15 شوال 1445 هـ   24 نيسان 2024 مـ 3:07 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-04-16   308

الثورة البيضاء

مقدمة مختصرة للآليات الإسلامية في تغيير سلبيات المجتمع... تحرير العبيد إنموذجا
من انفك الإسلام بسماحته وسعة أفق طروحاته، عن معالجة مسألة العبودية والرق، بل وأشبعها تشريعا وتنظيرا وتطبيقا، لصالح الحفاظ على الكرامة الأدمية، خصوصا وأنه جاء مخلّصا ومنقذا للإنسان وعزته المذبوحة على أعتاب الجاهلية المقيتة، أو بعض الديانات المحرّفة، إنى كان هذا الإنسان ويكون، بغّض النظر عن ايمانه به ـ الإسلام ـ أو بغيره أو حتى الكافر به، إلا إن ذلك لم يقنع المتخرصين عليه! فكان وما زال هدفا لسهام النقد والتشنيع منهم، خصوصا من أولئك الذين يعتقدون أن لهم من الرحمة واللطف ما لا يتواجد حتى عند الله الرحمن الرحيم، فيبنون على تصوراتهم الواهية هذه، انطباعات سلبية عن الإسلام، وعلى وجه التحديد عن منظومته التشريعية التي تُنظم حياة الفرد والمجموع، محاولين بذلك افتراء الفرية تلو الأخرى عليه وعلى نبيه وكتابه، بحثا عن ثغرة أو هوة يشنعونه فيها، بما يُسقطه في عيون المؤمنين به والمتعاطفين معه، فكانت "العبودية" و "الرق" مما اسُتهدف به زورا وبهتانا، متعكزين بذلك على بعض الآيات القرآنية التي وردت فيها آليات التعامل مع "العبد" و"الجارية" و"الرقيق" و"ملك اليمين".
وربما يسأل سائل عن سبب تضمين بعض النصوص الدينية الإسلامية مسألة الرق والعبودية فضلا عن الإقرار بها، من خلال الإبقاء عليها ضمن بعض تطبيقاته!
وقد فات السائل الكريم في ذلك، مديات تجذر منظومة الرق والعبودية في المجتمعات عامة، فضلا عن المجتمع البدوي في الجزيرة العربية آنذاك، وهو ما حتّم على المشرع أن يتعامل مع موضوعة العبودية بواقعية تامة، لما تمتلكه من عمق تأريخي في نفوس المجتمع، وتجذرا تطبيقيا فيها، لذا راح الإسلام يمرن الذهنية الإسلامية ـ وهي حديثة النشأة في ذلك الوقت ـ على رفض هذه المنظومة بشكل تدريجي يّؤمن من خلال قبول هذا المجتمع للتغير بشكل مقنع، تأسيسا لانقلاب أبيض ومخملي على هذه الطبيعة المجتمعية ـ العبودية ـ من خلال فكرته الثورية الناعمة، وبالتالي إجهاض الموروث المجتمعي في ذلك الوقت، فنجد نصوص الدستور الإسلامي ـ القرآن الكريم ـ توجه وتحث الأفراد على تحرير هؤلاء العبيد من ربقة أربابهم وسادتهم بشكل سلمي وتدريجي يضمن من خلاله حالة التوازن في تلك الفترة وذلك المجتمع، اجتماعيا واقتصاديا وروحيا، وبشكل مأمون المخاطر، فضلا عن ضمان عدم وقوع المجتمع في بيئة التقلبات والتغيرات المجتمعية السريعة التي تسبب ـ بداعي تغيرها المفاجئ وتطبيقاته القسرية ـ صدمة مجتمعية قد تُنكس المجموع وأفراده. 
كما ان النصوص الإسلامية ـ قرآنيا وعصمويا ـ فضلا عن التطبيقات المجتمعية الإسلامية، لم تدع مناسبة وفرصة إلا واستثمرتها في أنسنة ذلك المجتمع الذي اعتاد على لغة الغزو والحرب والقتل، فضلا عن العبودية، وهو ما يحتم الطرق الخفيف والعمل الهادئ، فبين أن يجعل ضريبة بعض المخالفات (كفارة بعض المعاصي والأخطاء) فكاكا لرقاب هؤلاء العبيد من جهة، نجده من جهة أخرى، يؤكد بشكل مستمر على ثواب عتق العبيد وتسويتهم بالأحرار الأسوياء، سواء كان هذا الثواب دنيويا كالوجاهة والرفعة المجتمعية، أو أخرويا عند بارئ الأنفس. 
ولإن الإسلام دين إلهي، فلازمة احتواء الجميع ظلت مرافقة لكل تطبيقاته فضلا عن تنظيراته، باعتباره دين الإنسانية جميعا، فنجده يعالج السلبيات الموجودة في المجتمع ـ أي مجتمع ـ بطريقة مرنة حدّ الإمكان، بعد أخذه بلحاظ الاعتبار السنن المجتمعية والتاريخية، حتّى لا يوقع الناس في ضرر جراء التغييرات والتقلّبات، وأدل مصداق على ذلك هو ما أنتهجه في تحريمه للخمر، بشكل تدريجي وعلى ثلاث دفعات.
