7 شوال 1445 هـ   16 نيسان 2024 مـ 1:00 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2020-03-17   1852

جهيد العلماء سعيد بن جبير

واسمه سعيد بن جبير بن هشام الوالبي الأسدي، المكنى بأبي محمّد، أو أبي عبد الله، وهو تابعي حبشي الأصل، كان مولى لبني أسد وبالتحديد مولى لبني والبه بن الحارث منهم، وهو من مواليد عام 45 من الهجرة النبوية الشريفة، وفي رواية أخرى في العام 46 هـ.
وسعيد بن جبير رضوان الله تعالى عليه كان من كبار التابعين، وله مع الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام صحبة ورفقة، تعلم منها الكثير من أمور دينه ودنياه، بل كان من عينة أصحابه عليه السلام ومن أعلامهم، فضلا عن تتلمذه عند ابن عباس في الفقه والتفسير والحديث.
كما عُّد ضمن خمسة من الأوفياء ممن يُقتدى به في الإيمان، كونه فقيها ورعا في دينه، فضلا عن كونه عالما في تفسير القرآن الكريم حتى إذا ما عُّد قراء القرآن، كان من أوائلهم، وإذا ما أشير للمفسرين، جاء في رعيلهم الأول، ناهيك عن كونه من رواة الحديث النبوي الشريف. 
نشأ أبن جبير رضوان الله تعالى عليه في مكة المكرمة، وصار علما فيها، ثم ارتحل الى كوفة العراق وصار معلما لأهلها.
ومن دماثة خلقه، أنه كان يفضل أن يضرب بسوط على رأسه بدلا من أن يتكلم بحضرة خطيب الجمعة، كما عرف رضوان الله تعالى عليه بقوله المشهور لمن أراد أن يغتاب أحدا أمامه: "إذا أردت ذلك ففي وجهه".
وعرف ابن جبير رضوان الله تعالى عليه بالورع الشديد، حتى أن وجد ذات يوم لقطة قوامه درة ثمينة، فأبى أن يأخذها.
 ومن جميل اقواله، أنه قال: "إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن".
وما قيل فيه ألا خيرا، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله فيه: " إنّ سعيد بن جُبير كان يأتمّ بعلي بن الحسين عليهما السلام، وكان علي يثني عليه، وما كان سبب قتل الحجّاج له إلّا على هذا الأمر، وكان مستقيماً".
كما قال الفضل بن شاذان النيشابوري رضي الله عنه فيه: "ولم يكن في زمن علي بن الحسين عليه السلام في أوّل أمره إلّا خمسة أنفس: سعيد بن جُبير، سعيد بن المسيّب، محمّد بن جبير بن مطعم، يحيى بن أُمّ الطويل، أبو خالد الكابلي".
وقال أبن شهر اشوب فيه: "وكان يسمّى جهيد العلماء، ويقرأ القرآن في ركعتين، قيل: وما على الأرض أحد إلّا وهو محتاج إلى علمه".
كما ورد عن صاحب تاريخ الكوفة، الشيخ العلامة البراقي رضوان الله تعال عليه قوله فيه: "ما كان على الأرض أحد إلا وهو محتاج لعلمه". 
وقال الشيخ آل كاشف الغطاء رحمه الله فيه: "سعيد بن جبير بن هشام الكوفي، الحافظ المقرئ، المفسر الشهيد، وجهبذ العلماء علم شهير، وقمة شاهقة، وشخصية لامعة فذة، واسم على كل لسان، فلقد طبق صيته الآفاق، وتجاوز كل حد، ومن خلاصة شيعة الكوفة، ومن المتعلقين بأهل البيت عليه السلام والمجاهرين بذلك، والمنادين بوجوب اتباعهم، فكان ذلك سببا في استشهاده، رضوان الله تعالى عليه".
أما استشهاده فكان في 11 رمضان عام 95 من الهجرة النبوية الشريفة، عن عمر ناهز التسع وخمسون سنة، بأمر من الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله، ويروى أن دما كثيرا سال منه حين مقتله، وأرتعب الحجاج لعنه الله من ذلك، فبادر بسؤال جلاديه عن سبب ذلك، دون غيره ممن قتلهم، فقالوا له: "هذا قتلته ونفسه معه، أما من كنت تقتلهم قبله فكانت نفسهم تذهب من شدة الخوف لذلك قل دمهم". 
كما يروي الرواة شجاعة سعيد بن جبر رضوان الله تعالى عليه لحظة استشهاده، بعد جدال كبير مع الطاغية الحجاج الثقفي لعنه الله، مثبتا فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام، فأمر الحجاج الثقفي لعنه الله بقتل ابن جبير رضوان الله تعالى عليه، فتوجه سعيد رضوان الله تعالى عليه حيث القبلة متمتما بآيات القرآن الكريم حسب المقام، قائلا: "وجّهت وَجّهِي لِلّذِي فَطَرَ السَّماَواتِ والأرْض حَنِيفاً ومَا أنَا مِنَ المُشْرِكينَ"، فأمتعض الحجاج من ذلك، فطلب من جلاديه تغيير وجهة ابن جبير رضوان الله تعالى عليه بالقوة، فرد عليه سعيد رضوان الله تعالى عليه: "فأَيْنَمَا تُوَلَّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ"، فأمر الحجاج لعنه الله بضربه وقلبه على وجهه، فصاح أبن جبير رضون الله تعالى عليه: "مِنْها خَلَقْنَاكُمْ وفِيهَا نُعِيدُكُمْ ومِنْها نُخْرِجُكُمْ تَارَة أُخْرَى"، فراح شهيدا صابرا محتسبا لله، ليقض على الحجاج لعنه الله مضجعه، حتى روي أن الحجاج لعنه الله كان يفزع من نومه مرعوباً ويقول: "مالي ولك يا سعيد بن جبير؟"، بل أنه كان يرى في نومه عتبى ابن جبير رضوان الله تعالى عليه بالقول: "يا عدو الله فيم قتلتني؟"، فيستيقظ مذعوراً ويقول: "مالي ولأبن جبير".
وقد دفن رضوان الله تعالى عليه في مدافن عمارة الحي (قضاء الحي التابع لمحافظة واسط في العراق)، ثم صار قبره مزارا كبيرا ومعروفا. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م