14 شوال 1445 هـ   23 نيسان 2024 مـ 9:26 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أخلاقيات الإسلام |  ضرورة التربية الدينية وأهدافها
2022-03-16   903

ضرورة التربية الدينية وأهدافها

التربية لغة هي "التنمية والتنشئة والترويض"، وإصلاحا هي "تخلق الفرد بالأخلاق والمحامد الحسنة"، وقد جارى القرآن الكريم هذا المصطلح بمصلح التزكية والتأديب، إذ أن التزكية ـ من الزكاة ـ إنما تعني إنماء برَكة الله تعالى في الأمور الدّنيويّة والأخرويّة ((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))(سورة آل عمران ـ 164)، أما التأديب، فهو مصطلح أخلاقي ـ ديني؛ مرادف للتربية، ومراده تحسين أدب الفرد بما هو فاضلٍ وحسنٍ. 
وبالمجمل، فأن التربية هي عملية سلوكية تصنع التغييرات الحسنة في الفرد بالاستفادة من قابلياته السلوكية والنفسية ونوازعه الفطرية لغاية مثلى قوامها التكامل في التخلق؛ أي أنها تهيئة لأرضيّته النفسية والسلوكية وما يحتاجه حسن التخلق؛ ليفتُّح استعداداته وقابلياته ويخرجهما من القوّة السابتة والرغبة الكامنة إلى الفعل الواقعي في الاتّجاه التكاملي الذي يريده الله جل شأنه.
أما معنى الدين لغة ـ والأصل من الفعل (دان) ـ فهو الاعتقاد والاعتناق، ودان؛ أعتقد واعتنق، وطاع بشكل مطلق؛ ما يعتقده ويؤمنه، وهو ما يجعله أسيرا لما يؤمن ومنقادا بتأثيره؛ سائرا في ركابه وعلى هداه، في حين يعني الدين اصلاحا، مجموعة من المبادئ والقيم، التي يعتنقها الفرد او المجموع، قولا وفعلا (طقوسا وشعائر).
والتربية الدينية، هو المنظمة الاعتقادية والعملية للفرد، وترتكز على عدة عناصر، هي:
1. المعرفة
أي أن يعرف الفرد أصول وقواعد وأدبيات ما يؤمن به من دين، بل ويرى فيها اصولا وقواعدا لازمة وضرورية للدين الذي يؤمن به، سواء كان ذلك عن طريق تحكيم الوجدان أو القبول بالاستدلال والبرهان (الاعتقاد العقلي)، فمثلا يعرف الفرد المسلم أصول الدين الإسلامي الخمسة (التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة والمعاد)، أي أنه يعرف بأيمان؛ بأن الله واحد لا شريك له، وأنه عادل بشكل مطلق، كما يعرف المسلم نبيه الأكرم محمد (ويستتبع ذلك معرفته بباقي الأنبياء قبله)، ثم بإمامة أئمة أهل البيت كواجب متمم لواجب النبوة، ثم الايمان بيوم الأخر (المعاد).

2. الإيمان
وهو ما يعتقده الفرد قلبيا وبشكل جازم، فاذا خلى قلب الفرد من اعتقادا لا يصح تسميته متديّنا، ناهيك عن ان مخرجات هذا الإيمان من سلوك وأخلاق، هي الأخرى ترتكز إلى أصل الاعتقاد القلبي بهذه الأصول، والإيمان القلبي يستند على العلم والمعرفة؛ بنحو أنّه كلّما تكاملت المعرفة، يكون الإيمان أقوى وأشدّ.

3. العمل
وهو العنصر الثالث في منظومة التديّن، ومفاده العمل سلوكا بما يعتقده، بدءاً من العمل بالأحكام الدينية والوظائف الشرعية من تكاليف دينية يكشف من خلالها عن هوية ما يعتقده، وانتهاءً بترجمة الاعتقاد الى فعل تطبيقي على أرض الواقع اليومي، بما في ذلك اقامته للشعائر والطقوس، مع منحه لهذا العمل قيمة مهمة لا يمكن ان يتنازل عنها لأنها لصيقة بالاعتقاد القلبي سالف الذكر، فعن الإمام علي عليه السلام قال: "الإيمان والعمل أخوان توأمان ورفيقان لا يفترقان لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه".

