17 شوال 1445 هـ   26 نيسان 2024 مـ 9:21 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أفكار ونظريات |  الفلسفة الإسلامية... قراءة أولية في نقطة الشروع
2022-07-08   492

الفلسفة الإسلامية... قراءة أولية في نقطة الشروع

ما انفكت الفلسفة من أن تكون جزءا مما أشتغل عليه العلماء المسلمين، منذ صدر الإسلام وحتى اللحظة، سواء كان ذلك في مجال العلوم الإسلامية المتخصصة كفلسفة تفسير القرآن وفلسفة التأريخ الإسلامي وفلسفة الفقه الإسلامي وفلسفة أصول الدين الإسلامي وفروعه، أو ما استورده المسلمون من علوم ومعارف، من الحضارات والأديان السابقة، كالمنطق الأرسطي والفلسفة اليونانية، فضلا عن علوم الطب والكيمياء والرياضيات والفلك والنجوم. 
وتنطلق المعارف والعلوم الفلسفية لدى المسلمين من حيث تعرّض القرآن الكريم للمسائل الفكرية والعقلية والغيبية وحث الى البحث فيها، بشكل يدعو الى النظر بعمق بعيدا عن ظواهر الأمور، حيث حث على مناهج استدلال منطقية مرة وقياسية في أخرى، وهي ذات المناهج التي تعتمدها الفلسفة في مساراتها التحليلية، فضلا عن دعوته الى إعمال العقل بالتأمل والتدبر ((لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ))(سورة الأنبياء ـ 10)، ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ))(سورة البقرة ـ44)، ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))(سورة محمد ـ24)، ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ))(سورة النساء ـ82)، ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))(سورة النحل ـ44)،((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ))( سورة آل عمران ـ191).
من جهة أخرى، لم تغفل سيرة المعصومين عليهم السلام عن البحث الفلسفي المعمق للقضايا العقلية الدقيقة، خصوصا فيما يعنى بعلم الكلام والعقائد، خصوصا ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام من أبحاث كلامية وعقلية انتصر من خلالها للحقيقة وغلب فيها شطط من أبتعد بالفلسفة عن جادة الصواب، ناهيك عما ابداه الإمام الصادق من عمق معرفي في هذا الجنس العلمي، خلال مواجهة الجبريين مرة، والزنادقة في أخرى فيما عرف في حينها بمناظرات الجبر والاختيار والمشيئة الربانية، وما شاع في حينه من جدل ونقاش حادين بخصوص خلق القرآن الكريم. 
وبالتالي فأن مرّد النقلة النوعية في الفلسفة لدى العلماء المسلمين هو الأرضيّة القرآنية والروائية النادبة للعلم والتعلّم، والتعقل والتدبر، في كل الظروف، وفي كل الأحوال، بل يمكننا الجزم بأن البيئة الإسلامية هي التي منحت العقل المسلم مساحة خصبة في الدين والتدين، بعدم قبولها للدين السطحي الذي تتناقله الأجيال بشكل اسطوري، بل طالبت بضرورة استشفاف الحقيقة من مصادرها الحقة كمسائلة النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام، كقول النبي محمد صلوات الله عليه وآله: "الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ تَبَيَّنَ لَكَ رُشْدُهُ فَاتَّبِعْهُ، وأمر تبين لك غَيُّهُ فاجتنبهُ، وأَمْرٌ اخْتُلِفَ فِيهِ فَرُدَّهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ"، وقول أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام: " قِوَامُ هَذِهِ الدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ : عَالِمٌ يَسْتَعْمِلُ عِلْمَهُ، وجَاهِلٌ لَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وغَنِيٌّ جَوَادٌ بِمَعْرُوفِهِ، وفَقِيرٌ لَا يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ"، وقول الإمام الباقر عليه السلام: "الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، والصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ، وتَقْدِيرُ الْمَعِيشَةِ"، وقول الإمام الحسين عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّهِ فِي دِينِ اللَّهِ ولَا تَكُونُوا أَعْرَاباً، فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللَّهِ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ولَمْ يُزَكِّ لَهُ"، وقول الإمام الصادق عليه السلام: "لوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُءُوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَتَفَقَّهُوا"، وقوله عليه السلام: "نَّمَا يَهْلِكُ النَّاسُ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ".
وتأصيلا لما ابداه أئمة أهل البيت من اهتمام كبير في موضوعة الفلسفة، واسلمة هذا الفن، انتهج العلماء المسلمين فيما بعد، منهجا فلسلفيا واضحا، اصبغت من خلاله الكثير من العلوم الإسلامية بالصبغة الفلسفية التي جارت ـ من المجاراة ـ، بل غلبت من سبقها فيه كاليونانيين واللاتينيين، مستفيدين من حركة الترجمة التي شهدتها بعض الأمصار الإسلامية، التي انحصرت فيما بعد القرن الهجري الثالث مكتفين بما أولدته العقول الإسلامية من فلسفة عميقة، وأن اختلفت عن الفلسفة القديمة (اليونانية) بالمشترك اللغوي أو الاصطلاحي، بعد أن ابتدع المسلمون مسارات فلسفية جديدة ومنحوها تسميات جديدة صارت فيما بعد أس للكثير من الدراسات الفلسفية، بل ورجع اليها الفلاسفة الغربيين (قديما وحديثا) بعدما أثبتت علميتها وعمقها المعرفي، بل أنها صارت مرجعا لغيرهم من الفلاسفة، خصوصا فسلفة المشائين التي قاربت الفلسفة الأفلاطونية والأرسطية وفاقتها في بعض الجوانب.
