15 شوال 1445 هـ   24 نيسان 2024 مـ 5:20 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2021-04-20   1007

برير بن خُضير... شجاع بني همدان وحصيف الرأي منهم

اسمه بُرير بن خُضير (وربما كان اسم ابيه حُصين أو حضير او حفير) الهمْداني المشرقي، يرجع نسبه الى بني مشرق التي هي واحدة من بطون قبيلة همدان اليعربية اليمانية المعروفة، بل كان سيدا فيهم وشريفا عندهم.
ولد في مدينة الكوفة وترعرع فيها ونال الكثير من صحبته لأمير المؤمنين علي عليه السلام والإمامين الحسنين عليهما السلام. 
كما لقب برير بسيد القراء لما تمتع به من حلاوة في قراءيه للقرآن الكريم فضلا عن تفسيره له، بل أنه ممن روى عن الإمام علي عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام وكتب ما رواه عنهم في كتاب اسماه "القضايا والأحكام"، حسبما ذكره المامقاني رضوان الله تعالى عليه.
كما أمتاز برير بحصافة في الرأي، وهو ما سيّده على قومه بني همدان، فضلا عن كونه رجلا صنديدا، تدرع بالشجاعة وصال في سوحها، حتى ختمت حياته بالشهادة نصرة للإمام الحسين عليه السلام في العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة الشريفة ليدفن بجوار سيده الإمام الحسين عليه السلام.
ومما يُذكر من نصرته للإمام الحسين عليه السلام، أنه قد خرج من كوفة العراق نحو مكّة المكرّمة لمبايعة الإمام الحسين عليه السلام، ونصرته في مشروعه الإصلاحي، فكانت بيعته له قرب الكعبة الشريفة، ثم رافقه في مسيره منها الى حيث كربلاء ليستشهد بين يدي الإمام الحسين عليه السلام في طفه الخالد.
ومما يُذكر من أنسه بالموت وهو على مقربة من استشهاده يوم العاشر من محرم، أنه كان يمازح عبد الرحمن الأنصاري، فلامه الأنصاري على مزاحه وهم في طريقهم للموت، فقال له برير: والله، لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً، ولكن والله إنّي لمستبشر بما نحن لاقون، والله أنّ بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم، ولوددت أنّهم قد مالوا علينا بأسيافهم".
وفي موقف كبير أخر ينم عن شجاعة برير وولاءه لأهل بيت النبوة، ويكشف عن بسالته العقائدية، أنه طلب مباهلة يزيد بن معقل وذلك ساعة بدء القتال بين المعسكرين، حيث نادى يزيد بن معقل بريراً بالقول: "يا برير بن خضير، كيف ترى صنع الله بك؟" فقال برير: "صنع الله بي والله خيراً، وصنع بك شراً"، فقال يزيد: "كذبت، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً، أتذكر وأنا أ ماشيك في سكّة بني دودان، وأنت تقول: إنّ عثمان كان كذا، وإنّ معاوية ضالّ مضلّ، وإنّ علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى؟"، فأجابه برير: "أشهد أنّ هذا رأيي وقولي"، فقال يزيد: "فإنّي أشهد أنّك من الضالّين"، فقال برير: "فهل لك أن أباهلك، ولندع الله أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقّ المبطل، ثمّ أخرج لأبارزك"، فقبل يزيد بذلك، وخرج أليه ثم رفعا أيديهما بالمباهلة إلى الله، يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقّ المبطل، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بريراً ضربة خفيفة لم تضرّه شيئاً، وضرب برير يزيد ضربة قدّت المغفر، وبلغت الدماغ، فخرّ كأنّما هوى من حالق، وإنّ سيف برير لثابت في رأسه.
ومن شواهد حكمته وشجاعته، أنه استأذن الإمام الحسين عليه السلام في الذهاب لعمر بن سعد لعنه الله قبل المعركة، فأذن له، فذهب ودخل خيمة عمر، وجلس دون أن يسلّم! فغضب عمر، وقال: يا أخا همدان ما منعك من السلام عليَّ!؟ ألستُ مسلماً أعرف اللّه ورسوله! وأشهد بشهادة الحقّ!؟ فقال له برير: "لو كنت عرفت اللّه ورسوله - كما تقول - لما خرجت إلى‌ عترة رسول اللّه تريد قتلهم! وبعدُ، فهذا الفرات يلوح بصفائه، ويلج كأنّه بطون الحيّات، تشرب منه كلاب السواد (أي أرض السواد يعني العراق) وخنازيرها، وهذا الحسين بن عليّ وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشاً! وقد حِلْتَ بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه! وتزعم أنّك تعرف اللّه ورسوله!؟".. فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى‌ الأرض، ثمّ رفع رأسه وقال: واللّه يا بُرير إنّي لأعلم يقيناً أنَّ كُلَّ من قاتلهم وغصبهم حقّهم هو في النار لا محالة، ولكن يا بُرير! أ فتشير عليَّ أن أترك ولاية الريّ فتكون لغيري!؟ فواللّه ما أجد نفسي تجيبني لذلك، فرجع برير إلى الحسين وقال: "يا أبن رسول اللّه! إنّ عمر بن سعد قد رضي لقتلك بملك الريّ".
كما كُلفه الإمام الحسين عليه السلام بوعظ القوم الباغين قبيل معركة الطف الخالدة، فقام بينهم صادحا بالقول:
"يا قوم، اتّقوا الله فإنّ ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذرّيته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم؟" فقالوا: "نريد أن نمكّن منهم الأمير ابن زياد، فيرى رأيه فيهم".. فقال لهم بُرير: "أ فلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاؤوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة، أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها، يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيّكم، وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد، وحلأتموهم عن ماء الفرات، بئس ما خلفتم نبيّكم في ذرّيته، ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم. فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟"، ثم أعقب قائلا: "الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللّهم إنّي أبرء إليك من فعال هؤلاء القوم، اللّهم ألق بأسهم بينهم، حتّى يلقوك وأنت عليهم غضبان. فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع بُرير إلى ورائه"، ثم خرج للقوم مبارزا وهو يرتجز:
أنا بُرير وأبي خُضيــــــــــــر
ليث يروع الأسد عند الزئـــر
يعرف فينا الخيـر أهل الخيـر
أضربكم ولا أرى من ضيــر
كذاك فعل الخير من بُريــــر

ومن جميل ما قيل فيه، قول العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه: "وكان برير من عباد الله الصالحين"، كما قال فيه الشيخ الصدوق رضوان الله عليه: "كان برير أقرأ أهل زمانه"، كما وثق ولائه الشيخ المامقاني رضوان الله تعال عليه: "إنّ ولاءه لأهل البيت عليهم السلام، وتفانيه في عقيدته، كان متسالماً عليه، وإنّ جلالته ووثاقته كان معترفاً بها حتّى عند المخدّرات، فهو ثقة جليل، وزادته شهادته جلالة وقدساً تسليم الإمام عليه السلام، فرضوان الله عليه".

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م