18 شوال 1445 هـ   27 نيسان 2024 مـ 3:53 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-03-08   1629

ثالوث المسيح المقدس

ما زالت الكتابة عن الأديان السماوية ـ غير الإسلام ـ من صميم وواجبات الفرد المؤمن بالله الخالق المقتدر، الواحد الأحد، باعتبار ذلك مما يتسق وأيمانه بالكتب السماوية السابقة للإسلام، وبالأنبياء الأسبقين على نبي الإسلام محمد صلوات الله عليه وآله وعليهم.
ولأن ثمة تحفظات نبديها نحن المسلمين على صدقية بعض ما ورد في الأنجيل، كردة فعل طبيعية للتحريف والتزوير الذين طالاه، فقد صار لزاما علينا أن نفكك بعض ما ورد فيها أو ما أُفهم به أتباع الدين المسيحي، وبالأخص ما عُني منها بسيدنا نبي الله عيسى المسيح عليه السلام، ومن ذلك عقيدة التثليث، أو ثلاثية الالوهية (الأب والأبن وروح القدس).
والح يقال، فأن المسيحيين ليسوا أول من ابتدع التثليث، بل قد سبقهم الى هذا التصور الخطير، البرهمانيون (قبل السيد المسيح بنحو مائة عام) حيث اعتقدوا بأن ربهم الأزلي قد تمظهر في (براهما) كخالق و (فيشنو) كواقي وحامي للخلق و(سيفا) كهادم للشر ومجبر الكسر الكوني.
ومن جهة أخرى، فقط اعتنق الهندوس ثالوثا خاصا بهم، بعد أن صيروا براهما (الأب) موجدا للخلق (حسب تعبيرهم دائم الخلق اللاهوتي)، في حين جعلوا من فيشنو (الأبن) واقيا، أما شيفا أو سيفا فهو الهادم معيد الكون حيث نشأته الأولى.    
وبالتالي فأن اتباع الدين المسيحي يعتقدون ـ على الأقل في كتبهم الكلامية وسلوكياتهم اليومية ـ أن هذه الثلاثية (الأب والأبن وروح القدس) إنما هي توحيد محض! وهي مسألة أساسية لا غبار عليها، بل ولا نقاش في مضامينها، ما جعلها فيصلا مهما في ايمان الفرد المسيحي بدينه وبالتالي قبول مسيحيته، عمن كفر بالمسيحية.
بل وابعدوا هذه الفكرة عن النقاش من خلال التعبد بمضامينها ـ حسب الرؤية التعبدية القلبية ـ بعد إن ألبسوها القداسة، لئلا يحاورها العقل ويناقشها التساؤل، وقد ابعدوها بذلك عن حيز التحليل المنطقي، ومن ذلك ما زعموه بأن تصور هذه الحقيقة (حقيقة التثليث) مما لا يمكن قياسه بالعقل المجرد لتعطل أدوات القياس المادي من تبريره، بل وأن هذه التثليث لا يتنافى والتوحيد بل وأنه توحيد خالص! كون هذه الثلاثية تعبيرا مجازيا، ليس إلا!!!
ومن خلال تتبع فكرة التثليث تاريخيا، وجدنا إنه نتيجة طبيعية للتأثر بغير الدين المسحي الخالص، خصوصا من الديانات الوضعية في شبه القارة الهندية، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية تعدد الأناجيل الموجودة لدى المسيحيين، وجميعها قد كُتبت بعد سنين طوال من عهد السيد المسيح عليه السلام.
ناهيك عن كون هذا الثالوث نتيجة طبيعية للغلو الذي مارسه بعض المسيحين، حبا بالنبي عيسى عليه السلام مرة وجهلا في أخرى.
والأغرب من كل ذلك، أن أتباع هذه الثالوث يعتبرون أنفسهم موحدين، تعالى الله عن ذلك! وبالتالي فأن الرب ـ حسب زعمهم ـ واحدا ثلاثة! وكونهم ثلاثة إنما يعني ذلك أنهم واحد! أي أن الطبيعة الإلهية لا محدودة (الأب والأب وروح القدس)، ما يجعل القول بأنهم هم الاله، توحيدا له ـ حسب زعمهم ـ ولا يمكن فصل أي واحد من هؤلاء الثلاثة عن الأخرين، وعليه فأن الألوهية متحققة في كل منهم دون نقص او عيب، وفي مجموعهم كذلك! وبعبارة أدق.. يرى المسيحيون بأن الطبيعة الإلهية تتألف من ثلاثة اقانيم متساوية الجوهر، هي الأب والابن وروح القدس، حيث إن الأب هو خالق جميع الكائنات بواسطة الابن، والابن هو الفادي، وروح القدس هو المطهر، وهذه الاقانيم الثلاثة، لها رتبة واحدة، وعمل واحد.
وأما هذه المتهة الفكرية والعقدية، ينبري السؤال الملح، بخصوص كيفية تجسد الذات الألهية في بناء جسماني بشري (هيكل أُنسي) وبالتالي حاجة هذا البناء الى دواعي بقاءه وديمومة حياته من مأكل ومشرب وملبس. 
وهذه الفرض الذي لا يقبله منصف، نظرا لاحتوائه على كل مصاديق التناقض، راح رجال الدين المسيحي يؤسسون لمنطقة منزوعة التفكير في الوعي المسيحي! متعكزين فيها على النقل وحسب، منعا منهم لإشغال العقل في تبيان الحقيقة. 
