| معاجز قرآنية | لماذا أنُزل القرآن الكريم باللغة العربية؟ وهل فيه تعجيم؟ ولماذا؟
لماذا أنُزل القرآن الكريم باللغة العربية؟ وهل فيه تعجيم؟ ولماذا؟
السؤال بـ (لماذا؟)؛ سؤال يبحث عن
العلل، وأجابته تبين للسائل بشكل واضح وصريح علة الموضوع؛ محل
تساؤله، بما يزيد في اطمئنانه ويقينه، خاصة عندما تكون الإجابة
رصينة وشافية، تبعد كل شبهة وشك عنده، فكيف والسؤال عن العقيدة
التي يؤمن بها؟ وعن الكتاب الذي ترتكز عليه عقيدته
تلك؟
هكذا سؤال ـ من قبيل الاستفهام عن
سببية نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وهل يتضمن الفاظ
اعجمية؟ ـ لا يمكن المرور عليه مرور الكرام؛ خصوصا وأنه سؤال
متكرر الطرح وفي كل عصر؛ ولأهداف عدة، ما يجعل الإجابة عنه تأخذ
حيثيات وأبعاد متنوعة، تتوسل بالبحث العلمي والاستقصاء المنطقي،
خصوصا إذا كان سؤال السائل من باب الاستفهام؛ لأجل رفع غشاوة
اشتبهت بها الأمور عليه، حيث يريد أن يزيد في معارفه ويدفع تلك
الشبهات، وهذا الاستفهام يأخذ منحا إيجابيا، إذ لا شبهة لإثارة
شكوك فيه او النيل من العقيدة أو الاستهانة بها.
اما إذا كان الاستفهام من وجهة
نظر مشككة وتسقيطية، للطعن بالقرآن الكريم، بما ينزله من مستوى
الوحي الإلهي إلى مستوى الصناعة البشرية، وأنه من جمع النبي محمد
(صلى الله عليه واله)، اكتتبه من باقي الثقافات والأديان التي
كانت سائدة في الجزيرة العربية آنذاك، بدلالة ـ والكلام لمن يشكك
ـ وجود بعض الكلمات الأعجمية فيه، أو أنه وحي من وجدان النبي محمد
(صلى الله عليه واله) لا أكثر، ولا علاقة لوحي السماء به، وربما
رأوا فيه وحيا شيطانيا أوحي به للنبي محمد (صلى الله عليه وآله)
فظن أنه وحي سماوي.
على هذا المنوال، توالت
الافتراءات وكبرت دوائر الاتهام فيها، للنيل من الإسلام ونبيه صلى
الله عليه واله، ومن باب اولى كتابه السماوي (القرآن
الكريم).
وما يهمنا في هذا الموضوع؛ هو رد
تلك الشبهات والتشكيكات التي تتقول على القرآن الكريم؛ وإثبات
بأنها لا تحظى بمنطقية الاشتباه، مع اتياننا بدليل قاطع على علة
اختيار الخالق جل شأنه، للغة العربية كلغة لكتابه ودينه الخاتم،
لنبين في النهاية كيفية دخول الألفاظ الأعجمية فيه، وعلة
ذلك.
لماذا أنزل القرآن الكريم
باللغة العربية؟
اختلاف ألسن الناس، أمر تكويني،
وهو لازمة خلقية تشكل آية من آيات الخالق سبحانه وتعالى، ((وَمِنْ
آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ
أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ
لِلْعَالِمِينَ)) (الروم - 22)، والواقع كما نراه يصدق ذلك، حيث
جعل الله الاختلاف والتنوع بالألسن واحدا من علامات ودلالات
قدرته، وأصل الاختلاف التكويني في اللغات، هو في اختلاف طبيعة
التعدد في الخلق بين البشر، حيث جعلهم الله شعوبا وقبائل تختلف
باختلاف البيئة التي يعيشون فيها وذلك يستتبع اختلاف في التأثر
والتأثير بها، لينسحب ذلك على لغة التخاطب فيما بينهم، وعليه كان
لكل شعب أو أمة أو قبيلة لسان خاص بها يختلف عن لسان الآخر((يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ)) (الحجرات -13) وعليه كان لا بد من بعث النبي ـ أي نبي ـ
باللسان الذي ينطق به من أُرسل اليهم، بما يسهل عليه وعليهم؛
الإفهام والفهم ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا
بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّـهُ مَن
يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))
(إبراهيم-4).
