16 شوال 1445 هـ   25 نيسان 2024 مـ 7:49 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  ثنائية الصبر والاصطفاء
2022-01-11   1337

ثنائية الصبر والاصطفاء

(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ.....))(سورة الأحقاف ـ 35)
يلازم الصبر أولئك العظماء الذين اصطفاهم الله عز وجل ليكونوا همزة الوصل بينه وبين عباده، فكان الصبر خلقهم الذي يتخلقون؛ وصفتهم التي يتصفون، خصوصا وإنه مادة عملهم التبشيري باعتبارهم ـ أنبياء كانوا أم أوصياء ـ  يحملون مسؤولية التبشير والإنذار، بل أنه ـ الصبر ـ لازمة أولياء العزم منهم، على عظم التسديد والتايد الي عنده من الله جل شأنه، إلا أنه يبقى ضابطة عملهم ومحرك تأثريهم فيمن يريدون إصلاحهم، ناهيك عن كونه نوعا من المثابرة والمداومة على الخلق الإلهي وبالتالي تأدية التكليف المناط بهم على أتم وجه.
وقد يتبادر الى الذهن سؤال جدلي عن أهمية الصبر، ليكون مما يوصي به الله سبحانه وتعالى جميع أنبياءه بما في ذلك أولوا العزم من منهم؟ 
والجواب يكمن في أن الصبر هو مفتاح التكاليف، ومادة تحقيقها، وإدامة واجب الإصلاحي منوط بالصبر، باعتبارهم يحملون ما لا يطيقه الظالمون من جهة، وما لا يستسيغه الناس العاديين من جهة ثانية، ليس نكرانا للحق من هؤلاء؛ إنما اعتيادا على ما وجدوا عليه اباءهم وأن كان ضلالا.
ولأهمية الصبر في بلوغ المرء ـ أيا كان هذا المرء ـ مبلغه ومناه، سواء كان فلاحا أو صيادا او مدربا او بقالا، كبيرا كان ام صغيرا، رجل كان أم امرأة، في يسر من الحياة او عسر، جاءت التوصية الربانية بضرورة الصبر، بل وقرنه جل وعلا بحسن العاقبة، ومن ذلك قوله عز وجل: ((سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ))(سورة الرعد ـ 24)، وقوله ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (156) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156))(سورة البقرة ـ 155ـ156) وقوله تعالى: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ))(سورة آل عمران ـ 146) وقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))(سورة آل عمران ـ 200).
وتكمن قيمة صبر الصابر بأمرين اثنين، أولهما أنه يستبطن حسن الظن بالله، وتوقع منه باليسر بعد العسر، وثانيهما ما يتضمنه من معرفة وعلم بمآل الأشياء وانتظام أمورها ما دامت بحوزة بارئ الأنفس ومبدع الوجود. 
وحديثنا عن قيمة صبر الأنبياء وأهميته يتأتى من كونه معرفة منهم بالله جل شأنه، فما صبر النبي هارون على قومه وأخيه موسى عليهما السلام بعد أن أتخذوا من العجل ما يُعبد، فضلا عن صبر النبي يعقوب عليه السلام، على مفارقة حبيبه يوسف عليهما السلام وصبره على ظلم بنيه له، حتى ابيضت عيناه من الحزن، إلا ايمانا من هم اجمعين بحسن تدبير الله من جهة، وضرورة تحمل الأذى في سبيل اشراد اقوامهم لجادة الصواب، وهو عين ما تخلق به النبي محمد صلوات الله عليه وآله من صبر على أذى كفار قريش، لأنه الأعلم بأن خاتمة هذا الأذى سيكون بصالح دينه الجديد، ليتم بعده وصيه الإمام علي صلوات الله عليهما طريق الصبر ومرارته، يوم أُجهزَ على حقه الإلهي وغُصب منه ما كان له، وفي حلقه شجى وفي عينه قذى, إلا انه وجد الصبر على ذلك أحجى.
لذا، نجد أن الصبر إنما هو وسيلة المصلحين لبلوغ مراميهم الإصلاحية، بل أنه سُنّة الله في الصالحين, وأمره في الأولين.
وعلى هذا وذاك، فأن الصبر وسيلة المؤمن، وإن كان غير نبي، مع أن صبر الانبياء أكبر وأصعب وأعظم بعظم ما تناط بهم مسؤولية ما يبلغون به، كونهم يصبرون على أذى أقوامهم دون أن يتنظروا فائدة شخصية أو عائد ذاتي، إنما لتحقيق مصالح الناس وتعريفهم بما يريده الله منهم. 
ما يعني أن صبر الأنبياء والأوصياء, إنما هو صبر عن معرفة بالله وعلم لدني راسخ لديهم وحسب دور كل منهم، أي أنه صبر يرتكز لعلم بمآل الأمور وحسن ظن بمن يديرها لهم جل وعلا، وهذا يعني أنه ـ الصبر لازمة لدور الإصلاح لمن كان منهن نبيا أو وصيا، بل أن استحقاقهم لشرف التكليف هذا ـ كنبي أو وصي ـ غاما هو ثمرة صبرهم وتحملهم وحسن ظنهم بخالقهم، وهذا يعني بالضرورة بأن ثمة تلازم وتشارط كبيرين بين الصبر والاصطفاء الإلهي، بناء على القاعدة القرآنية القائلة (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (سورة السجدة ـ 24)).

 

زيد خلف مجيد

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م