11 شوال 1445 هـ   20 نيسان 2024 مـ 12:17 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أخلاقيات الإسلام |  التراحم
2022-02-26   779

التراحم

التراحم لغة هو التعاطف والتعامل برقة ولين، بين أفراد المجتمع البشري وكذلك الحيواني، وتراحَم القوم؛ أي رحم بعضهم بعضا، والرحيم من أسماء الله الحسنى والرحمة صفة من صفاته، ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "جعل الله الرحمة في ماِئة جزء فأمسك عنده تسعا وتسعين جزءا، وأنزل في الارض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه"، وبهذا الجزء ايضا  تسهر الأم على ولدها في ليالي الشتاء الباردة، وتحنو البهيمة على صغيرها فترضعه وتحميه من المخاطر، وبما أن التراحم صفة حميدة يحبها الله الرحمن الرحيم، فهو يحب أن يرى أثرها بين عباده، فقد ورد عن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله انه قال : "مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم و تعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
تخيّل أن مجتمعا بشريا أو حيوانيا تنعدم فيه الرحمة وتذهب منه الشفقة، ماذا سيحل به وكيف سيكون؟
سوف يتخلى الاب عن أبنائه فيهلكون جميعا، وتلقي الام وليدها في الطرقات ليموت جوعا وعطشا، ولا تحنو الدابة على صغيرها فلا ترضعه ولا تحميه ليهلك، ويفقس البيض في الاعشاش فتتركه الطيور وترحل فيموت، اذن سوف ينقرض الانسان والكائنات الحية جميعها، وتنتهي الحياة برمتها، ولا يبقى على وجه الارض من باق في غضون أيام قلائل بسبب غياب الرحمة والتراحم، هذا التراحم والتعاطف كلُّه يتم بجزء واحد فقط من مائة جزء من الرحمة الذي جعله الله في الدنيا ويدّخر تسعا وتسعين جزءا منها الى الاخرة، ليشمل العصاة والمذنبين من البشر، اذن كم هو حجم الرحمة الإلهية، وكم أنت رحيم يا رب !؟.
يقول تعالى في سورة الاعراف ((ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتّقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون))(الأعراف - 156)، وقد ذكَر في سورة الاعراف أيضا نبيّه الكريم بالرأفة والرحمة: (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنِتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) (التوبة - 128)، والرحمة لا تختص بالإنسان فقط إنما تشمل حتى الرفق بالحيوان، قال أحد الصحابة : "كنا مع النبي عليه السلام فرأينا حُمَّرة معها فرخين، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمّرة تفرش، فقال النبي صلوات الله عليه وآله :"من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها اليها" . 

الرحمة والتراحم ما وجدا في الاسلام فقط، إنما هي في كافة الديانات السماوية، لأن مصدر هذه الديانات واحد، فقد قال الله تعالى في العهد القديم مخاطبا موسى عليه السلام: ((إن الله الهٌ رحيم ورؤوف، طويل الأناة، كثير الرحمة والوفاء، يحفظ الرحمة لألوف)) (34/6-7)، وقال في التوراة أيضا مخاطبا الانسان: ((هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم إبن بطنها؟ حتى هؤلاء يَنسين وأنا لا أنساك)) ((اشعيا ـ 49/15)، كما ورد في الانجيل، في الاصحاح الخامس من إنجيل متى : ((طوبى للرحماء فانهم يرحمون))". 
في هذا الزمن ونحن نعيش أوضاعا استثنائية وظروفا قاسية، ما أحوَجنا الى الإنسانية تطبيقا، والى الرحمة مبدئا، نصلح بها أمرنا، ونهون على أنفسنا شظف العيش، ووطأة الفقر والمرض، ما أحلى أن يتكافل بعضنا البعض، فيعين القوي منا الضعيف، والغني منا الفقير، ليهون أمرُنا ويرضى عنا ربُنا، فيشملنا برحمته الواسعة، إنه أرحم الراحمين. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م