
| رؤى وقضايا | كيف يُعامل الإسلام غير المسلمين؟
2025-12-04 40

كيف يُعامل الإسلام غير المسلمين؟
الشيخ مصطفى الهجري
الناظر في تاريخ الديانات يجد
بوضوح أنها لطالما عاملت غير المؤمنين بها بمنتهى القسوة، وأسمتهم
كفاراً، يجوز قتلهم والتنكيل بهم، بل لعله من الأمور التي يتقرب بها
المؤمن الى خالقه. فبماذا اختلف الإسلام؟
ونحن هنا نقصد بالطبع الإسلام كدين
جاء به محمد صلى الله عليه واله، بعيداً عن التطبيقات التي حصلت
خارجاً، والتي قد لا تستمد رؤيتها منه، وإنما هي أطماع شخصية وأفهام
قاصرة.
فالموقف في الإسلام من الكافر لا
يتعلّق بهويّتهم كأفراد، بل بمواقفهم من الإسلام، فالقرآن يميّز بين
مَن يُعادي الإسلام ويحاربه وبين مَن يتعايش معه
بسلام.
فالقرآن يضع ضوابط واضحةً للعلاقة
مع غير المسلمين، حيث يقول: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ
الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، ممّا يدلّ على أنّ
الأصل في التّعامل مع غير المسلمين هو البِرّ والعَدل، لا العداء
والبغضاء.
والكفر في الإسلام مفهومٌ
عقائديٌّ، وليس عِرقيّاً أو قوميّاً، والقرآن يؤكّد على مبدأ حريّة
الاعتقاد بقوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]،
وقوله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ
وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، بل إنّ العديد من الآيات
تدعو إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، كما في قوله تعالى:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46].
وعليه فتكون آيات القتال تخص من
يتخذ موقفاً عدائياً من الإسلام، والذي نبه عنه القرآن الكريم بزوال
هذا الخطر الوجودي الذي كان يهدد الإسلام بحدود السنة العاشرة من
الهجرة بقوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ
لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة: 3.
وعليه، فإنّ اتّهام القرآن بنشر
الكراهيّة تجاه غير المسلمين يتجاهل هذه التعاليم الواضحة، ويعتمد
على قراءة مُجتزَأة تهدف إلى تشويه الإسلام، بدل فهمه في سياقه
الكامل الذي يجمع بين العدل والتسامح وحريّة الاعتقاد.
من هنا يتضح التحامل الواضح للكاتب
الأمريكي المعروف بعدائه للإسلام بيل وارنر، حين قال: «إذا قرأتَ
الكتاب المُقدّس للبوذيّة ستجدَه يتحدّث عن (كيف تكون بوذيّاً)،
وليس عن (كيف تُدِين غير البوذيّين)، عكس القرآن المليء بالكراهيّة
تجاه غير المسلمين، فـ 51% من محتوى القرآن والسيرة يتحدّث عن (ماذا
تفعل للكافر)؛ لذلك وصْفُ الإسلامِ على أنّه دينٌ هو وصفٌ قاصرٌ،
فإنّه تنظيمٌ سياسيّ».
ولا يخفى على اللبيب أن الإحصائيّة
التي ذكرها وارنر ليست سوى تضليل، حيث تعتمد على انتقاء الآيات التي
تذكر كلمة (كافر) دون النّظر إلى سياقها. فالقرآن يتحدّث عن
الكافرين في سياقاتٍ متعدّدةٍ، منها الدعوة إلى الإيمان، والتحذير
من الظلم، وذكر مصيرهم في الآخرة، وهذا لا يعني أنّ الإسلام قائمٌ
على العداء لهم، بل يعكس طبيعة النّصّ الدينيّ الذي يوضّح عواقب
الإيمان والكفر، مثلما تفعل جميع الأديان الأُخرى.
كما أن وصفه للإسلام بأنه تنظيم
سياسي يتجاهل أنّ الإسلام دينٌ شاملٌ يتناول الجوانب الرّوحيّة
والأخلاقيّة والاجتماعيّة والقانونيّة، وليس مجرّد مشروع حُكم.
الإسلام لا يفصل بين الدّين والحياة، فهو يضع مبادئ تنظّم حياة
الفرد والمجتمع، وهذا لا يعني أنّه مجرّد أيديولوجيَّا
سياسيّة.
إذا كان الإسلام مجرّد (تنظيم
سياسيّ)، فكيف نُفسّر وجود ملايين المسلمين غير المنخرطين في أيّ
نشاطٍ سياسيّ، ويعيشون أفراداً مسالمين في مجتمعاتهم؟ وكيف استمرّ
الإسلام لأكثر من 1400 عام عقيدةً روحيّةً يحملها الناس في قلوبهم؟
الحقيقة أنّ الإسلام - مثل غيره من الأديان - يتضمّن مبادئ تحكم
شؤون الحياة، لكنّه ليس مجرّد أداةٍ للسّلطة.
الأكثر قراءة
37351
19936


