16 شوال 1445 هـ   25 نيسان 2024 مـ 11:54 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | شخصيات إسلامية |  صاحب الميزان ورواق الفلسفة... العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
2021-05-12   1356

صاحب الميزان ورواق الفلسفة... العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي

صاحب الميزان، هنا تدور دائرة الذياع والشهرة لذلك الرجل المولود في 29 ذي الحجة 1321هـ الموافق 1903، في شمال غرب إيران، في محافظة أذربيجان حيث مدينة تبريز.
أنه محمد حسين الطباطبائي الذي ينتهي نسبه من جهة الأب إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ومن جهة الأم إلى الإمام الحسين عليه السلام ومن هنا فقد حظي بالانتساب إلى سيدي شباب أهل الجنة.
وبذلك فأنه ينحدر من أسرة علوية اشتهرت بالفضل والرئاسة والعلم فضلا عن التقوى والأدب، حتى عُد من سلسلة اجداده أربعة عشر جد ممن وسموا جميعا بالعلم وعدّوا "علماء". 
وعلى الرغم من يتمنه المبكر ـ حيث توفت والدته وهو لم يكمل بعد خمسة سنوات، في حين توفى عنه والده وهو في التاسعة من عمره ـ إلا أن ذلك اليتم لم يترك على ملامح السيد محمد حسين الطباطبائي، البؤس والضباع، بل على العكس، حيث تلقفته ايادي اسرته الفاضلة، بالتعليم والتدريس سيما القرآن الكريم والعلوم الدينية فضلا عن اللغة العربية واللغة الفارسية وأدبهما. 
هجر الطباطبائي تبريز عام 1343هـ الموافق 1924م، متوجها حيث قبلة العلم عند أمير المؤمنين علي عليه السلام في مدينة النجف الأشرف العراقية، ليبقى فيها قرابة (11) عاما، لتكملة دراسته الحوزوية وصولا لمرحلة الاجتهاد فيها، بعد أن تتلمذ على ايدي افضل الأساتذة في حينها كالنائيني والأصفهاني والكمباني والبادكوبي والشيخ عباس القمي والسيد البروجردي والكوهكمري والخونساري والسيد علي القاضي والسيد أبو حسن جلوة، ليعود الى تبريز ثانية بعد عشرة سنوات من الهجران، وذلك بالتحديد عام 1353هـ الموافق 1934م، ليعمل فيها أستاذا حوزويا.
وللسيد الطباطبائي مواقف نبيلة خصوصا أبان الحرب بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، إلا أن عدم تفهم السلطان العثماني سليم لهذه المواقف جعلته يلقي بالطباطبائي في أتون السجن، الى أن اخرجه منها أبنه السلطان سليمان ليبجله ويوقره بعد ذلك أسفا عن مواقف ابيه السلبية مع الطباطبائي. 
تزوج الطباطبائي من ابنة السيد المهدوي المعروفة بالعلوية (قمر السادات مهدوي) التي تنتسب هي الأخرى للسادة الطباطبائية العلوية، حيث انجبت له ثلاثة أولاد توفوا جميعا في سن الطفولة حينما كان وهم يسكون في النجف الأشرف، لتنجب له فيما بعد ابنه المسمى (عبد الباقي) وابنته (نجمة السادات).
  تنوعت دراسة الطباطبائي بين الفقه واصوله، علم الرجال، الأخلاق، فضلا عن الفلسفة والعرفان، كما أنه توسع أفقيا بدراسته، ليدرس الرياضيات الذي يقول عنه وعن استاذه البادوكوبي: "إنّ السيد البادكوبي كانت له عناية خاصة بتعليمي وتربيتي، وكان يصرَّ على تعلم الرياضيات العالية حتى أقف على كيفية إقامة البرهان على المسائل الفلسفية، ولأجل ذلك حضرت درس الرياضيات الكبير عند السيد أبو القاسم الخونساري ، وقرأت عليه دورة كاملة في الحساب والهندسة المسطحة والفضائية والجبر الاستدلالي"، كما درس الطباطبائي الجبر والهندسة وغير ذلك من العلوم الدنيوية. 
  وما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، واصل الطباطبائي حياته العلمية، التي تعطلت بسبب وضعه المادي وفقر حالة اللذان دفعاه لممارسة الزراعة والفلاحة، ليبدأ من جديد في مسيرته العلمية، وهذه المرة من خلال مدينة قم المقدسة، وذلك بتدريسه لتفسير القرآن والفلسفة وأحيانا العلوم العقلية كالمنطق مثلا. 
وقد تتلمذ عند هذا الفذ، جملة من العلماء والمحققين ممن يذكرهم التاريخ بانحناءة تبجيل، كمرتضى المطهري والبهشتي ومحمد مفتح الهمداني وجوادي آملي ومحمد تقي مصباح اليزدي ومكارم الشيرازي وعبد الكريم الأردبيلي وموسى الصدر وحسن زاده آملي والشيخ علي القدوسي والسيد محمد رضا السعيدي وعبد الحميد الشربياني وإبراهيم الأميني ويحيى الأنصاري ومحمد باقر الأبطحي ومحمد علي الأبطحي وجلال الدين الاشتياني وعز الدين الزنجاني والدكتور السيد حسين نصر وجعفر السبحاني ومحمد محسن الطهراني ونوري الهمداني وغيرهم المئات.
