7 شوال 1445 هـ   16 نيسان 2024 مـ 8:51 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2018-01-09   5775

وأنك لعلى خلق عظيم

الخلق النبوي

لعل أوضح صورة تعكس حلم محمد صلى الله عليه وآله، هي عفوه عن أهل مكة عندما دخلها فاتحاً، فلم يضمر لهم أي حقدٍ أو انتقام جزاءً لما جابهوا به دعوته من عنف ودموية، فكانوا يواجهون دعوته لهم في كل مرة بالضرب أو الإساءة، وفي كتب التاريخ الكثير من الشواهد على ذلك.
كان شعار محمد صلى الله عليه وآله عند دخوله مكة ظافراً: "اليوم يوم المرحمة"، وقد عفى في هذا اليوم عن قاتل عمه حمزة بن عبد المطلب، وعن الذين مثلوا بجثته وقطعوها إلى أشلاء، كل تلك الصور المأساوية تخلى عنها محمد صلى الله عليه وآله لأنه قرر أن يكون حليماً لا ظالماً.
في تلك اللحظات الصعبة على أهل مكة، وقف محمد صلى الله عليه وآله مخاطباً إياهم: "ما ترون أنّي فاعل بكم"؟
قالوا: خيراً.. أخ كريم وابن أخ كريم.
قال: "فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء".
ويطول جداً الحديث عن خلق محمد صلى الله عليه وآله، لأنه حديث عن مكارم الأخلاق التي تتسع باتساع الحياة.

العلم المحمدي
عندما يكون الوحي مصدر علم محمد صلى الله عليه وآله، فهذا يعني أن كل ما يقوله ويقوم به من أفعال هي من عند الله تبارك وتعالى، وهذا الارتباط الوثيق بخالق الكون يميز بالضرورة المعلومة التي يمتلكها عن غيره من باقي البشر.
لقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله أعلى درجات العلم بهذا الارتباط نادر الحدوث، ويختم الإله بأن كل ما صدر عن محمد صلى الله عليه وآله هو من عنده بقوله تعالى: ((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)) (النجم ـ 3-4).
هذه الآية وآيات أخرى، تبين أن علم النبي لم يكن مصدره ما يدور داخل أي الإنسان من أفكار وهواجس بشرية، وليس كما يحدث حتى مع أولئك العلماء والعباقرة الذين عرفهم العالم باكتشافاتهم، وكانوا يتحمسون أشد الحماس لنظرياتهم الفكرية والعلمية، ويدافعون عنها بقوة، ولكن سرعان ما يظهر بطلان هذا العلم أو ضعفه أمام تقدم العلوم واكتشاف المزيد من الأفكار والنظريات العلمية.
لقد كانت كل أفكار وعلوم النبي صلى الله عليه وآله مطابقة للواقع الذي عاشته أمته، وحتى يومنا هذا لايزال لكلماته ووصاياه وجود غريب يفرض هذه المطابقة على الرغم من تغير الواقع وتبدل المجتمعات وميلها الكبير للذوبان في العلوم الحديثة والأفكار المتنوعة.
ومع أن النبي صلى الله عليه وآله انسان كباقي البشر، يأكل ويشرب وينام ويمشي في الأسواق، إلا أنه كان كثيراً ما يبهر من حوله بكلماته وإحاطته بالعلوم المختلفة وبأخبار الأمم السابقة واللاحقة، ولم تكن تلك مجموعة تكهنات تميز بها غيره، وإنما هي واحدة من مصاديق "مدينة العلم" التي كان يصف بها نفسه، وهي هبات من الرب لكي تكون لهذا النبي اليد العليا، يقول ربنا: ((تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)) (هود - 49).


الشخصية المحمدية
إن كل ما مر به محمد صلى الله عليه وآله من مآسي ومحن رافقته منذ لحظة الولادة الأولى حتى شب وترعرع يتيماً، كل ذلك أسهم بشكل كبير في صياغة شخصية قوية لهذا الرجل الاستثنائي الذي عليه الآن أن يتحمل مسؤولية عظيمة وخطيرة وهي هداية البشرية كنبي مرسل.
لقد هيأ الله محمداً صلى الله عليه وآله لأن يكون نبياً مرسلاً سيواجه أصعب المواقف وأشرس التحديات، فكل ما مر به من ظروف ومشاكل حادة صنع منه جبلاً ثابتاً لا تحركه الرياح، ومع كل ما مر به من كوارث منذ نعومته، إلا إنه بقي محافظاً على شخصيته الهادئة الودودة التي برزت عبر خلقه السامي، ويشير إلى ذلك الإمام الصادق عليه السلام في حديث له عن جده النبي صلى الله عليه وآله يقول فيه: "ان الله عزّ وجلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه فلمّا أكمل له الأدب قال: ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)) ﴿القلم -٤﴾ ثم فوّض اليه أمر الدين والاُمّة ليسوسَ عباده"، وكانت نتيجة هذا التأديب أن تكون له هذه الشخصية المتّزنة الواعية المتكاملة.
لقد احرزت شخصية محمد صلى الله عليه وآله الضمير الحي والنفس النقية، وكل ادوات التلقي والتبليغ والبيان والعلم والبصيرة والصبر والشجاعة والحلم، فعلى مدار السنوات التي مضت من حياته، بلغ كل المكارم وقد حان الوقت الذي ينبغي أن يتحمل فيه محمد صلى الله عليه وآله مسؤولية تمثيل الله على الأرض. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م