 وتحتم هذه الفرضيات العقائدية، الجدل العقلي لمن يبحث عن الحقيقة، خصوصا وأن الغيبيات والماورائيات تستلزم هي الأخرى مقدمات عقلية ومنطقية، وبالتالي فأن عدم قياسها بالمقاييس المادية سيؤسس لفرضيات الوهم ويعطل العقل والوعي عن تتبع الحقيقة، وهو ما لا يريده الدين ـ أي دين كان ـ، خصوصا وأن ثمة مجسات عقلية تلامس بطريقة أو بأخرى حتى الغيبيات كامتناع النقيضين، ناهيك عن حاجة الممكن للعلة الموجدة له.
وهنا لا بد لنا من تساؤل بخصوص إمكانية التوحيد في هذه الثلاثية الألوهية، وهل أن لكل منهم استقلالية حقيقية؟ فإذا كان كذلك فأن ذلك مخالفا للعقل وبالخصوص للفرضية المنطقية فيه بدلالة استحالة جمع النقيضين.
ومن جهة أخرى، يلح بالخاطر سؤال عن إمكانية وجود أله كامل مجزئ لثلاث أجزاء (قطع جسمانية)، يُشترط اشتمالها واجتماعها ليكون الله الواحد!، وهو استحالة علمية للدور والتسلسل من جهة، ناهيك عن حاجة واجب الوجود (الله) للممكن، الأب وروح القدس!، وبالتالي جعله سبحانه وتعالى مركب محتاج لأجزائه! وهذا ما يجعله ممكنا وغير واجبا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وهذا وهم أخر ليس اقل وطأة من سابقه. 
كاثوليكيا... فقط عمدت الكنيسة الكاثوليكية (المحافظة والمتشددة) الى الفصل بين الدين والعلم، وحكمت بتجريم بعض العلماء الماديين ـ وعلماء الطبيعة منهم ـ بداعي الهرطقة مرة والتعدي على الذات المقدسة في أخرى، بعدما اعتبرت ان الدين تعبدي، وليس للعلم دخل في ما يبتنى دينيا!
وعلى الرغم من مساعي الحركة البروتستانتية ـ كحركة تصحيحية وتنويرية وإصلاحية ـ بالضد من الكاثوليكية المتشددة، فقد ذهبت محاولاتها لتشذيب العقيدة المسيحية ادراج الرياح، حتى بعد أن حُرر العقل المسيحي من إملاءات الكنيسة.
قرآنيا... تطرق القرآن الكريم ـ وهو الكتاب الذي حفظ من التزوير ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))(الحجر ـ 9) ـ الى العقيدة الحقة في بشرية السيد المسيح ـ وكونه عبدا لله وحاملا بريده للناس بالنبوة والرسالة وليس غير ذلك، وهو مقام رفيع ومحمود ـ من خلال ما جاء به القرآن الكريم قبل الف وأربعمائة عام ونيفا، حيث قال عز من قال ((مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أنى يُؤْفَكُونَ))(المائدة ـ75)، وقوله تعالى ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(المائدة ـ17)، في وقت نزع الله سبحانه وتعالى عن نفسه التركيب والجزئية ـ ومن خلال ذلك عناه عمن سواه ـ حيث قال ((لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))(المائدة ـ73)، وقوله تعالى ((وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيراً لَّكُم إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ))(النساء ـ171).
وأخيرا، فقد ناقض الاتباع المسيحية منطقهم من حيث لا يشعرون، وذلك من خلال قبولهم لقضية وفاته عليه السلام ـ مع انهم يعتقدون بأنه قد صُلب في حين يعتقد المسلمون أنه ارتقى للسماء ـ وبالتالي فأن زعمهم هذا ـ وفاته من بعد صلبه ـ يُثبت بشريته؛ وذلك بدلالة رضوخه للقانون الطبيعي للحياة ـ متوالية الحياة والموت للكائن البشري ـ وهو ما لا يمكن ان يكون على الله، أو أجزاءه! بحال من الأحوال إذا ما كان عيسى عليه السلام ابنا له. 
وغذا ما استحالت الوهية السيد المسيح، فأن ذلك طريقا واضحا ومباشرا يوصلنا الى استحالة بنوته من جهة الله تعالى عن ذلك، لأسباب كثيرة كاستلزام ذلك جسمية ومادية معينة ومحددة!، وهو ما لا يصح بأي حال من الأحوال على الله جل وتعالى، فضلا عن بنوة المسيح له يستلزم الجزئية والافتقار لما دونه وهو ما لا يمكن لواجب الوجود ابدا، وأخيرا فأن ابوته ـ تعالى عن ذلك ـ يوجب السمة المادية عليه بل والشيئية حتى، ناهيك عن ان الأبوة والبنوة تُحتمان على الله العددية في وقت يكون فيه واحدا أحدا، وهذا ما لا يقبله منطق ولا يستسيغه عقل. 
وهو ما جعل المسيحيين في حيرة من أمرهم هذا، فراح بعض الحداثويين منهم الى تبسيط الوصف لثالوثهم هذا من خلال افتراض الحلول الترقيعية والتي هي الأخرى أوهن من بيت العنكبوت، وذلك من خلال ربط مثله بمثل الشمس التي تتكون من شعلة نارية، ونور يضيء الكون، وحرارة تمده بالدفيء وأسباب الحياة، في وقت أن تلازم هذه الجزئيات أنما هي تراكبية وجزئية، ومعلولة بعكس الله كعلة موجدة لكل ما غيرها من معلولات. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م