وتمتاز طريقة تدريس السيد الطباطبائي بالسهولة المفعمة بالعمق وقوة الحجة، فلم يغادر مطلبا علميا من مطالب درسه إلا بعد أن يشبعه جيدا بالمصاديق والإفهام، بما يضمن فهمه من قبل حضوره وطلابه، من خلال توظيفه للعبارات الجزيلة والقصيرة التي يضمن من خلالها عدم تشتيت ذهن المتلقي بكثرة تفريعات المادة وجزئياتها، معتمدا بذلك على أسس الاستدلال والبرهنة في إثبات مراده خصوصا في درسه الأشهر في تفسير القرآن ودروسه الفلسفية الأخرى.
ومن أهم ما يعتقده الطباطبائي في مجال إثباتاته العلمية هو عدم الرضوخ للشعر والقصص في اثبات مطالب الفلسفة والعرفان بل وحتى القرآن الكريم، كما أنه يؤكد على تلازم العقل مع الدين في تبان الحقيقة ما يتطلب منا: "الرجوع الى القرآن الكريم والوحي في الحالات التي تعجز فيها عقولنا عن التوصل الى الحقائق".
علميا... فأن للسيد الطباطبائي مكانة علمية مورد غبطة من غيره من العلماء، خصوصا وأنه لم يكتفي بالاجتهاد في العلوم العقلية والنقلية فحسب، إنما امتلك سعة إطلاع بالأدب فكان شاعرا أديبا مليحا، فضلا عن براعته في الخط بمهارة يدوية قل لها النظير. 
وفي الوقت الذي كان فيه الطباطبائي (صاحب الميزان) فيلسوفا نحريرا، عُّد كذلك مجددا إسلاميا، خصوصا في مجال التفسير، حيث يعتبر تفسيره المعروف بـ (الميزان في تفسير القرآن) من افضل ما فسر القرآن الكريم وشرح لطائفه وقصوده، مع ما تميز به هذا التفسير العظيم من مختزنات علمية رصينة وعميقة يعرضها بشكل سهل ويسير مبتعدا عن التشدد في طرح رؤاه وافكاره، خصوصا وأنه توسل بالقرآن الكريم وسيلة لتفسير القرآن نفسه، أي فسر القرآن بعضا ببعض، مبتعدا الى حد ما عن الروايات والأقوال، حيث نراه يؤكد هذه الحقيقة بالقول: "نفسر القرآن بالقرآن، ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن، ونشخّص المصاديق، ونتعرفها بالخواص التي تعطيها الآيات، كما قال تعالى: ((ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء))(النحل ـ89)، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكل شيء ولا يكون تبياناً لنفسه، وقال تعالى: ((هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان))(البقرة ـ185، وقال تعالى: ((وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً))(النساء ـ174)، وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقاناً ونوراً مبيناً للناس في جميع ما يحتاجون، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه، وهو أشد الاحتياج؟ وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ))(العنكبوت ـ69)، وأي جهاد أعظم من ذلك الجهد في فهم كتابه، وأي سبيل أهدى إليه من القرآن؟".
كما يمتاز ميزان الطباطبائي ببحثه في الموضوعات العميقة، القديم منها والحديث، من خلال توفيقها من رؤيته القرآنية، خصوصا تلك المسائل التي شغلت الأذهان من المستحدثات، مع منح كل ذلك السمة العلمية وبأسلوب حداثوي خصوصا فيما يتعلق بالإعجاز القرآني من بلاغة وأسلوب ومعلومات. 
وللطباطبائي غير تفسير الميزان المتكون من (20) جزء، لديه أكثر من (35) رسالة وبحث وكتاب، ما يجعله غزير النتاج ثري الفكر، على الرغم من عمق مضامين ما يكتب وجدتها. 
ومن تآليفه رضوان الله تعالى عليه، أصول الفلسفة، تفسير البيان في الموافقة بين الحديث والقرآن، المرأة في الإسلام، نظرية السياسة والحكم في الإسلام، رسالة في المبدأ والمعاد، العقائد الإسلامية، حاشية على كفاية الأصول، البرهان في المنطق، سنن النبي صلى الله عليه وآله، الشيعة في الإسلام، القرآن في الإسلام، بداية الحكمة ونهاية الحكمة، الوحي، رسالة محمد صلى الله عليه وآله في المنهج الإسلامي، حاشية على كتاب الأسفار للملا صدرا، رسالة في الحكومة الإسلامية، رسالة في النبوة، رسالة في الولاية، علي والفلسفة الإلهية، رسالة في علم النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام بالغيب، اصول الفلسفة المادية ، الرسائل التوحيدية، الإنسان والعقيدة، رسالة في العشق، رسالة في القوة والفعل، رسالة في الوسائط، رسالة في الصفات، وتعليقته المشهورة على أصول الكافي للشيخ الكليني،  فضلا عن عشرات الكتب الأخرى ومئات المقالات على مختلف التخصصات العلمية، خصوصا التأسيسية منها في الفكر الإسلامي، وله رسائل فلسلفة وعرفانية عظيمة الأثر، كرسالته الموسومة بـ "الاِنسان قبل الدنيا" ورسالته "الاِنسان في الدنيا" ورسالته "الاِنسان بعد الدنيا" وغيرها من الأراء الفلسفية والعرفانية، ناهيك عما يقارب الـ (50) مخطوطا ما زالت دون طبع.
كما تواصل الطباطبائي مع المفكر الفرنسي الشهير هنري كوربان من خلال محادثات ومراسلات ولقاءات استمرت أكثر من عشرين سنة، انتهت باعتناق كوربان الإسلام. 
توفى الطباطبائي نهاية شهر محرم من العام 1402، الموافق 1982، بعمر ناهز الثمانين عاما ليدفن بجوار عش أل بيت محمد صلوات الله عليه وآله، السيدة فاطمة المعصومة بنت موسى الكاظم عليهما السلام في مدينة قم المقدسة. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م