10 شوال 1445 هـ   19 نيسان 2024 مـ 11:59 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-01-22   1381

الإسلام والعلوم الحديثة

قراءة في كتاب (التكامل في الإسلام)
بدأت بوادر العلوم الحديثة والاكتشافات العلمية؛ ذات التأثير الكبير على تطور البشرية، منذ القرن التاسع عشر، حيث اكتشفت الكهرباء وإشارات الراديو والإليكترون ووسائل النقل الحديثة؛ وتطورت العلوم بشكل كبير ومتسارع إلى يومنا هذا.
هذه التطورات السريعة جعلت الكثير أمام أسئلةٍ هامة حول علاقة الدين مع العلم، وموقفه من هذه الاكتشافات، ووقع الكثير في أوهام الشكوك، وأوهام بطلان الدين الإسلامي وقدمه، وعدم قابلية صموده أمام العلوم الحديثة، بل حتى إنكار وجود الخالق الحكيم.
وخير من تصدّى لإجابة هذه الأسئلة الدكتور أحمد أمين الكاظمي رحمه الله، حيث تميّز بأنه ممن جمع الدراسة العلمية الأكاديمية والدراسة الدينية، فهو حائزٌ على درجة الدكتوراه في الفيزياء والرياضيات العالية من جامعة اسطنبول، ودرس العلوم الدينية عند كبار علماء الحوزة حتى وصل إلى درجات عالية فيها.
وظهر هذا جلياً في مؤلفاته الكثيرة، وأهمها كتاب (التكامل في الإسلام)، حيث أثبت فيه أن دين الإسلام دين التكامل البشري في عالم النفس والروح لا في عالم المادة فقط، مستخدما معرفته في الرياضيات والفيزياء واللغات الإنكليزية والفرنسية لإثبات ذلك.
في بداية الكتاب؛ دعا الكاتب المنبهرين بالعلوم الحديثة من مفكرين ومثقفين إلى تجربة تطبيق الأحكام الإسلامية حتى يشعروا بالتقدم والرقي الذي يتركه تطبيق الأحكام التي أمر بها الدين على الإنسان، وهكذا دعوة لها قيمتها الكبيرة لأنها صدرت من عالم متخصص في العلوم الحديثة؛ ومع ذلك يرى في الأحكام الإسلامية رقيا وتقدماً لا ترقى له الاكتشافات الحديثة.
ثم يشرع في بيان أهمية هذه الأحكام في بقية فصول الكتاب، حيث ذكر أهمية العقل في الدين الإسلامي وتشجيعه على التفكر والتدبّر والمشاهدة والتجربة، مؤكداً أنه لا يعلم بوجود دين آخر غير الدين الإسلامي جعل البرهان شعاراً وطرق التجربة والمشاهدة معياراً ونهى عن اتباع الأوهام والخيالات، وهذا ردٌ منه على ما مارسته الكنيسة الكاثوليكية  والبروتستانتية بحق العلماء والعلوم الحديثة في أوروبا مما أدى إلى النفور من الدين، وانتقل هذا النفور من الغرب إلى الشرق حيث ظن البعض أن دين الإسلام لا يماشي العلوم الحديثة بل ويعارضها، كما أكّد لو ان علماء الغرب وجدوا ديناً كالدين الإسلامي يشجع على تعلم العلم ويعطي مكانة سامية للعقل لما اتخذوا موقفاً سيئاً من الدين.
كما بين الكاتب خطأ من يعتقد بمعارضة بعض الحقائق الدينية لبعض النتائج العلمية، حيث اعتبرهم لا يفرقون بين الحقائق العلمية  والفرضيات المتحولة على قدر جهود المكتشفين والمخترعين، وأن الفرضيات والنظريات العلمية في تغير مستمر، فمثلا كانوا يعتقدون سابقا أن الشمس ثابتة والقرآن يصرح بأن: ((وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ))(سورة يس ـ 38)؛ ثم أتى العلم واكتشف ـ بعد تطور آلات الرصد ـ بأن الشمس تتحرك بشكل لولبي نحو نجمة تدعى (النسر الواقع)، فما لا يدركه العلم ويعجز عن تفسيره ليس إلا لقصور فيه وحاجته الى اكتشافات واختراعات جديدة.
وذكر أسبقية الحقائق الدينية على العلوم الحديثة في كثير من الموارد، حيث أثبت العلم الحديث في زمن متأخر أن مبدأ الحياة وجد بالماء، وهو ما ذكره القرآن قبل مئات السنين: ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ))(سورة الأنبياءـ 30).
كما ذكر القرآن الكريم أدوار الجنين في الرحم وطريقة تشكل الأمطار ثم أتت العلوم لحديثة لتؤكد كثيراً منها.
وفي مورد أخر أكثر ابداعا، أكد أمين على أن الجانب الروحي في الإنسان هو المقدم على جانبه المادي، وأن الاهتمام بالجانب المادي فقط كما فعل الغربيون لن يحقق السعادة للبشر، وهذا الجانب هو الذي ركّز عليه الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وما ذِكْرُهم لبعض الحقائق العلمية إلا للاستدلال والتنبيه، لذا ذكر بعض الأحكام الإسلامية ودورها في التربية الاجتماعية، مؤكداً كعادته أن التربية الاجتماعية التي يعتقد البعض بأنها من مكتشفات القرن العشرين سبق الإسلام التأكيد عليها والاهتمام بها في إرشاداته كصلاة الجماعة والجمعة والزكاة والحج والتآلف والتراحم.
كما يذكر إدراك بعض علماء العلوم الحديثة لوجود الله من خلال تأملهم في خلقه، حيث ينقل عن العالم الفرنسي بيركسون (Bergson) الذي أتعب نفسه في العلوم الرياضية عندما نظر إلى المعادلات والخوارق في الذرة: "إن الله موجود في الذرة؛ يبدعها إبداعاً وينظمها تنظيماً".
وعن ديكارت، الفيلسوف الفرنسي الرياضي، الذي شك في وجود نفسه أولاً فقال: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، ثم قال: "إن لديّ فكرة الكمال وأنا غير كامل، فلو كنت مخلوقاً من قبل ذاتي لكنت خلقت ذاتي كاملاً، لأنني أمتلك فكرة الكمال، ولأن إعطائي لذاتي ضروب الكمال سيكون أقل صعوبة من أن أجذب نفسي من العدم وبما أني غير كامل فأنا إذن لم أخلق نفسي بنفسي".
وتحدث الكاتب عن داروين واعتقاده بأن الأنواع استمدت الحياة من خالق أوجدها، على عكس ما يروج له الملحدون الذين حرفوا كثيراً من الاكتشافات العلمية بما يناسبهم.
وعن أنطوان لافوازييه (عالم الكيمياء المعروف) الذي يقول: "بأن المادة لا تخلق من تلقاء نفسها"، و "ان لا بد من وجود خالق حكيم أزلي".
إن الدكتور أحمد أمين الكاظمي وأمثاله الكثير من العلماء ممن لم يجدوا في علومهم والاكتشافات الحديثة ما يعارض الدين الإسلامي، بل لاحظوا أنه كلما تقدمت العلوم كلما ازدادت الأدلة على أحقية الإسلام وإشراقه يوماً بعد يوم.

السيد علي قاسم الرضوي

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م