11 شوال 1445 هـ   20 نيسان 2024 مـ 9:00 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | النبوة |  النبي والرسول.. عموم وخصوص
2021-08-04   2494

النبي والرسول.. عموم وخصوص

لغويا، تأتي مفرد (نبي) من مادة (النبأ)، والنبأ بمعنى الخبر ذو الأهمية القصوى؛ أي الخبر العظيم الشأن، وقد أعتاد العرب على تجريده من الهمزة فصار المُخبر (نبيا) ومنه (نبي) و(متنبي) خصوصا وإن القرآن الكريم (وهو أس البلاغة العربية) هو الأخر لم يهمزه.
ويأتي معنى النبي للتعبير عن الارتفاع في القيمة الاجتماعية وعلو الشأن.
في حين أن مفردة (الرسول) يراد بها ايصال الخبر عن مرسله، كما تأتي بمعنى متابعة الرسول لأخبار من بعثه، وقد سمي الرسول رسولاً لأنه يأتي بالرسالة من مرسلها، فهو ذو رسالة.
أما اصطلاحا، فالنبي هو إنسان (وليس ملاكا او جنسا أخرا)، أوحى الله تعالى اليه وأنبأه بما لم يكن يعلم من خبر أو حكم، فيكون عالماً به بواسطة الوحي إليه علماً ضرورياً عن الله عز وجل؛  فيخبر به عن الله بغير واسطة من البشر؛ أي أن النبي هو ذلك الإنسان الذي يتَلقَّى كلمة الله عن الله تعالى وحياً وبغير واسطة بشرية، وبتعبير أدق هو الانسان المُنْبَأ (بفتح الباء) بما يُلقيه الله اليه لنفسه، وقد يكون مُبَلِّغاً عن الله تعالى لغيره فيكون مُنْبِأً (بكسر الباء).
في حين أن المراد من اصطلاح الرسول هو نبي أمره الله تعالى بتبليغ شرع ودعوة دين، والدين هذا أو الشرع أعم واشمل من الخبر أو الحكم مما يمكن أن يُنبئ به النبي، وعلى هذا؛ فالرسول هو الانسان المُرسل من قِبَل الله عز و جل الى الناس، وإن أشترك الرسول مع النبي في التلقي عن الله وحياً بغير واسطة بشرية، إلا أنهما يختلفان بالتبليغ وأداء الرسالة، فكل رسول نبيٌ و ليس كل نبي رسول.
والرسول هو من يسمع صوت الملك، ويراه في المنام، ويعاين الملك في اليقظة كما يعاين بعضنا الآخر، ويبشره الملك يوم بعثته عند معاينته بأنه رسول الله إلى عباده أو إلى بعض عباده حسب اقتضاء الحكمة الإلهية، في حين أن النبي يسمع صوت الملك، ويراه في المنام فقط، ولا يمكن له يعاين الملك يقظة، إنما يوحي إليه بالعمل من طريق سماع صوت الملك ورؤيته في المنام.
فمثلا أن نبي الإنسانية محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وآله كان نبيا قبل بعثته الشريفة بل منذ ولد ونشأ؛ حيث كان صلوات الله عليه وآله يرى الملك في نومه ويسمع صوته في يقظته، ويسلك به طرق الخير كلها؛ فعن أمير المؤمنين علي عيله الصلاة والسلام قال: "ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به".
وعلى هذا وذاك، فإن نبينا الأكرم صلوات الله عليه وآله كان في أول الأمر نبياً؛ يرى الملك المبتعث عن الله جل شأنه في منامه ويسمع صوته ولكن لا يراه، فلما بُعث بالرسالة ـ بعد أن أكمل الأربعين من عمره الشريف ـ جاءه الملك (أمين الوحي جبرائيل عليه السلام) وصار صلوات الله عليه وآله يرى جبرئيل عيله السلام عيانا وبذلك صار رسولاً ونبياً صلوات الله عليه وآله.
وقد تجتمع النبوة والرسالة لواحد منهم صلوات الله عليهم أجمعين، فيكون رسولاً ونبياً، في حين قد يبقى النبي على نبوته ولا يرسل برسالة أو شرع  جديد وهو ما عليه اغلبيتهم العظمى صلوات الله عليهم، أي أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا، ما يعني أن النبوة أعم وأشمل والرسالة أخص؛ حيث تخص أفراداً منهم، وإن كان كل الأنبياء عليهم السلام مشتغلين على ما يوحى إليهم ويوجهون به عباد الله تعالى، بل ويتحصلون على معاجز كبرى يعجز الفرد العادي من الإتيان بها، كنصرة من الله جل شأنه لهم؛ وتصديق منه لدعواهم، إلا أن بعضهم يبقى كذلك، وبعضهم الأخر يترقى في مدارج الوصول لله ويصير رسولا ومنهم نبينا الرسول محمد صلوات الله تعالى عليه.
كما أنهم ـ الأنبياء ـ صلوات الله عليهم أجمعين ليسوا بدرجة واحدة، بل انهم على طبقات ودرجات، حسبما تقتضيه أدوارهم الشريفة فعن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام أنه قال: " الْأَنْبِيَاءُ وَ الْمُرْسَلُونَ عَلَى أَرْبَعِ طَبَقَاتٍ؛  فَنَبِيٌّ مُنَبَّأٌ فِي نَفْسِهِ لَا يَعْدُو غَيْرَهَا؛ ونَبِيٌّ يَرَى فِي النَّوْمِ ويَسْمَعُ الصَّوْتَ ولَا يُعَايِنُهُ فِي الْيَقَظَةِ، ولَمْ يُبْعَثْ إِلَى أَحَدٍ، وعَلَيْهِ إِمَامٌ، مِثْلُ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى لُوطٍ عليهما السلام؛ ونَبِيٌّ يَرَى فِي مَنَامِهِ ويَسْمَعُ الصَّوْتَ ويُعَايِنُ الْمَلَكَ، وقَدْ أُرْسِلَ إِلَى طَائِفَةٍ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا كَيُونُسَ، قَالَ اللَّهُ لِيُونُسَ ((وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ))، قالَ: يَزِيدُونَ ثَلَاثِينَ أَلْفاً، وعَلَيْهِ إِمَامٌ؛ والَّذِي يَرَى فِي نَوْمِهِ ويَسْمَعُ الصَّوْتَ ويُعَايِنُ فِي الْيَقَظَةِ، وهُوَ إِمَامٌ مِثْلُ أُولِي الْعَزْمِ، وقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ (عليه السَّلام) نَبِيّاً ولَيْسَ بِإِمَامٍ حَتَّى حينا من نبوته الشريفة، قَالَ اللَّهُ تعالى (( وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ))(سورة البقرة ـ 124)
وقد ورد في نبينا الأكرم صلوات الله تعالى عليه ما يؤيد نبوته ورسالته، فقد قال عز من قال: ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ))(سورة الأعراف ـ 157)، مع إن في الوصف القرآني الشريف هذا تقديم للرسالة على النبوة؛ مع أن نبوته صلوات الله عليه وآله أسبق من الرسالة، إلا أن هذا التقديم جاء لكون الرسالة أشرف من النبوة.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م