

| مقالات | ما معنى سجود وتسبيح الموجودات في القرآن؟
2025-05-11 57

ما معنى سجود وتسبيح الموجودات في القرآن؟
الشيخ مقداد الربيعي
في نافذة سريعة تتناول بعض القضايا
الإشكالية في القرآن الكريم نحاول ان نفهم معنى سجود وتسبيح وقنوت
الموجودات لله تعالى بما فيها من جمادات وحيوان ونبات، كما في قوله
تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)، الرعد:
15، وقوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ
وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ
بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ
حَلِيمًا غَفُورًا)، الأسراء: 44. وقوله ايضاً: (يَسْأَلُهُ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ..)، الرحمن: 29. وقوله: (وَلَهُ مَنْ
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)، الروم:
26.
والقاعدة في فهم هذه النصوص ما
ذكره العلامة الطباطبائي (ره) في تفسيره الميزان، وملخصه أن الألفاظ
موضوعة للغايات، فإذا تحققت الغاية أطلق عليه اللفظ، فالملحوظ في
حقيقة السجود تحقق الغاية وكذا في باقي المعاني، قال:«والأعمال
الاجتماعية التي يؤتى بها لأغراض معنوية كالتصدر الذي يمثل به
الرئاسة والتقدم الذي يمثل به السيادة والركوع الذي يظهر به الصغر
والصغار والسجود الذي يظهر به نهاية تذلل الساجد وضِعته قبال تعزز
المسجود له واعتلائه تسمى غاياتها بأساميها كما تسمى نفسها، فكما
يسمى التقدم تقدما كذلك تسمى السيادة تقدما، وكما أن الانحناء الخاص
ركوع كذلك الصغر والصغار الخاص ركوع، وكما أن الخرور على الأرض سجود
كذلك التذلل سجود، كل ذلك بعناية ان الغاية من العمل هي المطلوبة
بالحقيقة دون ظاهر هيئة العمل.
وهذه النظرة هي التي يعتبرها
القرآن الكريم في نسبة السجود وما يناظره من القنوت والتسبيح والحمد
والسؤال ونحو ذلك إلى الأشياء». الميزان، ج11، ص320.
حقيقة السجود في القرآن
فمفهوم السجود مثلاً يتجاوز السجود
بمعناه الظاهري المتمثل في وضع الجبهة على الأرض، ليصل إلى معنى
أعمق يرتبط بالخضوع الذاتي والتذلل أمام عظمة الخالق.
بل بحسب هذا الفهم يكون سجود
الجمادات أكثر لصوقاً بالمعنى من سجود الإنسان، ففرق جوهري بين سجود
المخلوقات الكونية وسجود الإنسان في إطار الاجتماع البشري. ففي
القسم الأول، تكون الغايات وهو الخضوع التام والتسليم لأمر الله
تعالى موجودة بحقيقة معناها، فليس لها إلا طاعة الأمر التكويني، قال
تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ
لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، فصلت: 11. بينما في القسم الثاني تكون
موجودة بنوع من الوضع والاعتبار. فذلة المكونات وخضوعها أمام ساحة
العظمة الإلهية هي ذلة وضعة حقيقية، بخلاف الخرور على الأرض ووضع
الجبهة عليها، فإنه ذلة وضِعة بحسب الوضع والاعتبار، ولذلك قد
يتخلف، بمعنى قد يكون سجود الإنسان صورياً خالياً من معنى الخضوع
والتذلل والتسليم.
معنى تسبيح الموجودات
وأما تسبيح الموجودات فالمراد منه
كل كلامٍ يدل على تنزيهه تعالى عن الشريك، ولا يختص الكلام بصدور
الأصوات كما هو عندنا معاشر البشر، بل الكلام هو ما كشف عما قصده
المتكلم وأضمره في نفسه، سواء بالألفاظ او بالإشارة او أو بالوحي أو
أي نحو آخر. يقول العلامة الطباطبائي: «والتسبيح تنزيه قولي كلامي
وحقيقه الكلام الكشف عما في الضمير بنوع من الإشارة إليه والدلالة
عليه غير أن الانسان لما لم يجد إلى اراده كل ما يريد الإشارة إليه
من طريق التكوين طريقا التجأ إلى استعمال الألفاظ وهى الأصوات
الموضوعة للمعاني ودل بها على ما في ضميره وجرت على ذلك سنة التفهيم
والتفهم وربما استعان على بعض مقاصده بالإشارة بيده أو رأسه أو
غيرهما وربما استعان على ذلك بكتابة أو نصب علامة.
