17 شوال 1445 هـ   25 نيسان 2024 مـ 12:32 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2021-02-17   3766

عيسى المسيح مسلما

تتعامل الثقافة الإسلامية مع مناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام تعاملا خاصا، وتمنح هذا اليوم ـ ذكرى مولده الشريف ـ اهتماما خاصا، ما يجعل منها مناسبة عامة، ولا يكن حصرها بالمسيحيين فقط، إذ إن لها أهمية نوعية لدى باقي الديانات ومنها الإسلام، خصوصا وإنه ـ الإسلام ـ يفرض على أتباعه أن يؤمنوا بكل الأنبياء والرسل ومن ضمنهم النبي عيسى بن مريم عليه السلام فضلا عن أتمانهم الأشد بخاتمهم النبي محمد صلوات الله عليه وآله، حيث ذُكر نبي الله عيسى عليه السلام في القرآن الكريم عشرات المرات، ومنها على سبيل المثال: ((قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ))(سورة البقرة ـ136)، إذ يتوجب وفقا لهذا؛ أن يؤمن المسلم بجميع الأنبياء وما أُنزل عليهم، دون تفريق بينهم على اعتبار أنهم جميعا إنما مبعوثون من رب واحد ولهدف واحد، وأن اختلفت أزمنتهم، مع منح خاتمهم عليه وعليهم أفضل الصلوات؛ خصوصية أكثر في دينهم لكون رسالته خاتمة لكل الرسالات وبالتالي اشتمالها على كل ما سلف منها، فضلا عن احتوائها لكل ما يحتاجونه في ابتلاءاتهم ومعايشهم. 
ويندرج ضمن الإيمان بالأنبياء ـ ما تدعو له الآية الشريفة آنفة الذكر ـ (ومنهم بطبيعة الحال موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام) احترامهما والإيمان بنبواتهما وعدم التنكر لهما، بل وتعظيمهما ايما تعظيم، ناهيك عن تكفير من لا يؤمن بنبوتهما والحكم بإخراجه من الملة الحنيفية؛ لأنه إنكار نبوة أي نبي، إنما تعني إنكار ثابت وأصل من اصول الدين وهو ما يستوجب عدّه كافرا وعدوا لله، (( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ))(سورة البقرة ـ 98).
وأبعد من ذلك، يعّد الإسلام عيسى عليه السلام من مصاف الأنبياء الأعلون وليس نبيا عاديا، إذ يعتبر ممن يصطلح عليهم بأولي العزم، وأولوا العزم هم من تكون لرسالاتهم حاكمية على جميع من عاصرهم، ولا تُحصر وتخُتص برقعة جغرافية محددة أو قومية ما او شعب من الشعوب، وهو ما يعني ـ حسب تصور المسلمين ـ بأن عيسى عليه وعلى نبينا وآله افضل الصلاة وأتم السلام ذو مرتبة علية تُصبغه بالقداسة والعصمة والطهارة من الذنوب والآثام والمعاصي كحال النبي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وآله.
من جهة أخرى، فأن للنبي عيسى عليه السلام موقف مفصلي، كونه مبشرا بالنبي محمد صلوات الله عليه وآله، بل وليس بينهما فاصلا من نبوة أو رسالة، فقد ورد في القرآن الكريم على لسان عيسى المسيح عليه السلام: ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ))(سورة الصف ـ 6).
ما يعني بأن نبوة النبي الخاتم محمد صلوات الله عليه وآله إنما هي تتمة لنبوة النبي عيسى صلوات الله عليه، وبالتالي فلا تجزئة بين النبوتين ولا بين الرسالتين، وهو ما يوجب على المسيحيين ان يؤمنوا بالنبي الخاتم محمد صلوات الله عليه وآله كأيمان المسلمين بالنبي عيسى عليه السلام.
وعلى هذا، تُعّد ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام، مناسبة دينية مهمة، لا تختلف عن ذكرى ولادة النبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله، على اعتبار أنها ذكرى مولد أحد ركائز ايمان الفرد المسلم، ويتسق فرح المسلمين بولادته عليه السلام مع فرحهم بولادة النبي محمد صلوات الله عليه وآله، ما يستوجب أن يُبحث تاريخيا في صحة تحديد ذكرى ولادته الشريفة، وتثبيتها بما لا شك ولا تشكيك فيها، فضلا عن توظيف هذه المناسبة في إشاعة الإيمان به وبغيره من الأنبياء، فضلا عن الاحتفال بها ـ ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام ـ على نحو يبث في الروح قيما وأخلاقا اشتغل عليه السلام على تثبيتها وترسيخا في نفوس المؤمنين به، ومنها الابتعاد عن مظاهر الفسق والفجور واللهو والغناء مما لا ينسجم مع احتفاء واحتفال المحبين بمن يحبون، فما بالك والمحتفى به نبيا من أولي العزم، تنزه عليه السلام عما يفعله المحتفون والمحتفلون بذكراه من فسق وفجور من أي دين كانوا.
بل وخليق بالجميع أن يمتثلوا لما أراده السيد المسيح وأتمه النبي الخاتم عليهما السلام، من توحيد للصف، وإعلاء لكلمة الله، ((... يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ... ))(سورة آل عمران ـ 64)، وتأسيس منطلق للحوار والتعايش الديني وإشاعة ثقافة التقارب والتفاهم والانفتاح كمطمح طمح أليه جميع الأنبياء عليهم السلام. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م