10 شوال 1445 هـ   19 نيسان 2024 مـ 5:19 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2021-12-24   922

حقوق أهل الذمة في الرسالة الحقوقية للإمام السجاد

تُعّرف الذمة على إنها: "عهد وكفالة"، وتجمع بـ "ذمما" و "ذماما" بكسر الذال، وإذا ما قيل فلان له ذمة، فمعناه: له حق.
وأهل الذمة وصف لأهل الكتاب ممن يساكن المسلمين في بلدانهم، وأهل الذمة هم أهل العقد ـ من التعاقد والتصالح بعقد وعهد ـ على اعتبار أن الذمة هي عهد الأمان، حيث ورد عن النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله قوله: "ويسعى بذمّتهم أدناهم"، وقوله صلى الله عليه وآله في خطبة الوداع: "أوصيكم باهل ذمتي خيراً"، وقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ذمتي رهينة وأنا زعيم".
ويطلق هذا الوصف ـ أي أهل الذمة ـ على غير المسلمين من أهل الكتاب بعد أن أدوا الجزية ـ الضريبة التي يعفون من خلالها عن الكثير من الواجبات التي تلقى على عاتق المسلمين كالجندية والصدقات والحقوق المالية ـ نظير حصولهم على الأمان وباقي الخدمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وهم بذلك قد آمنوا على دمائهم وأموالهم.
لذلك، انصرفت لفظة "الذمة" الى معنى العهد والضمان والأمان، وسمي أهل الذمة بذلك ـ ذميين ـ لأن لهم عهد مع الله ورسوله والمسلمين، ما يجعلهم في أمان المسلمين وضمانهم، بناءً على عهد وعقد الذمة بينهم وبين أهل الإسلام.
وعهد الذمة هذا، من تأسيسات النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله يوم أنشأ دولته العظيمة في المدينة المنورة، حيث أسَّس قواعد وأحكام خاصّة بغير المسلمين، ضمانا لحقوقهم ودمجا لهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه، وهي أحكام وآليات تُنظّم تعامل أهل المدينة جميعا فيما بينهم، بغضّ النظر عن انتمائهم الديني، مسلمين كانوا، أم يهودا أم مسيحيين أم مجوسا، عبر ما سمي في حينها بـ "وثيقة المدينة المنورة" التي عُدّت الدستور الأعلى للدولة الإسلامية.
وقد ورد عن  نبي الرحمة صلوات الله عليه وآله قوله: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما"، وقوله صلوات الله عليه وآله: "من اذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه ،خصمته يوم القيامة" وقوله صلوات الله عليه وآله: "من قتل قتيلاً من أهل الذمة، حرم الله عليه الجنة"، وقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا".
واستكمالا لما أسسه النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله، وسار على نهجه باقي أئمة الهدى عليه السلام، أفرد الإمام علي السجاد عليه السلام بابا خاص ومهما لأهل الذمة ضمن صحيفته الحقوقية، إمعانا منه في تبان حقوق غير المسلمين، وإظهارا لسماحة الدين الإسلامي، في وقت داب ائمة الجور من الحكام المنتسبين زورا للإسلام ـ خصوصا من عاصر الإمام علي السجاد عليه السلام من الأمويين ـ الى تزوير الأحكام الإسلامية السمحاء وتزييف حقائقها واستبدالها بما تشتهي أنفسهم من أحكام طغيانية. 
ومن ذلك قوله عليه السلام: "وأما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم، وأجبروا عليه، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك في ما جرى بينك وبينهم من معاملة، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله، والوفاء بعهده، وعهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حائل فإنه بلغنا أنه قال: "من ظلم معاهداً كنت خصمه" فاتق الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
وبذلك فأنه عليه السلام وضع ما يحفظ لأهل الذمة حقوقهم التي أنزلها الله جل شأنه لهم بكتابه الكريم وعلى لسان نبيه الرحيم محمد صلوات الله عليه وأله؛ وما سار عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام، ومن ذلك، معاملتهم كما يُعامل المسلمين في التمتع بالحرية والرخاء والأمن والاستقرار، وأن يتقبل فيهم ما قننه الله وشرعه لهم من أحكام، مع تأكيده على الوفاء بحقوقهم التي جعلها الله لهم، والحكم فيهم بما أنزل الله، فضلا عن حرمة ظلمهم وعدم جواز الاعتداء عليهم بغير حق.
فقوله عليه السلام: "أن تقبل منهم ما قبل الله"؛ إشارة حقوقية رائعة تسوغ للحاكم قبول مراسيم عبادتهم التي يقومون بها وفقا لشريعتهم، في حين أن قوله عليه السلام: "وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة"، فهو تأكيد عصموي مهم على حسن التعامل معهم خصوصاً المُسالمين منهم، من الملتزمين بالشروط المَفروضة عليهم من عدم الإساءة للإسلام وعدم إظهار شَعائرهم وعقائدهم بالند من شعائر وعقائد المسلمين.
  أما قوله عليه السلام: "وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسول الله حائل"، فهو مستل من حكم الله في قوله تعالى: ((لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))(سورة الممتحنة ـ 8)، حيث على المسلمين أن يعاموا غيرهم من المسحيين واليهود والمجوس بالقسط والعدل ومقابلة الحسنى بالحسنى وعدم التعرض لهم؛ إن لم يتعرضوا للإسلام وأهله، وهو عين ما أكده نبي الرحمة صلوات الله عليه وآله بقوله: "ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقتِه أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نفسٍ فأنا حجيجُه يوم القيامةِ ـ وأشار صلى الله عليه واله بأصبعِه إلى صدرِه ـ ألا من قتل معاهدًا له ذمةُ اللهِ وذمةُ رسولِه حرم اللهُ عليه ريحَ الجنةِ وإن ريحَها لتوجدُ من مسيرةِ سبعين خريفًا". 
وبذلك يؤكد الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام عن أن الاسلام يولي غير المسلمين من أهل الكتاب احترما خاصا وتعاملا نوعيا على أساس انسانيتهم من جهة ومواطنتهم من جهة ثانية، وهو ديدن الإسلام الحنيف في حفظ حقوق الانسان وبناء النظام الاجتماعي المتسالم والقائم على العدالة الاجتماعية والتسامح تجاه الاخر والقبول برأيه.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م