

| التوحيد | الخالق لا يحتاج إلى التفسير
2025-05-31 248

الخالق لا يحتاج إلى التفسير
السيد علي العزام الحسيني
تقدّم الرؤية الإيمانية تفسيرًا
مفهومًا واضحًا تمام الوضوح عن الوجود والعالم، يقوم هذا التفسير
على أنّ الكون بدقته ونظامه، وروعته وجمال نظامه؛ له خالق حكيم
أبدعه، وموجِدٍ عليم اخترعه، وإله عظيم صنعه. بيد أنّ واحدة من أشهر
المنغصات التي تعتور هذا التفسير أنّه في الوقت الذي يراد به فك
شفرة الوجود، وحلّ لغز العالم وإذا به يقوم بترحيل الغموض وتغيير
مسار المجهولية من مجال إلى مجال مختلف، إنّها عملية استبدال لغزٍ
بلغزٍ آخر مثلما جاء على لسان هوكنج: "إنّ توظيف (الإله) في الاجابة
عن سؤال: ما مصدر القوانين؟؛ ستستبدل اللغز بلغز آخر"، أو بعبارة
دوكنيز: " لا يمكن استعمال نظرية الإله المصمّم لتفسير الخلق
المعقّد هذا؛ لأنّ أيّ إله قادر على تصميم أيّ شيء.. يتطلّب بدوره
تفسيرًا.". (وهم الإله، ص111)..
كأنّ هؤلاء يلمزون التفسير
الإيماني للعالم بأنّه يفتقد إلى الشرط المنطقي في عمليّة اكتساب
المعرفة عبر الانتقال من المعلوم التصوري أو التصديقي إلى المجهول
التصوري أو التصديقي، ففي باب التصورات مثلًا لا بدّ أن تجري عملية
التعريف على أساس أن المعرِّف(ما به التعريف) أجلى وأوضح من
المعرَّف( ما له التعريف)، وهو اشتراط في غاية الوجاهة بلا شك، وإلا
فمن غير المعقول أنّ يجري تفسير شيءٍ مجهول بآخر مساوٍ له في
الخفاء، ولا يفرق عنه في المجهولية، وإلى هذا الشرط يرمي المثل
الدارج: "عرّف أو فسّر الماء بعد الجهد بالماء"، فضلًا عن عدم صحة
الاعتماد على الأخفى، كما لو قمنا بتعريف الماء بأنّه عنصر، أو
عرّفنا الانسان بأنّه جوهر، وهكذا.
ولو أردنا عرض الإشكال بطريقة
المقدمات والنتائج وصياغته بلغة القياس المنطقي فيمكن ترتيبه في
مقدمتين ونتيجة: 1- وجود الخالق أكثر تعقيدًا من الكون أو أنّهما
سواء في الحاجة إلى التفسير .2- والتفسير بالأشد تعقيدًا أو بما
يتطلب بدوره تفسيرًا؛ باطل. وإذن، فتفسير الكون بالخالق باطل!. هذا
ويدور النقاش هنا بشكل أساسي حول المقدمّة الثانيّة، فهي محور
الاستدلال وركيزة الإشكال، مع ذلك، لا نعدم شيئًا حيال أولى
المقدمتين، ولك أن تقول: لو كان فرض إمكان تصحيح المقدمة الأولى
والقبول بها؛ فلا يمكن بحال الالتزام بالمقدمة الثانية على إطلاقها
في المجالات العلمية والمعرفية، وحسبك الكوانتم مثالًا، حتى قال
أعتى الملاحدة المعاصرين بشأنها: إنّ من يعتقد أنّه يفهم نظرية الكم
فهو لا يفهم نظرية الكم(دوكينز، ص371)، وعلى أية حال، فتفكيك بنية
الإشكال على نحو مبسوط رهن إلفات النظر إلى ثلاثة أمور
وكالآتي:
أولًا- النقض بنظرية( كل
شيء):
إنّ الاعتراض على معقولية الوجود
الإلهي من حيث إنّه يُفسّر كلّ شيء وهو غير مفسَّر؛ هو اعتراض فاقد
للقيمة المعرفية، وليس له أي تبرير معقول، ويمكن الإطاحة به عبر
النقض عليه أسهل مما يُظنّ؛ فعلى سبيل المثال: "الغاية الأسمى من
العلوم الطبيعية هي السعي من أجل النظرية الموحدة العظمى: نظريّة
كلّ شيء، والأهمية القصوى لهذه النظرية تأتي من أنّها تفسّر كل شيء،
دون الحاجة إلى أن يكون مطلوب تفسيرها بذاتها، فينتهي المسار
التوضيحي ههنا، وتنتفي الحاجة إلى التراجع اللانهائي بغية التفسير "
.(انظر: وهم دوكنيز، الأصولية الملحدة وإنكار الإله، ص28، ط: المركز
الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة).