وبالجملة فالذي يكشف به عن معنى
مقصود قول وكلام وقيام الشيء بهذا الكشف قول منه وتكليم وان لم يكن
بصوت مقروع ولفظ موضوع ومن الدليل عليه ما ينسبه القرآن إليه تعالى
من الكلام والقول والأمر والوحي ونحو ذلك مما فيه معنى الكشف عن
المقاصد وليس من قبيل القول والكلام المعهود عندنا معشر المتلسنين
باللغات وقد سماه الله سبحانه قولا وكلاما». الميزان، ج13،
ص113.
وبهذا المعنى للكلام نزهت
الموجودات ربها، فهي تفتقر اليه في وجودها بكل أجزائه، وهذا
الافتقار والحاجة لمن يدركه ينزه الله تبارك وتعالى عن الشريك. فهي
بهذا المعنى تسبح ربها.
بعبارة أوضح: إذا كُشف للعبد عن
باطن الأشياء ورأى بعين بصيرته لرأى حاجتها وفقرها لفيض وجود الله
في كل آن آن، وهذا الفقر يُترائى له على شكل تسبيح لفظي كما يرى
الحالم في المنام صور الأشياء بنحو مختلف، كرؤية يوسف أبويه وأخوته
بصورة الشمس والأقمار.
وبلفظ صريح.. أنهم قالوا بأن رؤية
باطن الأشياء يصاحبها علوم تصورية حصولية؛ فقد يرى بعض الصور
الأخروية على شكل صور دنيوية مألوفة. ومن هنا صارت المكاشفة حجة على
صاحبها فقط، لاحتمال خطأه في تفسير العلم الحصولي والصور الذهنية
المصاحبة للمكاشفة.
وبهذا نفسر الأحاديث الواردة من
رؤية البعض للحصى وهي تسبح بيد رسول الله صلى الله عليه واله، فقد
كشف صلوات الله عليه عن عين بصيرتهم فأدركوا فقر الحصى لله وتوقف
وجودها في كل لحظة على إفاضة الوجود عليها، بحيث لو انقطع في جزء من
الثانية لعُدم الموجود مباشرة. هذا الفقر التكويني رأوه على صورة
حسية تمثلت لهم بتسبيح لفظي وكلامي.
وبهذا المعنى نفهم الحديث الذي
أخرجه العقيلي في الضعفاء وأبو الشيخ والديلمي عن انس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: «آجال البهائم كلها وخشاش الأرض
والنمل والبراغيث والجراد والخيل والبغال والدواب كلها وغير ذلك
آجالها في التسبيح فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها، وليس إلى
ملك الموت منها شيء».
فيمكن أن يكون انتهاء تسبيحها
بمعنى انقطاع حاجتها وبالتالي انتفاء دلالتها على وحدانية الله
سبحانه.
وأخرج الخطيب عن أبي حمزه قال:
«كنا مع علي بن الحسين فمر بنا عصافير يصحن فقال أتدرون ما تقول هذه
العصافير؟ فقلنا: لا فقال: أما إني ما أقول إنا نعلم الغيب ولكني
سمعت أبي يقول - سمعت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يقول: إن الطير
إذا أصبحت سبحت ربها وسألته قوت يومها - وإن هذه تسبح ربها وتسأل
قوت يومها». فلاحظ تعبيره عن تسبيح العصافير بسؤالها التكويني قوتها
اليومي.
فحقيقة تسبيح الجمادات هو فقرها
وتنزيهها لباريها عن الشريك في إفاضة الوجود، وتعبير البعض بالتسبيح
الكلامي إنما هو صورته المرافقة للمكاشفة.
الأكثر قراءة
31401
19226
14704
11390