لذا فأن تعامله مع العبيد والرقيق، إنما هو قبول الجراح لعلة العليل، خصوصا وأن ثقافة الاسترقاق مما اعتادت عليه تلك المجتمعات في تلك الحقب، وبالتالي فأن قبوله لها قبول الاحتواء على أمل المعالجة التدريجية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فقد قبل الإسلام بالرق والعبودية في محل استثنائي وظرف طارئ، إلا وهو محل المحاربين له وأسرهم (شريطة أن تكون الحرب شرعية ودفاعية ضد المعتدين عليه)، مشروطا بأن لا يُنظر لهؤلاء العبيد على أنهم طبقة أنسانية دونية، بل منحهم كل الحقوق الطبيعية، وهو بذلك يوفر الغطاء الاجتماعي اللازم لتربية هؤلاء العبيد عند سادتهم من خلال تواجدهم المستمر ضمن البيئة الإسلامية وتعايشهم معها بشكل يضمن من خلاله تغييرهم التدريجي، وأدل دليل على ذلك، زواج النبي وبعض اوصياءه من هؤلاء "الجواري" إثر أسرهم، وهو تكريم وارتقاء بهن الى مصاف السوية مع مُلاكهن من خلال ضبط التعامل معهن، ((وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ واللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ))(النساء ـ25)، ((وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ))(النور ـ33)، حتى أن بعض الأئمة عليهم السلام ـ على عظمة منصب الإمامة وقيمته الفعلية والاعتبارية عن المسلمين ـ كانوا أبناء لجواري وإماء .
وأبعد من ذلك، نجد أن الإسلام راح يؤسس لآليات سهلة وسريعة لتحرير هؤلاء العبيد والجواري، من خلال تبيان اهمية الحرية للإنسان، وتخليصه من القهر وفضل ذلك، فكما نجده يُلزم السادة بحسن التعامل مع عبيدهم، وضمان أموالهم، نجده في مجال أخر، يلزم هؤلاء السادة تحرير عبيدهم في حالات كثيرة ودواعي ومناسبات عديدة، ليس للمحل سعة في ذكرها.
وبذلك فإن المنظومة الإسلامية ـ مراعاة منها لعمرها القصير آنذاك من جهة وتجذر هذه السلوكيات في نفوس الناس من جهة ثانية ـ راعت في تشريعاتها عنصر التوازن والتدريج في تغيير المجتمع، بما يضمن عدم صدامها من البيئة التطبيقية لهذا السلوك او ذاك، وهذه العادة أو تلك، فضلا عن عدم تأييده لها، والعمل على تنفير الناس منها، بما يُفهم الوعي الجمعي على سلبية التعامل بها، ناهيك عن بُعد تشذيبه لها وتكييفها مع الضرورة، لئلا يتحول الأمر الى صراع طبقي، خصوصا وأن هذه المسألة مما أعتادتها المجتمعات البدوية، فضلا عن الحضرية، ليست العربية وحسب إنما المجتمعات أجمع ومنها بالطبع الرومانية والفارسية. 
من جهة أخرى، فقد توسل الإسلام بوسيلة أخرى لتحرير العبيد، وخير من مثّلها أئمة أهل البيت النبوي عليهم السلام، وذلك من خلال شرائهم للعبيد وتأهيلهم للدخول في الإسلام بعد تعريفهم بشكل عملي من خلال السلوك الذي يسلكه الائمة في التعامل الإنساني مع الناس عموما والعبيد على وجه التخصيص، للتعريف بالدين الإسلامي عمليا وليس شعاراتيا. 
وقد أنتهج الإسلام في سبيل القضاء على مفهوم العبودية والرق، مناهج عدة، بدء من إلزام المُلاك بمعاملة عبيدهم بشكل أنساني وترك ما كانوا يعملون به بخصوص كون العبيد درجة إنسانية منحطة، إن لم نقل لا إنسانية أصلا، وصولا للحث على تعليم الجارية او العبد وتأديبه، ومن ذلك ما أوصى بها سيد الكونين محمد صلى الله عليه وآله حين قال: "أيَّما رجل كانت له جارية أدّبها فأحسن تأديبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، وأعتقها، وتزوجها، فله أجرُ الله"، بل وقرن سلام الله عليه وعلى آله قيمة الإماء بقيمة الصلاة يوم أوصى قائلا :"الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم"، بل وجعل القرآن الكريم العبيد من النساء (ملك اليمين) بدرجة ما من الوالدين! بالمنح والعطاء، حيث الزم بالإحسان اليهم كما الوالدين وذوي القربى الأخرين، حيث قال عز من قال ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا))(النساء ـ36).

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م