
الفاسدة، والنشوء في المحيط الملوث ورفقة السوء، كلها من العوامل
المؤثرة في فساد أخلاق الفرد والمجتمع، وابتلائهما بشتى أنواع
الامراض الأخلاقية، والتي منها الطمع، والاحاديث في هذا المعنى
مستفيضة، فعن نبي الرحمة صلوات الله تعالى عليه وآله أنه قال
توقوا مصاحبة كل ضعيف الخير، قوي الشر، خبيث النفس، إذا خاف خنس،
وإذا أمن بطش.
وحب الدنيا هي الأخرى مما يدفع
للطمع، وهو من أخطر العوامل التي تورد صاحبها المهالك وتدفعه
لارتكاب المعاصي، فعن نبي الإنسانية صلوات الله تعالى عليه وآله
أنه قال حب الدنيا أصل كل معصية وأول كل ذنب، وهو عين ما قاله
حفيده الامام الصادق عليه الصلاة والسلام رأس كل خطيئة حب
الدنيا.
وتهذب النفس الطماعة بعدة اساليب،
منها رفع مستوى الوعي العلمي في جوانب التشريع المختلفة، من فقه
وعقائد وأخلاق وأصول، ورفع ظلة الجهل في ذلك عن النفس، فان ذلك،
هو الركن الاساس في بناء الشخصية المسلمة الناجحة، وهو الذي
يرفدها بالمنعة والحصانة تجاه اقتراف المنكرات واجتثاث جذورها
وبواعثها من النفس، والآيات والروايات في هذا المعنى كثيرة جداً
يصعب احصاؤها ولا يتناسب سردها مع هذا المختصر، فعن أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام العلم حجاب من الآفات.
كما يتطلب الانتصار على طمع النفس
تهذيبها وبذل الجهد في ترويضها والمثابرة والمواظبة على الصبر على
الطاعات وترك المعاصي والتوسل في ذلك والاستعانة بالطرق السليمة
الكفيلة بذلك.
كما تحتاج النفس لالتزام القناعة
والاكتفاء بالكافي في الاحتياجات في الملبس والمأكل والمنزل بغية
محاربة نزوعها للطمع، لأن القناعة تورث في النفس سجية وملكة عظيمة
تسموا بها في مدارج الكمال وتقلع جذور الطمع منها، فعن أمير
المؤمنين عليه الصلاة والسلام ابن آدم إن كنت تريد من الدنيا ما
يكفيك، فان أيسر ما فيها يكفيك، وان كنت انما تريد مالا يكفيك فان
كل ما فيها لا يكفيك.
كما تستوجب محاربة الطمع؛ التحلي
بالورع، خصوصا في حالة استشعار النفس للطمع عند حصول ما يستدعي
تحركه فيها من المطامع المادية والمعنوية، فعن أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام ضادوا الطمع بالورع.
واخير، فأن انتصار النفس على
ميولها في الطمع؛ عيال على الاستعاذة بالله من شرور النفس والدعاء
للخلاص من شر هذه الرذيلة، فعن نبي الإنسانية صلوات الله تعالى
عليه وآله أنه قال تعوذوا بالله من ثلاث من طمع حيث لا مطمع، ومن
طمع يرد الى طبع، ومن طمع يرد الى مطمع.