أهمية التربية الدينية
ليس هناك من يشك بأهمية التربية الدينية، بل وضرورتها اللازمة على الفرد المتدين، باعتبار أن سعادته تكمن بمقدار ما يحققه منها، بوما يجعل من علاقته بربه أكثر متانةً واقوى استحكاماً، بل وتسوقه للقبول بالتكاليف الشرعية الملقاة عليه برضا وقبول. 
ويتناول القرآن الكريم ـ وهو كتاب هداية ورشاد وتربية وتزكية ـ في جملة من آياته الشريفات؛ مسألة التربية الدينية للأبناء، حيث يقول: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ))(سورة الجمعة ـ 2)، وقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ))(سورة التحريم ـ 6)، وقوله: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى))(سورة الأعلى ـ 14).
ولم يغفل النبي الأكرم والائمة من بعده صلوات الله عليهم اجمعين، عن تبيان اهمية التنشئة والتربية الدينية، فراحوا يعبئون المسلمين بأهميتها ويشدونهم لسبل تحقيقها، بل ويوجبون عليهم التخلق بها؛ مهما كانت الظروف، فعن النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله أنه قال: "أدِّبوا أولادكم على ثلاثِ خِصال: حبِّ نبيِّكُم، وحبِّ أهل بيته، وقراءة القرآن"، كما قال صلوات الله عليه وآله: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين، وفرّقوا بينهم في المضاجع إذا كانوا أبناء عشر سنين".
أما عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقد قال: "من تأدّب بأدب الله أدّاه إلى الفلاح الدائم"، وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "الغلام يلعبُ سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلالَ والحرام سبع سنين".
وتتحقق التربية الدينية في ظلِّ الارتباط بما بيّنا سابقا من عناصر (المعرفة، الإيمان، العمل)، ما يجعل منها ـ التربية الدينية ـ عملية ترويضية وتربوية تحصل عن طريق تزويد الفرد بالرؤية النظرية، وبالالتزام القلبي والتطبيق العملي، انسجاماً مع الفطرة السليمة التي يولد عليها الفرد، بعيداً عن الجبر والإكراه، وبالتالي وصوله لما يسعده دنيويا وآخرويا كهدف سامي ينشده الفرد العاقل.
اما عن أهداف هذه التربية، فلها أهداف مرحلية وأخرى غائية، والمرحلية منها تكمن فيما يلي:
1. التربية المعرفية والعملية، ومصداقها معرفة الله جل شأنه والإيمان بتعاليمه وتوجيهاته، ثم عبادته وتقواه.
2. تنمية القابليات السلوكية بالاستعدادات الحقيقية، ومنها تنمية قوة العقل والفكر بحسن التدبر، ثم الغوص بأسرار النفس وتنمية روح الحقيقة والفضيلة فيها، وصولا لكسب الفضائل والمحاسن.
3. توثيق الوصلة والوشيجة مع النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين، ويكون ذلك على مستوى الارتباط الروحي والمستوى العملي باعتبارهم قادة ملهمين وقدوات حسنات.
4. توثيق الروابط الإنسانية مع المحيط الإنساني، وهو انعكاس واضح لحسن التخلق، من خلال تطبيق النظريات الأخلاقية على أرض الواقع العملي، كاحترام الوالدين مثلا واحترام الأخرين وحسن التخلق معهم، وحفظ حرمتهم والتعاون والتعاضد معهم وأداء أماناتهم والوفاء بالعهود والعقود معهم وإدامة صداقاتهم والشعور بما يؤلمهم ويجزنهم.
في حين تكن الغائية في الاقتراب من الله جل شأنه كحقيقة مطلقة وجامعة لكلِّ الكمالات؛ ولا نقصد بالقرب هذا، زمانيا أو مكانيا، إنما هو القرب المعنوي الذي يثبت تطبيق الفرد لما يريده الله منه كعبد صالح، أي أنه قرب روحي يتسامى فيه العبد وصولا لربه من خلال حضوره تعالى الدائم في حياته اليومية وسلوكياته الحياتية، أنى كانت واينما تكون، في ظلّ عبوديته لله تعالى كنقطة شروع في معارج تكامله صوب ما يريده منه جل شأنه؛ حيث يصل إلى مقام يجد نفسه متعلقا بالله ومرتبطا به على نحو العبودية المطلقة، التي لا يرى لنفسه ولا لأيّ موجود آخر استقلالية تذكر في الذّات والصِّفات والأفعال قبالة استقلالية الله المطلقة.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م