9 شوال 1445 هـ   18 نيسان 2024 مـ 10:02 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2021-07-12   1880

اكسروا سهام ابليس .. كلمة في عواقب النظرة المحرمة

شاءت القدرة الإلهية أن يكون الإنسان في أحسن تقويم لما خلق الله جل شأنه، ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ))(سورة التين ـ4)، وحسن التقويم هذا، له مصاديق كثيرة وعديدة، فسلجية وسيكولوجية، شكلية وروحية، ومن الجسدية مثلا نعمة النظر، والعين محلها.
وإن كانت نعم الله مما لا يحصى ولا يُعد، إلا أن نعمة البصر هي الأكثر تجسيدا لهذه النعم، وأقرب للتصور من غيرها، خصوصا وأن من خلالها تُدرك غيرها من النعم، إذ يُبصر الإنسان من خلالها لما يحيط به من خلق ووجودات، فيرى جمال الكون وعجائبه، ويلمس من خلالها عظمة الله في خلقه لهذا الكون العجيب، ((أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20))(سورة الغاشية ـ 17 ـ 20)، حتى قيل في ذلك: "إن أردت أن تعرف نعمة الله عليك فأغمِض عينيك".
وعلى عظمة ما تمنحه العين للإنسان من فائدة ـ لا يمكن بأي حال من الأحوال ادراكها وتقديرها ـ إلا أنها قد تكون سببا في خسران اعماله واحباط ايمانه، لأنها المغري الأول لما لا يستحقه، إذ قد تكون الرامي بسهم ابليس عليه لعائن الله، وبالتالي قد تكون السبب المباشر لنكوص صاحبها والعياذ بالله، إذا لم يحسن استخدامها ضمن الحدود الَّتي وضعها الله تعالى لها، بل وقد تجر على صاحبها الحسرة والندامة، فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال:" كم من نظرة جلبت حسرة".
ولأن العين مرتبطة بالقلب، ـ والقلب هنا الجزء الواعي من العقل، لا الجارحة الدافعة للدم (القلب الميكانيكي) ـ فأنها هي من تحمل البريد الأول للتفكير، فإن كانت نظرة سوء جّرت خلفها أفكر سوء، وإن كانت نظرة خير، جاء الخير من وراءها.
ولقد حذَّرنا الله سبحانه وتعالى من توظيف العين في غير محلها المحلل، فقال جل شأنه: ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(31))(سورة النور ـ 30 ـ31).
وعن نبي الأخلاق محمد صلوات الله عليه وآله قوله: "من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النَّار، إلَّا أن يتوب ويرجع"، وفي هذا تحذير مما يمكن أن تجره العين على صاحبها من مكر يُخسره عاقبته والعياذ بالله. 
ولأن الأنبياء إنما هم مبلغين عن ربهم، وهو جل شأنه مصدرهم الوحيد، فقد ورد ـ في غير الدين الإسلامي ـ عن باقي الأنبياء عليه السلام ما ورد عن نبينا الأكرم صلوات الله عليه وآله، وهو ما يؤكد خطورة النظرة المحرمة، فعن كليم الله عيسى عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة 
وأتم التسليم أنه قال: "إذا أبصرت العين الشَّهوة، عمي القلب عن العاقبة"، كما أنه قال في مورد أخر برواية عن إمامنا الصادق عليه السلام في مورد حديثه لجندب: "يا بن جندب! إنَّ عيسى بن مريم عليه السلام قال لأصحابه: "إيَّاكم والنَّظرة، فإنَّها تزرع في القلب الشَّهوة وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه"، وفي هذا دلالة اخرى أن كل الأديان السماوية تقر بأن النظرة الحرام تفسد إيمان المرء وتؤسس للفسوق في فكره.
وقد وردت جملة تحذيرات من أهل بيت النبوة بخصوص ما تجره النظرة المحرمة على صاحبها، فعن رسول الله الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله أنه قال: "اشتدَّ غضب الله عزَّ وجلَّ على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها، أو غير ذي محرم منها"، وعنه عليه وآله الصلاة والسلام ايضا قوله: " وإيَّاكم وفضول النَّظر، فإنَّه يَبْذُرُ الهوى ويُوَلّد الغفلة". 
وعن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "ليس في البدن شيء أقلُّ شكراً من العين، فلا تعطوها سؤلها، فتشغلكم عن ذكر الله عزَّ وجلَّ".
لذا، يجب على المؤمن غض بصره ما أمكن، وقطع صلة الوصل بين قبله ووسيلة الشيطان في الإفساد (العين)، خصوصا وأن لغض البصر آثار نورانية كبيرة وتحصيلات آخروية عظيمة، بدء من حلاوة الإيمان التي بينها رسولنا الأعظم صلوات الله تعالى عليه بقوله: "النَّظرة سهم مسموم من سهام، إبليس فمن تركها خوفاً من الله أعطاه الله إيماناً، يجد حلاوته في قلبه"، بل وحلاوة العبادة ايضا، مما أكدها صلوات الله عليه وآله  بالقول: "ما من مسلم ينظر امرأة أوَّل رمقة ثمَّ يغضَّ بصره إلَّا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه"، مرورا بما يتحصله العبد في أخرته من جائزة كبرى مما بينها الإمام الصَّادق عليه السلام بقوله: "من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السَّماء أو أغمض بصره لم يرتدَّ إليه طرفه حتَّى يزوِّجَه الله من الحور العين"، فضلا عما يسببه هذا الغض من راحة للقلب، فعن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من غضَّ طرفه، أراح قلبه"، وانتهاء بنعم أخرى كمشاهدة العبد للعظمة والجلالة الإلهية، فعن الإمام الصَّادق عليه السلام أنه قال في ذلك: "ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغضِّ البصر، فإنَّ البصر لا يغضُّ عن محارم الله، إلَّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال".
وقد عد الإمام السجاد عليه السلام غض البصر من حقوق الجسد على صاحبه، فقد ورد في رسالته الحقوقية العظيمة: "وأمَّا حقُّ بصرك فغضُّه عمَّا لا يحلُّ لك وترك ابتذاله إلَّا لموضع عبرة، تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً، فإنَّ البصر باب الاعتبار"
وعلى هذا وذاك، صار ترويض البصر من أهم متلازمات أخلاق المرء، ويكون ذلك من خلال مكابدته لهوى نفسه بهذا المنع والغض، ويكون ذلك بتخويف النفس من سلطان المطلع عليها جل شأنه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام حينما سئل: بما يستعان على غمض البصر؟ فقال: "بالخمود تحت سلطان المطلع على سرِّك"، فضلا عن ضرورة اشغال النظر بما هو أجدى وأحق؛ ومنها التأمل والتدبر ببديع الخلق، أتساقا مع قوله تعالى: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ))(سورة فصلت ـ53).

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م