| الإمامة | هل الخلاف بين السنة والشيعة سياسي انتهى زمنه؟!
هل الخلاف بين السنة والشيعة سياسي انتهى زمنه؟!
ليس الخلاف الذي نشأ بين المسلمين مجرد نزاع على منصب الخلافة، بل هو خلاف جذري يعود لتصورات مختلفة حول من يجب أن يتولى زمام الأمور في الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فالإمامة، في فكر المسلمين، ليست مجرد رئاسة للدولة، بل هي قيادة شاملة تشمل الجوانب الدينية والدنيوية. هذا ما تشير إليه كلمات أعلام الكلام كالتفتزاني في مقاصده، والأيجي في المواقف، فعرفا الإمامة بأنها رئاسة في الدين والدنيا. حيث ينظر للإمام كمصدر للتشريع والهداية، لا كمجرد رئيس حكومة.
إن القرآن الكريم قد حسم أمر الخلافة في آيات لا تقبل التأويل الخاطئ، بأن جعل الولاية لله ورسوله ولمؤمنٍ تصدق أثناء ركوعه في الصلاة، الأمر الذي لا ينطبق تاريخياً ـ حسب ما نقله الفريقان سنة وشيعة ـ إلا على علي بن ابي طالب عليه السلام، فقال عز من قائل: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، المائدة: 55.
فالولاية الواردة في الآية الكريمة وردت بمعنى ولاية التشريع، بأن يكون الإمام عليه السلام هو المصدر بعد رسول الله صلى الله عليه واله في بيان الشريعة، وهذا ما يتوقف بيانه على معرفة تفسير الآية محل الشاهد، وفيه يوضح العلّامة الطباطبائي في تفسيره ما ملخصه: أن الولاية التي أثبتها الله تعالى في كتابه لنفسه هي ذاتها الولاية للنبي وللمؤمنين الذين تصدقوا وهم راكعون، ولو كان المراد غير ذلك لأعاد ذكر الولاية في الآية للتنبيه على اختلاف المعاني، كأن يقول: (إنما وليكم الله ووليكم الرسول والذي آمنوا..)، فيعيد كلمة الولاية ليشعر القارئ بأن لها معنى آخر، كما هي سيرته في موارد أخرى، كقوله تعالى: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)، التوبة: 61.
فأعاد لفظ (يؤمن)، للتنبيه على أنه جاء على معنيين لا واحد، فالمراد من الأول، تصديق النبي صلى الله عليه واله بالوحي النازل، وبالثاني، إظهاره صلى الله عليه واله حالة التصديق للمسلمين وإن كان يعلم كذبهم، مداراة لهم حتى لا يفتضحون، وهذا من كريم خلقه صلوات الله عليه.
أو كقوله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)، النور: 54. فكرر لفظ (أطيعوا)، لدلالة على اختلاف المعنى، فالمراد من الأولى طاعة الله فيما يوحيه على نبيه من أحكام، والمراد من الثاني طاعة النبي صلى الله عليه واله في غير الأحكام الشرعية، كالأوامر الولائية والقضاء، فإن القاعدة عند تكرار اللفظ هو التأسيس (اختلاف المعنى)، لا التأكيد، كما هو متفق عليه في علم الأصول عند الفريقين.
وبالعودة الى آية الولاية، نرى أنه تعالى لم يكرر لفظ الولاية، وهذا يكشف بوحدة السياق أن المراد من ولاية الله وولاية الرسول واللذين آمنوا معنى واحد، ولو كان المراد من ولاية (الرسول والذين آمنوا)، معنى مختلف عن الولاية المنسوبة لله تعالى لوجب عليه التنبيه لأن المقام مقام التباس وتوهم، وبما أنه لم يعدد اللفظ، فهذا يكشف أن الولاية بمعنى واحد.
طيب، إذا كان معنى الولاية في الآية واحد، فما هو المراد من ولاية الله تعالى، والتي ثبتت أيضاً لرسوله والذين آمنوا؟
بالرجوع للقرآن الكريم نجد نوعين من الولاية نسبهما للحق سبحانه، الأولى هي الولاية التكوينية التي تصحح له التصرف في كل شيء وتدبير أمر الخلق، وقد أشارت اليها الكثير من الآيات، كقوله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، الشورى: 9.
وقال أيضاً: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)، السجدة: 4.
والثانية الولاية التشريعية، أي الولاية على المؤمنين فيما يرجع إلى أمر تشريع الدين، كقوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، البقرة: 275.
كما أنه نسب مثل هذه الولاية للنبي صلى الله عليه واله في عدة آيات منها: قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .. الآية)، الأحزاب: 6، وفي معناه قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)، النساء: 150.
وهذا المعنى من الولاية لله ورسوله هو الذي تذكره الآية للذين آمنوا بعطفه على الله ورسوله في قوله: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)، المائدة: 55، على ما عرفت من دلالة السياق على كون هذه الولاية ولاية واحدة هي لله سبحانه بالأصالة ولرسوله والذين آمنوا بالتبع وبإذن منه تعالى.
وفي الختام.. الولاية والإمامة هي مصدر التشريع وتوجيهي في الأمة، تتعدى بذلك المنصب السياسي مهما كبر شأنه، بل هي منصب روحي وديني يحمل في طياته مسؤولية هداية الأمة وتوجيهها وفق ما أراد الحق سبحانه.
الشيخ مقداد الربيعي - باحث وأستاذ في الحوزة العلمية