ومن نوابغ هؤلاء الفلاسفة الذين سطروا أسمائهم بحروف من ذهب، في سجل التاريخ الإسلامي، هم الفارابي وابن سينا وأبن حيان، ثم صارت النقلة النوعية الكبرى على يد البغدادي والفخر الرازي والسهروردي صاحب المذهب الإشراقي الذي منح الساحة الفكرية الإسلامية خصوبة في التفكير واثرائية في الاستنتاج، بل وهيئ أرضيّة فكرية حداثوية بالقياس فمن سبقه.
ثم تعمق الفلاسفة الإسلامية اكثر، وصارت الفلسفة حرفتهم وشغلهم الشاغل، ليظهر فلاسفة مجددون اشتغلوا على مبانٍ فلسفية جديدة، اغنت الفلسفة الإسلامية بجديدة الطروحات، وخلقت حراكا فكريا معمقا فيما بينهم، وقويا وصلبا في الرد على الفلسفة غير الإسلامية، ومنهم الشيخ نصير الدين الطوسيّ والشيخ الدشتكي والشيخ الدوّاني والشيخ البهائي والميرداماد، واخرهم صدر المتألّهين الملا صدرا (صدر الدين الشيرازي) ، الذي أسس نظامه الفلسفي الجديد المعروف بالحكمة المتعالية الذي نسّق فيه بين جميع الطروحات الفلسفية القديمة بعد أن اسلمها وأضفى عليه الصبغة القرآنية والحديثية.
أما من جهة الموضوعة محل البحث الفلسفة، فلم يقتصر الفلاسفة المسلمين على فلسفة ومنقطة (من المنطق) القضايا الغيبية فقط، ولا يكتفوا بمناقشة ما يجور بفلك الفكرة الفلسفية الأولى ـ الوجود والموجود ـ بل توسعوا فيها شمالا ويمينا، وأسهبوا في جميع نواحي الحياة بالتحليل الفلسفي المعمق، بل تنزلوا لجزئيات حياتية بسيطة فضلا عن كبرياتها، كقضية الوجود وموجده وواجب الوجود فيه بالمقابلة مع ماهيّة الوجود وعدميته.
كما تطرقت الفلسفة الإسلامية الى مسائل ذات صلة بالوجود كالصفات والمسائل التي تثبت الوجود وتساويه كقاعدة الشيئية "كلّ وجودٍ هو شيءٌ، وكلّ شيءٍ هو وجودٌ"، فضلا عن الجنبة العينيّة والجنبة الخارجيّة المساويتان للوجود، بأعتبار أن "كلّ موجودٍ خارجيٌّ، له عينيّة، وكلّ خارجيٌّ موجودٌ"، ناهيك عن ثيمة الأصالة الشيئية التي تدل على الوجود حسب القاعدة الفلسفية "كلّ وجودٍ أصيلٌ، وكلّ أصيلٌ وجودٌ".
واقل من فلسفة الوجود، بحثت الفلسفة الإسلامية في تقسيمات الوجود كالصفات التي لا تساوي الوجود على الرغم من مقابلها الوجودي، واثبت هؤلاء الفلاسفة أن هذه الصفات بمعية مقابلها الوجودي ستساوي الوجود، وقسموا الموجود من خلال ذلك الى موجود بالفعل أو موجود بالقوة، على أن يكون الموجود بالفعل والموجود بالقوة مساويان للوجود، كالنطفة التي تكون بالقوّة إنساناً، ويكون هو إنسانا بفعليتها.
كما بحثت الفلسفة الإسلامية في ماهية الموجود، وقسمته الى خارجيّ وذهنيّ من جهة، وواحدٌ أو كثيرٌ من جهة ثانية، وواجبٌ وممكنٌ من جهة ثالثة، وحادثٌ وقديمٌ من جهة رابعة، وثابتٌ ومتغيّرٌ من جهة خامسة.
من جهة أخرى، أخضع الفلاسفة المسلمون، حكومة الوجود بالعلية، واسسوا وفقا لذلك قانون العلة والمعلول، وقرنوا به فرعيات التقدم والمعية والتأخر الخاصة بمراتبه، فضلا عن طبقاته، وعوالمه الأربعة المعروفة بالنشأت الأربعة: 
ـ عالَم الناسوت (عالم الطبيعة)، الذي يعنى بحركة المادة وزمانها ومكانها (المحسوس).
ـ عالم الملكوت (عالم المثال)، الذي يشتغل على ما وراء الطبيعة وفوقها، بعيدا عن الحركة والزمان ومكان.
ـ عالم الجبروت (عالم العقل)، الذي يعنى بالمعني المتجردة عن الصورية والشبحية، بتعبير أدق، يعنى بعالم العقول.
- عالم اللاهوت (عالم الألوهيّة)، الذي عنى بالآحديّة. ومطلق الوجود وواجب الوجود. 
ناهيك عما بحثوه في حركة هذه العوالم فيما بينها، بما يسمى بالسير الصعودي والسير النزولي.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م