16 شوال 1445 هـ   25 نيسان 2024 مـ 4:10 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | امصار واقطار |  ثمان قرون.. مالقة والإسلام، عندما يكون المسلمون سفراءً للإنسانية
2022-08-09   526

ثمان قرون.. مالقة والإسلام، عندما يكون المسلمون سفراءً للإنسانية

تقع مدينة مالقة أقصى جنوب أوروبا في كوستا ديل سول او ما يعرف بساحل الشمس، على خاصرة البحر المتوسط، وبالتحديد على بُعد حوالي (100) كيلومتر من شرق مضيق جبل طارق.
وتأسست مالقة سنة (770) قبل الميلاد على يد الفينيقيين، وكان اسمها (مالها) اشتقاقا من كلمة الملح نسبة للسمك المملح بالقرب من الميناء.
وتتبع مالقة اليوم إسبانيا الواقعة في قارة أوروبا، وهي أقدم مدينة فيها، بل أنها واحدة من أقدم المدن الحضرية في العالم، تعاقبت على حكمها الكثير من الحضارات، ما جعلها غنية بالتراث الإنسانية فضلا عن وفرة كبيرة للآثار الدينية والتاريخية، سواء كانت فينيقية او إسلامية او صليبية، ومن الملامح الإسلامية فيها هي القلاع والحصون التاريخية الكبيرة كقلعة قصبة ملقا التاريخية.
تبلغ مساحة ملقا ما يُقارب (400) كيلو متر ويزيد عدد سكانها عن (500) ألف نسمة، وفيها واحد من أهم الموانئ في إسبانيا، ويقصدها السياح من جميع أنحاء العالم لمناخها اللطيف على مدار العام وللاستمتاع بالحضارة والتاريخ والمناظر الطبيعية الجذابة بجانب شواطئها الساحرة.
تمتاز مالقة بمناخ شبه مداري، حيث الشتاء خفيف البرودة، وفصل صيف حار، كما انها تتمتع بالكثير من أشعة الشمس على مدار السنة، وتشهد دفئا مميزا أكثر من أي مدينة اسبانية أخرى، حيث يبلغ متوسط درجة الحرارة خلال اليوم في فصل الشتاء (17,5) درجة، وستمر فصل الصيف فيها لثمانية شهور، تبدأ من نيسان وينتهي في تشرين الثاني، وتتراوح درجات الحرارة فيه بحوالي (2٦ـ 34) درجة مئوية، فضلا عما تحظى به من تساقط مطري في الشهور الأولى من فصل شتاء، في حين يكون صيفها جاف عادة.
وبالنظر لموقع الجغرافي المميز التي تحتله مالقة من خلال وقوعها على ضمن خط النقل البحري في البحر المتوسط، صارت مالقة وجهة تجارية كبيرة، فضلا عن وجهتها الحضارية، ناهيك عما امتازت به من موقع مائي استراتيجي لما تمتلكه من أنهار وجداول وبحيرات، صارت بها عامرة بالسكنى، وخضراء بالزراعة خصوصا التين والجوز واللوز والموز والسكر والرمان والزيتون، ناهيك عما امتازت به من صناعة للأواني الخزفية، التي كانت من الصناعات المتقدمة في حينها، فضلا عن صناعة الملابس الجلدية وأدوات العمل الزراعية. 
إسلاميا... فتحت مدينة مالقة ـ أو مالقا ـ في زمن القائد المسلم طارق بن زياد، وذلك في العام 92 من الهجرة النبوية الشريفة، وذلك بعد أن فتح القائد المسلم مغيث التميمي مدينة قرطبة، ولم ينجح فيها الفتح هذا لعدم قناعة المالقيين بالدين الإسلامي، وتشدد الكنيسة في حينها حيال قبول أي دين غير المسيحية، بغّض النظر عن صديقته وقيمه ونظمه التشريعية، إلا أن حنكة القائد المسلم موسى بن نصير، وبعد نظره، ساعد على فتح مالقة بشكل حقيقي عام 94 من الهجرة الشريفة، حيث تقبل الأندلسيين في حينها دخول الإسلام وتفاعلوا معه بشكل كبير وايدوا الزعماء المسلمين، حتى صارت مالقة درع المسلمين الى أوربا وخاصرتهم الموالية حتى نهاية القرن الهجري الرابع، قبل أن تأخذ الفتنة مكانها بين المسلمين العرب من جهة والمسلمين الأندلسيين من جهة ثانية ليسيطر عليها بنو حمود مؤسسين بذلك مملكتهم الحمودية عام 422 هجري، ثم حكومة بني زيري ثم المرابطين ومن بعدهم الموحدين الذين استطاعوا فرض نفذوهم عليها بشكل سلمي وطوعي، ثم تلا هؤلاء كل من اليوسفيين وبنو الأحمر (بنو نصر) الذين أسسوا لمالقة واجهة حضارية واقتصادية كبيرة، صارت من خلاله منطلقا لباقي الدول، بل أنها صارت حصن الإسلام المنيع ضد الصليبيين في القرن الثامن والتاسع من الهجرة الشريفة. 
امتد الحضور الإسلامي في مالقة لأكثر من ثمان قرون، استطاع المسلمون فيها من بث الروح الحضارية في المدينة وتأسيس أنظمة سياسية واقتصادية وزراعة عتيدة جعلت من مالقة الوجهة الكبرى للعلوم والفنون حتى سقوطها بيد الصليبيين في العام 892 لينالوا من أهلها المسلمين شر منال بالتقتيل والتشريد والتخويف والقسر على اعتناق المسيحية على الرغم من مقاومتهم للاعتداءات الصليبية والحصار الذي فرضه النصارى على المسلمين، والذي أدى الى استسلامهم بسبب جوعهم وقلة مواردهم، حتى أن الصليبيين كانوا قد أسروا مسلمي مالقة وباعوهم كعبيد أو أهدوهم كهبات للملوك وذوي النفوذ.
وتعتبر الفترة التي تواحد فيها المسلمون في مالقة، أطول فترة حكم للمسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية باعتبارها جزءا من إمارة غرناطة.
ىثاريا... يعتبر حصن قلعة مالقة الذي يقع على أعلى قمة جبل المنارة شمال شرق المدينة ويعد من اهم معالم البلاد السياحية، حيث بني في القرن الهجري الرابع، على بقايا منارة فينيقية قديمة بناء على أوامر القائد المسلم عبد الرحمن الثالث، حيث تحيط بالحصن أشجار الصنوبر والكينا، بالإضافة إلى الأسوار الحديدية المُرتفعة والساحات والنوافير الواسعة المُمتدة أمام المبنى الرئيسي للقلعة وبداخله، كما يتضمن الحصن ساحات ومبان أثرية، تسمح لزائرها بالاستمتاع بإطلالة بانورامية رائعة على المدينة وشاطئها وأشجارها.
كما يوجد في مدينة مالقة قلعة قصبة مالقة ذات الطابع الإسلامي الجميل، وقد نبت القرن الهجري الخامس على يد المسلمين، وتتميز بروعة عمارتها ودقة تحصينها خصوصا وأنها بنيت على تلة وسط المدينة يحيطها سور منيع من مُختلف الجوانب كما يتخللها عدد من الأبراج الدفاعية التي كان يستخدمها الجنود في أغراض حربية كالرماية والمُراقبة.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م