وبما أن الرسول الكريم محمد صلى
الله عليه واله عربي المولد والنشأة، اقتضى الواجب، واتساقا مع
طبيعة خلق لسان الأمة أن يبعث بلسانها الذي تعرفه وتفهمه، ولأجله
بعث بلغتهم العربية، وكان القرآن الكريم كتاب الهداية الذي بعث به
كذلك بلسان أمة العرب ((وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ
مُّبِينٍ)) (الشعراء ـ 192 ـ 195).
ولو فرضنا أن هذا القرآن نزل بلغة
أعجمية؛ أي بلغة غير العربية؛ لصعب على العرب فهم كلماته ومعانيه
ومقاصده، ولكان أمرا مخالفا لنص قرآني يذكر أن كل رسول قد بعث
بلسان قومه ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ
قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (إبراهيم
ـ4).
كما إن اختلاف لغة الكتاب عن لسان
القوم المرسل لهم، سيفقده الكثير من قيمته ((كِتَابٌ فُصِّلَتْ
آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (فصلت -3)،
حيث سيجعل الشكوك تدور حوله بكثرة، خاصة في دعواه أنه وحي سماوي،
لينسحب ذلك على عدم تصديقه مما يفتح بابا واسعا لكثرة التلفيقات
عليه، ومن المؤكد أنهم سيشيرون للتناقض الذي هو فيه، حيث لغتهم
الأم تختلف مع لسان الكتاب الذي يخاطبهم، وقد نبه القرآن الكريم
لهذا التناقض بجلاء بل ورسم صورا مفترضة لكيفية احتجاج الناس عليه
بالآية الكريمة ((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا
لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى
أُولَـئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)) (فصلت
-44).
مميزات اللغة
العربية
تتميز اللغة العربية ـ لغة القرآن
الكريم ـ عن باقي اللغات بالغنى في مفرداتها، حيث أن تعدد
المرادفات فيها، ولكل كلمة أعطى لها المرونة في استيعاب النص
القرآني وبيان مقاصده، ومن عدة اتجاهات، حيث استيعاب المعنى وهو
المطلب الأول، ومن ثم إيصاله بيسر للمتلقي، لذلك أراد الله لنا
التعقل في فهم علة التنزيل باللغة العربية فقال في محكم كتابه
((إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ)) (يوسف -2)، فإسم الأسد مثلا يحمل أكثر من عشرة
مفردات حيث يسمى سبع وليث وأسد وغضنفر وقسورة وجساس وبيهس ودرواس
وهكذا.
كما وأن للغة العربية القابلية
على اشتقاق عدة كلمات من كلمة واحدة، وهذا عامل غنى لها، تفتقر له
الكثير من اللغات حيث الحرية في التعبير، مما جعل الله أن يختارها
لغة لكتابه الخاتم القرآن الكريم، فمثلا كلمة قارئ يكون منها قرأ
ويقرأ واقرأ وقراء ويقرؤون وقرآن وهكذا.
من جهة أخرى، تتميز اللغة العربية
ببلاغتها العالية، حيث أنها تستطيع بأقل المفردات أن تعطيك معنى
كبيرا، وقد عجزت باقي اللغات من أن تنافسها في هذا المجال
((وقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي
وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ))
(هود-44) فكلمة يأرض إبلعي ماءك، ويا سماء أقلعي إشارة للأمر
الإلهي في نهاية الطوفان في زمن نبي الله نوح، وهذه من أروع الصور
البلاغية في القرآن الكريم، ومنها الكثير الذي يدلل على عظمة هذه
اللغة التي اختارها الله لكتابه الكريم.
لماذا التعجيم في اللغة
العربية؟
من مقتضيات سنة الخلق التي أرادها
الله في خلق الشعوب والقبائل، الاختلاف بالعرق واللون واللغة؛ بما
يجعل من التعارف بينهم غاية، والعلة من هذا التعارف هو الحاجة
للتكامل، ولا يكون ذلك الا بالرغبة في معرفة الأخرى ـ الأخر
المختلف ـ إذ أن التقديرات الإلهية جعلت لكل واحد منهم قدرا يتحرك
من خلاله بما يسد النقص فيه من خلال التفاعل مع الاخر، وصولا
للتكامل معه، لذلك كان من الطبيعي لأمة العرب أن تتصل وتتعارف
بالأمم المجاورة لها طبقا لهذه السنة الإلهية، حيث كان طريق
التجارة للعرب من أكثر الطرق تمهيدا لهذا التعارف من خلال الاتصال
والمخالطة ما بين الأمم والحضارات مما نتج عنه أن تداخلت وتشاركت
بعض المفردات الأعجمية في اللغة العربية من لغات الأقوام المجاورة
كالفرس والروم والحبشة والترك فكلمة المشكاة مثلا تعني الكوة،
ونشأ تعني قام الليل، ويؤتكم كفلين تعني ضعفين، وقسورة تعني
الأسد، وهذا من لسان أهل الحبشة، والغساق البارد بلغة الترك،
والقسطاط الميزان بلغة الروم، والطور الجبل، واليم البحر باللغة
السريانية، وسجيل كلمة فارسية تعني الحجر من الطين، والإستبرق
فارسية كذلك ومعناها الديباج.
