19 جمادي الاول 1446 هـ   21 تشرين الثاني 2024 مـ 12:14 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | قصص قرآنية |  المباهلة... الأدلة والدلالات
2022-01-13   921

المباهلة... الأدلة والدلالات

تعرف المباهلة لغة بأنها الملاعنة، واصطلاحا تعني الدعاء بإنزال غضب الله وسخطه على كل من أنكر الحق مكابرة منه، بعد إلزامه الحجج الواضحات، لتبين له أنه المباين للحق وتبين بطلان دعواه.

الأدلة المستوحاة من قصة آية المباهلة
من أعظم ما يستفاد من آية المباهلة، هو إثبات نبوة الخاتم صلى الله عليه وآله، عند من كان مشككا بها ومنهم نصارى نجران، حيث استفزهم قوله في السيد المسيح من انه عبد من عبيد الله وليس ابنا له، وهذا مما لا يروق لهم كونه يخالف مبانيهم العقدية التي تقول في نسب المسيح ؛ وبأنه أبن الله جل شأنه عن ذلك؛ وقد أبطله الرسول الكريم صلى الله عليه وآله بناءا على نص قرآني صريح في أن الله لم يكن له ولد ((لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)) (الإخلاص-3) وهذا دمغ لحجة القائلين بالبنوة وأضعافا لها بصعقة حق منبلج وبرهان ساطع كشف بطلان عقيدتهم ونسبها للباطل في مدعاها، بعدما تيقنوا أن قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله لم يكن اجتهادا شخصيا بلا دليل وبلا تثبت كالذي يصدر من رجل عادي، حيث يمكن أن يكون قابل للتخطئة بل هو كلام نبي له صلة بالسماء؛ وأن قوله الصدق والحق؛ لا مرية فيه؛ وهذا لا يصدر منه إلا بوحي إلهي ((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)) (النجم-3-4-5)، ولأنه مرسل من الله رحمة للعالمين ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)) (الأنبياء-107) فقد بعث برسالة إلى نصارى نجران في السنة العاشرة من الهجرة يدعوهم فيها إلى الإسلام وكانوا آنذاك من أشد الأقوام قولا وتعصبا في نسبة السيد المسيح عليه السلام إلى الله؛ وكان في علمهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله يخالفهم قولهم ذلك؛ وأن قوله فيه بأنه "عبد لله"؛ له أدلة واقعية مشهود بها؛ إذ أن خلق نبي الله آدم عليه السلام أبو البشرية كان أعجب وأغرب من خلق عيسى عليه السلام، خلقه من تراب وبلا أب ولا أم، ولم ينسبه أحد ببنوة لله فكيف بعيسى وكان أقل إعجازا في خلقه؛ حيث أن له أم وهذه المقارنة لا تعني أن خلقهما ليس آية من آيات الله وحمل مريم بعيسى كذلك لم يكن معجزة من معاجز الله، بل بالعكس هي تثبت ذلك ولكن تريد منع الغلاة من تمرير آرائهم وجعلها عقائد يصدقها العامة كما وأن قوله بعيسى عبد الله كان يريد له بعدا آخر وهو إثبات قدرة الله المعجزة حين خلقه بلا أب وإن عظمة الخالق تجلت في فعله وبإرادته في (كن... فيكون) وهو القادر على كل شيء ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)) (يس-82) هذا كله لم يعجب نصارى نجران؛ كونه مخالف لبنائهم العقدي فشكلوا وفدا لزيارة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله في المدينة المنورة لمحاورته والتأكد من سلامة أقواله بأنفسهم.
تألف الوفد من (60) شخصية مرموقة؛ الإمرة فيهم كانت لثلاثة منهم؛ هم العاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم واسمه عبد المسيح والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم؛ وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم صاحب مدارسهم الذي درس كتبهم وكان ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس، وبعد لقائهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وبعد جداله معهم بالتي هي أحسن كما أمر بها القرآن الكريم ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (النحل-125) ركبهم الشك والغرور والنكران للحق فدعاهم للمباهلة ليتبين الحق من الباطل وكان طلبهم أن يكون موعدهم الصبح ((فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) (آل عمران-61) دعى رسول الله للمباهلة معه في صبيحة اليوم التالي بحسب منطوق الآية الكريمة "من أبنائنا"؛ دعى الحسن والحسين عليهما السلام سيدا شباب أهل الجنة ومن الخمسة المطهرين من أهل البيت النبوي الطاهر أهل الكساء اليماني، و "من نسائنا"؛ دعى بنته فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين أم الأئمة وحلقة الوصل بين النبوة والإمامة، و"أنفسنا" جمع بها نفسه بنفس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
ولما رأى نصارى نجران وفد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كله من أهل بيته الطاهرين ((نَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) (الأحزاب-33) بدل الأصحاب والأعيان تأكدوا بحسب النبوءة التي عندهم أنه نبي الله وخاتم النبيين وأن قوله في نبي الله عيسى كان قول الفصل، فأبوا المباهلة معه آخذين بمشورة حبرهم الأكبر العاقب وتحذيراته من المباهلة وأقروا المصالحة مع للرسول الكريم صلى الله عليه وآله.
دلالات آية المباهلة
1. دلالات آية المباهلة عظيمة وخطيرة لمن أراد التدبر فيها فهي تثبت صدق دعوى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله من أن عيسى عبد لله؛ وبالدليل الحسي الواقعي وبالدليل القرآني وهذا فيه تصديق لنبوته أيضا؛ تبطل كل أقوال المشككين فيها.
 2. ترسم آية المباهلة ملامح الصراط المستقيم لمن أراد الهداية له ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صراط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ  
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)) (الفاتحة-6-7) حيث تبين أن طريقه هو طريق محمد وآل محمد، وعلامته اختيارهم دون كل المسلمين وبالأمر الإلهي للمباهلة مع نصارى نجران وهذا تشريف لهم، بما يبين علو منازلهم وقربهم المعنوي من الله، مما نالوه بالطاعات.
3. نصت الآية الكريمة على بنوة الحسن والحسين عليهما السلام للرسول الكريم صلى الله عليه وآله؛ وهذا دليل قاطع لمن يحاول القفز على هذه الحقيقة ونكرانها.
4. جمعت الآية الكريمة نفس الرسول صلى الله عليه وآله بنفس أمير المؤمنين علي عليه السلام وهذا دليل على أن جوهر الإثنين واحد باختلاف الوظائف؛ فهذا نبي وهذا وصي، وهو ما يطعن بكل دعوى تدعي أن هنالك من هو أقرب منزلة من أمير المؤمنين لرسول الله الكريم صلى الله عليه وآله فليس هنالك أقرب من أن يكون نفسه.
5. تراجع نصارى نجران عن المباهلة إلى المصالحة؛ جاء إقرارا منهم بنبوة الخاتم محمد صلى الله عليه وآله؛ وهذا رد جازم على كل من كان يعتقد بغير ذلك.
6. لم تكن المباهلة لأمر شخصي أو أمر من أمور الدنيا وإنما كانت خالصة لله؛ أريد بها إحقاق الحق؛ وإسكات صوت الباطل لذلك بوركت ونجحت.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م