25 صفر 1447 هـ   20 آب 2025 مـ 9:30 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | الإمامة |  اليوم مات جدّي رسول الله!
2025-08-09   147

اليوم مات جدّي رسول الله!


السيد علي العزام الحسيني
يوم استشهد الإمام الحسين (عليه السلام) في العاشر من المحرّم قالت أخته زينب (عليها السلام) في كربلاء: اليوم مات جدّي رسول الله (صلى الله عليه واله)..!، والأصل في الكلام أن يحمل على معناه الحقيقي كما يقرر علماء الأصول، ومعلوم أنّ المسافة بين المقولة وبين المعنى الحقيقي هي المسافة الزمنية بين سنة (11هـ) وسنة(61هـ)، ومن ثمّ يأبى كلام عقيلة الطالبيين أن يحمل على الحقيقة، إذن فما الوجه في مقالتها؟!، وليكن هذا سؤال أول.


وثمة سؤال آخر يتعلّق بتعظيم الشيعة ليوم الإمام الحسين (عليه السلام) وتفجعهم على مصيبته بنحو أعظم حتى من مصيبة من هم خير منه، كجدّه النبي، وأبيه الوصي، وأمه الزهراء، وأخيه الحسن الزكي (عليهم السلام)، فيميّز الشيعة يوم عاشوراء عن غيره كمّاً ونوعاً، وهذا أمرٌ بادٍ للعيان لا يناقش فيه إلا مكابر، فيأتي السؤال هنا عن حكمة هذا التمييز وسرّه وفلسفته، لا عن عظمة مصيبته (عليه السلام) «مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام، وفي جميع السماوات والأرض..».


هذان سؤالان مختلفان في الموضوع والمضمون، وليسا سؤالًا واحدًا كما هو بيّن، بيد أنّ إجابتهما واحدة، مطوية فيما رواه الشيخ الصدوق عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: «قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): يا ابن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة ( عليها السلام) واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) واليوم الذي قتل فيه الحسن ( عليه السلام) بالسمّ؟!!
فقال: إنّ يوم الحسين( عليه السلام) أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام؛ وذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى كانوا خمسة، فلمّا مضى عنهم النبي (صلى الله عليه واله) بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فكان فيهم للنّاس عزاء وسلوة، فلمّا مضتْ فاطمة (عليها السلام) كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين للنّاس عزاء وسلوة، فلمّا مضى منهم أمير المؤمنين(عليه السلام) كان للنّاس في الحسن والحسين عزاء وسلوة، فلمّا مضى الحسن (عليه السلام) كان للنّاس في الحسين( عليه السلام) عزاء وسلوة فلمّا قتل الحسين(عليه السلام) لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للنّاس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم؛ فلذلك صار يومه أعظم مصيبة..» (علل الشرائع،ج1،ص225).


 والحديث طويل وله تتمّة مهمّة جدّاً، لكنّا اكتفينا بنقل محل الشاهد منه، وهو مثلما تلاحظ، في غاية الإحكام، ومنتهى المتانة، ولا غضاضة فيه ولا حرج، فهذا من الخصوصيّات الزمانيّة لأبي عبد الله (عليه السلام) كما أنّ من خصوصيّاته المكانيّة أن جعل الشفاء في تربته، كلّ ذلك من خصوصيّاته التي لا تقتضي تفضيلاً على جدّه وأبيه، وأوضح منه أنّ أبويه (صلوات الله عليهما) خير من أبوي أبويه، بل ومن أبوي جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) الذي يعود إليه كلّ كمال وجمال.


 وأياّ يكن فإنّ روح الجواب التي انطوى عليها الحديث صريحاً مبثوثة في أدب الطف، وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام، أمّا في الأدب فدونك صالح القزويني مثالاً، وهو يقول في قصيدته المعروفة "شجر الأراك أراك تزهو": «فحياة أصحاب الكساء حياته، وبيوم مصرعه جميعاً صرّعوا».


وقد أقتنص القزويني هذا المعنى عن أهل البيت عليهم السلام، ففي الخبر أنّه «لما همّ الحسين بالشخوص عن المدينة أقبلت نساء عبد المطلب فاجتمعن للنياحة فمشى فيهن الحسين فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ورسوله، فقالت له نساء عبد المطلب: فـلِمَ نستبق النياحة والبكاء؟! فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله، وعلي، وفاطمة ..» (كامل الزيارات، ص195).

ومنه يعلم ما أشرتُ إليه في مقدمة المقال، أعني ما نقله أبو الفرج الأصفهاني (ت 356هـ) من أنّ زينب قد خاطبت أخاها الحسين (عليه السلام) حين سمعته يرتجز وينعى نفسه قائلةً: «.. يا حسيناه، يا سيداه، يا بقية أهل بيتاه..؛ اليوم مات جدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأمي فاطمة الزهراء، وأبي علي وأخي الحسن، يا بقية الماضين، وثمال الباقين».(مقاتل الطالبيين،ص113). 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م