9 شوال 1445 هـ   18 نيسان 2024 مـ 11:10 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2021-07-23   1956

مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا .. حديث في شرط الاستطاعة لوجوب الحج

يتوقف الحج ـ على عظيم منزلته ووجوبه وكونه من أركان الإسلام ـ يتوقف على جملة شرائط لمن ينوي أداءه، ويمكن أجمالها بالبلوغ والعقل وحرية الفعل (فعل الحج)، وأخير الاستطاعة، وهي مستفادة من قوله تعالى: ((إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(97))(سورة آل عمران ـ 96 ـ 97)، إذ يراد بالاستطاعة هو توفّر كلّ ما يجعل من الحج أمرا مستطاعا، سواء كان ذلك ماديا أو معنويا، وبتعبير أدق، هي القدرة على الذهاب إلى بيت الله الحرام ومشاعره المقدسة، وأداء مناسك الحج بشكل طبيعي كما هو معهود، ما يعني ضرورة ارتفاع الموانع التي تجعل من الحج حرجيا؛ وعليه فأن وجود أي مانع او عائق يصير الحج وفرائضه متعذرا أو صعبا هو بحكم انعدام الاستطاعة.
وتتحقق الاستطاعة بما يلي :
1. القدرة المالية: ويراد بها الاستطاعة المالية التي تسمح لمن نوى الحج من أداء سفره للمشاعر المقدسة، بشكل طبيعي، وتتحقق الاستطاعة المالية بتوافر ما يلي: 
ـ المال الكافي للذهاب للحج والإياب منه، ويشمل ذلك النقل والسكن الإقامة والطعام وما إلى ذلك من هذه الأمور، وأبعد من ذلك لا بد من توافر عنصر الاستطاعة المالية كفاية أي أن يكون الحاج قادراً ـ بعد رجوعه من الحج ـ على تأمين مصاريف حياته وعدم توريط نفسه وعياله في مستنقع الحاجة المذلة ولا العمل الشاق، فلا يجب على الإنسان تحصيل الاستطاعة المالية بمضاعفة السعي والاكتساب، ولا بتوفير المال بالتقشف في المعيشة ، لكن لو اجتمع لديه المال الوافي بتكاليف الحج بهذه الصورة، عُدّ مستطيعاً ووجب عليه الحج، كما لا يجب عليه بيع ما يحتاجه من ضروريات الحياة وأوّليَّاتها الضرورية مثل بيت السكنى ومحل العمل وأدواته ووسائل البيت والأمتعة المنزلية، وإن وجب عليه بيع ما زاد عن الحاجة إذا توقفت الاستطاعة على ذلك .
ـ كما تشمل الاستطاعة المالية ايضا ضمان نفقة العائلة، أي أن لا يقتر من ينوي الحج على عياله وهو متجه صوب الحج إلا بعد أن تكون له القدرة على تحمّل نفقتهم، وتوفير مؤنة العيال، ولا بد أن يستغرق ذلك التوافر طوال مدّة سفر الحج، لا فرق بين أن يكون أبا لعائلته الصغيرة أو معيلا لمن هم تحت إعالته كأبيه واخوته مثلاً، وإلا فلا يكون الحج واجباً عليه، لأنّ الله لا يريد من المسلم أن يذهب للحج ولو على حساب عياله الذين لن يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم حال غيابه عنهم.
ـ كما يستلزم ان يكون لديه كلّ ما يدخل تحت عنوان المؤنة كالمسكن والأثاث وغير ذلك لأن بانعدامها لا يكون الحج واجباً أيضاً، لأنّ الله لا يريد للإنسان الذهاب إلى الحج إلا بعد أن يكون قد حقّق احتياجاته الدنيوية ولو بالحد الأدنى الذي يكفيه للعيش بكرامة وعزّة.
2. القدرة البدنية: ويراد بها القدرة الاستطاعة البدنية على تحمل أعباء السفر وأداء مناسك الحج، ويشمل ذلك سلامته الجسمانية والصحية خصوصا تلك التي تعتبر مؤدية إلى عجز الإنسان عن القيام بمناسك الحج، أو تجعل منه صعبا وعسيرا، ولهذا لو كان مريضاً مرضاً يعجزه عن القيام بالتكاليف أو هرما عاجزا، فلا يكون حجه واجباً، كما أن هذا الشرط مطلوب التحقّق والوجود، فلو فرضنا توافر كل مقدمات الحج وقبل التوجه للديار المقدسة أصيب بعارض صحي أعجزه عن الذهاب، فإنّ هذا العارض يسقط وجوب الحج عنه لأنّه لم يعد مستطيعاً بدنياً.
3. سلامة الطريق المؤدي الى الحج: وبتعبير أدق خلوّه مما يمنع الحج ويحول بين الحاج وبين الوصول الى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وهو ما يصطلح عليه بالطريق الآمن، وتسمى أحيانا باستطاعة الوصول، ويشمل ذلك خطورة الطريق، فضلا عن المستندات والوثائق المطلوبة منه للسلطات المختصة في بلده او بلد المشعر المقدس من جواز سفر أو تأشيرة دخول فلو أحرج الحاج بالحصول على هذه الوثائق والمستندات لأي سبب كان كالخوف من الاعتقال أو احتمال عدم الموافقة ، كان ذلك مما لا فيه الحج.
4. السعة الزمنية: وهي الاستطاعة الزمنية التي يكون فيها لمن ينوي الحج؛ اتساع من الوقت للذهاب إلى مكة المكرمة وأداء مناسك الحج في أوقاتها المحددة، ولا بد أن تكون هذه الاستطاعة قد تحقّقت في وقتٍ مبكّر بحيث يتمكن الإنسان من تأمين كلّ مستلزمات الحج التي تجعله قادراً على القيام بالمناسك، فلو صار الفرد مستطيعاً للحج في وقتٍ متأخر بحيث لم يعد أمامه الوقت الكافي لتجهيز نفسه فلا يعتبر مستطيعاً ولا يجب عليه الحج.
واخيرا لا بّد أن يحتاط من نوى الحج بضرورة أداء الحج عند تتحقّق الاستطاعة بكلّ تفاصيلها، وإلا فأنه قد ارتكب ذنباً كبيراً يستحقّ عليه العقاب من الله سبحانه وتعالى بتكاسله عن فعل الواجب حال استطاعته. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م