كل هذه الألفاظ، وربما غيرها،
أخذت من هذه الشعوب والحضارات الأخرى، سيما المجاورة للجزيرة
العربية، وعربت للعربية حيث أخذت أوزان لغتهم ووضعت على تفعيلة من
التفعيلات، كما وأن انتماء بعض اللغات لأصل لغوي واحد جعل التداخل
والتشابك في المفردات أمرا طبيعيا لا شك فيه فاللغة العربية،
والسريانية، والعبرية كلها تنتمي إلى جذر لغوي واحد وهو اللغة
السامية، مما جعلها تشترك في بعض الكلمات والقواعد والاشتقاقات،
وهذا أمر مألوف في الأمم المتجاورة، كذلك نجد اللغة التركية
والفارسية والكردية لغات متقاربة فيما بينها ومتداخلة في كثير من
المفردات، وغيرها كالفرنسية والإسبانية ذات الأصل اللاتيني
واللغات ذات الأصل الجرماني كالإنكليزية والألمانية.
شبهات
قرآنية
للرد على شبهات المتقولين بوجود
مفردات أعجمية في القرآن الكريم، وتصويرهم ذلك على أنه يشكل خللا
في بنيته اللغوية أو في الأصل الذي جاء منه، نقول:
1. إن
التلاقح والتفاعل بين اللغات أمر لا مناص منه، وعلى مر العصور،
وقد سبق عهده ظهور الإسلام؛ وهو سنة ثابتة من سنن الاجتماع
البشري، حيث تداخل المفردات وتبادلها أمر وارد جدا، فاللغة
العبرية فيها من العربية والعكس كذلك، وهكذا مع اللغة السريانية
والفارسية والتركية والرومية، ولنا في التأريخ شواهد كثيرة على
ذلك، حيث القوافل التجارية العربية كانت تقصد بلاد فارس والحبشة
واليمن وكذلك الشام، وكانت مكة مركزا تجاريا مهما وفيها سوق عكاظ
مركز التجارة القادمة من هذه البلدان، لذلك لم يستنكر العرب بعض
المفردات الأعجمية الواردة في القرآن الكريم، لأنها بالأصل تشكل
جزءً من لسانهم الذي به يتفاهمون ويتعارفون.
2. وجود بعض المصطلحات الأعجمية والأسماء غير
العربية كجبرائيل وإسرافيل وعمران ونوح ولوط، على قلتها، لا تخرج
القرآن الكريم من كونه قرآنا عربيا، والله يشهد بأنه أُنزل بلغة
العرب ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ
الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي
السَّعِيرِ)) (الشورى-7).
3. إن
عدم إحاطة النبي صلى الله عليه واله بكل هذه اللغات حتى يتهم بأنه
هو الذي وضعها من عنده، يبطل دعوى المتقولين من أنه صناعة بشرية
من إيحاء وجداني ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ
إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ
إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ))
(النحل-103).
4. غموض تأريخ اللغات السامية لا يسمح لنا تحديد
من أخذ من الآخر، لذلك تبقى تلك المدعيات في موضع الشك إذ لا دليل
جازم عليها ((وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ
مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ))
(الزمر-27).
5. وأخيرا، إذا ما توهم المشككون بأن عربية
القرآن تعني أنه كتاب عنصري وقومي، وليس عالمي للجميع، بدلالة
كونه عربيا فقط، فأن هكذا شبهة واهية ستورد على أي لغة يمكن أن
ينزل بها القرآن الكريم، خصوصا وأن الضرورة تستوجب أن يكون منصوصا
ومسطورا، أي لا بد ان يكون مكتوبا بلغة من اللغات الحية وقت
نزوله، وبالتالي فأن أي لغة سينزل بها القرآن الكريم ستكون مورد
نقد، يرد بنفس هذا الرد، لاستحالة أن ينزل القرآن الكريم بلغة
يفهمها الجميع لاستحالة هكذا لغة أصلا.