29 شوال 1445 هـ   8 أيار 2024 مـ 6:40 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-03-31   564

المنظومة البنيوية للأخلاق في الإسلام

لا تنفك المنظومة الأخلاقية عن الإسلام، إن لم نقل إنها ابنته الشرعية، بل وأبنة العقائد الدينية السماوية الحقة ـ اليهودية والمسيحية ـ بيد إن ثمة سؤال يثار في هذا المورد: ايهما أسبق، الأخلاق أم الدين؟
والإجابة على هذا التساؤل يكم في قراءتنا للتأريخ الإنساني بعمق وتروي، وبالأخص دراسة العلائق البشرية قبل نزول الرسالات السماوية، حيث الفوضى والاضطراب الاجتماعي يضربان أطناب التجمعات البشرية، إنى كانت، ما يجعلها أقرب للغابة من الأنسنة! ومن امثلة ذلك طبيعة الحياة الاجتماعية التي كان يعيشها سكان الجزيرة العربية قبل البعثة النبوية الخالدة، بدء من الحروب مرورا بالفساد والتحلل الاجتماعي، وانتهاء بواد البنات، بل أن الشر كان قد استحكم وصار هو القانون والقاعدة الاجتماعية، وما عداه مجرد محاولات فردية بسيطة للتصويب! حتى إننا نجد إن أعوان الخير قلّوا إن لم نقل انعدموا، بعد أن اعتزل الناس الحُنفاء الذين لم تكن تستهويهم حياة الجاهلية وضلال القوم، واختطوا لأنفسهم حياة اجتماعية خاصة زاهدين بها عن كل شيء، لما وجوده من حياة ملئا بالشرور والآثام، حتى وصفهم القرآن الكريم بالانحراف عن جادة الفطرة السلمية التي قصدها بارئهم جل شأنه ((فطرةَ الله التي فـطـر النـاس عليهـا لا تبديـل لخَلْـق اللـه ذلـك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون))(الروم ـ 30) بأعتبار أن هؤلاء قد بدلوا قصود الرحمن في خلقه وصبغوها بصبغة الشر ))صِبغةَ الله ومَنْ أحسنُ من الله صِبغةً ونحن له عابدون))(البقرة ـ138).
ولما كانت المسارات المنحرفة هي الغالبة على الجمع البشري في حينها، صارت الضرورة الى نزول الوحي بأخلاق السماء تقويما لما اعوج من أخلاق الناس وليردهم إلى أخلاق الفطرة مرة أخرى بعيدا عن التعدي على حق أنسانية الأخر، حتى عدت التوصيات السماوية القرآنية اشبه بمنظومة أخلاقية كبرى تسوي ما ساء من سلوك الأمم، وتصوب المسارات البشرية على مختلف الأزمة والأمكنة باعتبار إن مقصد الشريعة الإسلامية يكمن في تحقيق الضروريات البشرية كحد أدنى، ومن ثم الشروع بالحاجيات وصولا للتحسينات أي الكماليات للإنسان في هذه الحياة.
والضرورات هي الأمور التي تقوم مصالح الأنسان دينيا ودنيويا، وبفقدانها لم تستقم تلك المصالح ابدا، وتكم هذه الضرورات في حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ العقل. 
في حين تكمن الحاجيات فيما يحتاجه الإنسان في حياته بما يرفع عنه عسر الحياة وضيقها وحراجتها ومشقتها، ومنها السعة والرفاهية من المأكل والمشرب والملبس والمسكن وإزالة ما يؤدي إلى الضيق والحرج في بعض الظروف كالتخفيف عن الإنسان في بعض التكاليف بالرُّخَص وذلك في حالات الاضطرار.
أما التحسينات فهي تأسيس أسلوب حياة جميلة وحسنة بما لا يتعارض مع إنسانية الإنسان، بعبارة ادق، هي الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات. 
لذا نجد إن الإسلام قد ربط سلوكيات المنتمي إليه بمخرجاته الأخلاقية بغية تحقيق غايات إنسانية نبيلة، ما يجعلنا واثقين من كون الأخلاق بمحل الروح للإسلام إذا ما افترضنا تجسيده، كما نجد إن التشريعات الإسلامية هي الأخرى تجسيم لأخلاقية الإسلام، حتى صار من الصعب تفكيك التشريعات الإسلامية عن الأخلاقية وبابتا وحدة متكاملة، باعتبار إن مهمة الدين تكمن في تنظيم الحياة الإنسانية ووضع الضوابط الإلهية التي تحفظ للإنسان ضرورياته وتساعده على تحقيق حاجياته وكمالياته. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م