17 شوال 1445 هـ   26 نيسان 2024 مـ 7:41 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أخلاقيات الإسلام |  الصبر من الأيمان كالرأس من الجسد
2022-03-25   1445

الصبر من الأيمان كالرأس من الجسد

يؤسس الإسلام لكلياته الأخلاقية بشكل مترابط ومتعالق، ولا يقبل أخلاقية منه دون أخرى، لئلا يكون بذلك الفرد المسلم متناقض بها وهو ما ينعكس سلبا على سلوكه حيال ربه أولا وأخيه الإنسان ثانيا، ونفسه ثالثا.
وترابط الأخلاق الإسلامية مرده أنه نوعا من الترويض النفسي والفكري، وصولا لإنتاج الإنسان الأنموذج الذي يدعو الله له لوراثة الأرض. 
وعلى هذا وذاك، فأنها ـ الأخلاق الإسلامية ـ إنما هي سلسلة حلقات، يرتبط بعضها ببعض بشكل تناسقي تلازمي، تشكل بمجملها شخصية الفرد المسلم.
ومن هذه الحلقات الأخلاقية هي أخلاقية الصبر، والصبر حسب الحديث النبوي الريف، رزق الله الأوفر، والمركب الآمن للفرد، فعن النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله قال: "الصبر خير مركب، ما رزق الله عبداً خيراً له ولا أوسع من الصبر".
كما أنه أس الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فعي الإمام الصادق عليه السلام: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان".
ولأن الصبر مادة الأخلاق، وعصبها، نجد أن القرآن الكريم أكد عليه بغير مرة، بل وقرنا بأخلاقيات أخرى، بشكل لا يمكن فصله عنها، فقرن الصبر بالبلاء حين قال عز من قال ((وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأولئك هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))(سورة القرة ـ 155 ـ157)، كما قرن سبحانه وتعالى الصبر في مورد أخر؛ بالصلاة والإنفاق في سبيل الله، بل وقدمها عليهما، حيث قال ((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ))(سورة الرعد ـ22)، بل جعلها مادة الدخول للجنة بميعة الجهاد ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ))(سورة آل عمران ـ142)، كما كافئ وفقا لهذه الأخلاقية من يتحلى بها الفوز العظيم ((إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ))(سورة المؤمنين ـ111)، ((أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا))(سورة الفرقان ـ75)، ((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ))(سورة فصلت ـ35)، حتى أنه جل شأن قد ضاعف حسنات الصابر المحتسب ((أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))(سورة القصص ـ54) جزاء لصبره.

وموارد الصبر كثيرة وعديدة، وليس من إنسان إلا وأن يبتلى بواحدة منها، وهي:

ـالصبر على نّعم الله ومننه:
ويراد بذلك ضبط جوانح النفس حيال ما يتحصله المرء من منن وعطايا الهية، تبدعه عن الطغيان بها والبطر وتسخيرها بغير ما يرضاه الله سبحانه، حيث أن فوات الصبر على المرء وهو في سرائه يشابه جزعه في ضرائه، ((كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ ليطغى (6) أَنْ رَآهُ استغنى (7))(سورة العلق ـ 6ـ7).
ويكون الصبر على النعم هو تسخيرها للخير والبر وبالامتناع عن صرفها في موارد الإفساد أو الاستقواء بها على الضعفاء او توظيفها في معصية الخالق جل شأنه، فعن النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله انه قال: قال الله عزّ وجل: إنّي جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً، فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكل واحدة عشراً إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك، ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً فصبر أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني".

ـ الصبر على مكاره الأمور وصعابها:
يراد بذلك هو عدم الجزع حيال ما يبلي الله به العبد من مآسٍ ومصائب وأرزاء، خصوصا وأن هذه المصائب أنما فيها ما يصلح من شأن العبد، ولعل فيها الخير كله، ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ))(سورة البقرة ـ216)، ناهيك عن جائزة صبره هذا حيال ما اصابه وأبتلي به ((وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأولئك هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))(سورة القرة ـ 155 ـ157)، وقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: "من صبر واسترجع وحمد الله عند المصيبة، فقد رضي بما صنع الله، ووقع أجره على الله، ومن لم يقبل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم وأحبط الله أجره".
ويمكن أن الصبر على المكاره مقرونا بالحزن بدرجة ما، على أن لا يصل هذا الحزن للجزع المفضي للاعتراض على الحكمة الألهية، فقد ورد عن النبي محمد صلوات الله عليه وآله أنه قال يوم توفى صغيره إبراهيم: "تدمعُ العين ويَحْزُنُ القلب، ولا نقول إلاّ ما يرضي الرّب"، خصوصا وأن الجزع لا يقدم شيئا على المشيئة الربانية ولا يؤخر شيئا، فعن الإمام علي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إنّك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور"، وقال عليه السلام في ذات المورد: "الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن جميل ، و أحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عز و جل عليك".
ولا يعني الصبر على المكاره التسليم بها دون إصلاح، فالصبر المحمود في الإسلام هو المبني على العمل لتقليل الخسائر ودفع النوائب والمصائب التي له القدرة على دفعها وتقليل ضررها كدرء المرض بالعلاج ودرء الفقر بالعمل والكسب الحلال. 

ـ الصبر على الطاعة وعلى المعصية:
ويراد به إعمال الصبر في حالة مشقة العبادة مثلا خصوصا وأن العبادة والتقرب من الله تحتاج لأعمال وطقوس، وربما كلف مادية او رحلات أو سهر أو اجهاد بدني، فيكون الصبر على كل ذلك صبرا لله سبحانه وتعالى، فضلا عن الصبر حيال مغريات الحياة من طمع مادي او وجهة لا أخلاقية، يكون ذلك بمجاهدة النفس وصد هواها وتحمل ضغوطات الغرائز والشهوات وكل ما يمكن أن يدفع المرء لارتكاب المعصية وترك الواجبات وفعل المحرمات باعتبار ذلك جهادا عند الله سبحانه وتعالى.

الصبر في الدعوة إلى الحق:
ويراد به حاجة الداعي الى الله والمعرف بحقوقه الى الصبر بدعوته للناس وخطته في تبيان الحق، باعتبار أن دعوتهم هذه تحتاج مكابدة ومحاولة لصعب الفهم منهم، والمتشدد بينهم، والرافض وغير المقتنع، وهو ما يستلزم من هذا الداعي التحلي بالنفس الطويل والتأني والاحتواء لكل مشاربهم، وقدوتنا في ذلك هو النبي الكريم محمد صلوات الله عليه وآله يوم صادع بدعوته الشريفة لاقى ما لاقى من قومه وناسه من رفض وتكبر وتعنت، بل تحمل في سبيل دعوته أشد أنواع التنكيل بدء من الضرب والحصار والمضايقة، فضلا عن أنواع التوصيف التي لا تليق بمقامه صلوات الله عليه وآله، كوصفه بالساحر او الشاعر أو المجنون، حاشاه من ذلك، حتى أن عليه الصلاة والسلان كان يدعو لهم بالهداية والبصيرة، فقد عرف عنه دعاءه الشريف: "اللهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون"، وهو ـ الصبر في الدعوة للحق ـ عين ما تسلح به باقي أنبياء الله ورسله أمام المشاريع الدنيوية الهدامة لدعوات الحق، حتى قتل فيهم الكثير وأذوا من اقوامهم افضا الأذى، ونالوا بذلك رضا ربهم سبحانه وتعالى. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م