ويشير ليستر إدغار ماكغراث في
كلامه عن النظريّة الموحدة أو نظريّة كلّ شيء إلى مسعى الفيزياء
الأخير وحلم العلماء النهائي في تقديم نموذج متكامل في مجال
الفيزياء النظريّة يصف المادة وصفًا كاملًا، ويشرح الظواهر الكونيّة
شرحًا شاملًا، ويوحّد القوى الأربعة الأساسية: النوويّة، الضعيفة
والقويّة، والكهرومغناطيسية والجاذبية، وبانجازها سيُعلن عن انتصار
العقل الإنساني. وقد قدّم في هذا السبيل مجموعة من الاقتراحات، من
قبيل نظرية الأوتار، وكذلك نظرية(إم)..وغيرهما مما فصّل في مظانه.
وإذن، مثلما يتوقف مسار السؤال عند هذه النظريّة، كذلك الحال في
الخالق سبحانه الذي به تُفسّر كبريات المسائل المتعلقة بالخلق
والوجود، أمّا الإله نفسه فهو مستغنٍ عن ذلك، ولا يحتاج إلى تفسير
كما ورد في الخبر.
والخبر الذي ورد فيه هذا التعبير
هو ما نقله المرحوم الرواندي(ت:573هـ) عن الإمام زين العابدين(عليه
السلام) أنّه قال: ضمّني والدي إلى صدره -يوم قتل والدماء تغلي- وهو
يقول: يا بنيّ، احفظ عنّي دعاء علّمتنيه فاطمة، وعلّمها رسول الله،
وعلّمه جبرئيل، في الحاجة والهمّ والغمّ، والنازلة إذا نزلت، و
الأمر العظيم الفادح قال ادعُ: بحقّ يس والقرآن الحكيم، و بحقّ طه
والقرآن العظيم، يا من يقدر على حوائج السائلين، يا من يعلم ما في
الضمير، يا منفّس عن المكروبين، يا مفرّج عن المغمومين، يا راحم
الشيخ الكبير، يا رازق الطفل الصغير، يا من لا يحتاج إلى التفسير،
صلّ على محمد و آل محمد، وافعل بي كذا و كذا(الدعوات، ص55- ح137).
أقول: الخبر مرسل ليس له إسناد كما ترى، لكنه يحمل تعبيرًا فريدًا
من نوعه، لا أعرف خبرًا غيره قد اشتمل على مثل هذه العبارة، أعني
مناداة الله تعالى بأنه(لا يحتاج إلى التفسير).
لكن لماذا لا يحتاج الخالق إلى
التفسير؟!
غني عن البيان بأنّ كل شيء من
حولنا يحتاج إلى تفسير إلا أنّ عملية التفسيرلا يمكن أن تتواصل بلا
نهاية، وتستمر دون أن تتوقف عند غاية، وتوضيح ذلك
كالآتي:
إنّ السؤال بـ(لماذا) بشكل المستمر
هو سمة من سمات منطق التفسير الذي اكتشفه الكثير منّا كصغار على
حساب راحة آبائنا. يقول بيتر لبتون، ويضيف: أتذكّر بوضوح لحظة اتّضح
لي أنّه مهما كانت إجابة أمّي عن آخر (لماذا) أقولها بإمكاني ببساطة
أن أردّ بأن أسأل (لماذا) عن الجواب نفسه حتى تنفد أجوبة أمّي أو
ينفد صبرها. وليس من الواجب أن تكون التفسيرات نفسها مفهومة؛ إذ
بإمكان (الجفاف) أن يفسّر ضعف المحصول حتى لو لم نفهم لِم َكان
الجفاف؟، وبإمكاني أن أفهم أنّك لم تأتِ إلى الحفلة؛ لأنك كنت تعاني
صداعًا شديدًا، حتى لو لم تكن لديّ أدنى فكرة لِمَ أصابك صداعٌ؟،
وهكذا يفسّر (الانفجار العظيم) إشعاع الخلفية الكونية الميكروي حتى
لو كان (الانفجار العظيم) نفسه غير قابل للتفسير، وإلخ. إنّ سؤال
(لمَ؟) يُظهر حقيقتين هامتين، وهما أنّ التفاسير قد تترابط، وأنّ ما
يُفسِّر غيره لا يحتاج هو نفسه إلى أن يُفهم.
وعلى هذا الأساس، يمكن القول إنّ
طلب تفسير ضروري الوجود الذي به تفسير كل شيء من الممكنات ينطوي على
(خطأ مقولي)، و" أن ترتكب خطأ مقوليًّا هو أن تقرن أشياء من تصنيفات
مختلفة لا يجوز عقلًا أن تجتمع، كأن تقول: أعداد حمراء، فضائل
بدينة، قضايا غير قابلة للأكل" (وليم جيمس إيرل _ معجم فلسفي معاصر،
ضمن كتاب: مدخل إلى الفلسفة، ص376)
ثانيًا- الخلط بين(هل)
و(ما):
ثمّة خطأ منطقي ومغالطة كبيرة
انطوت عليها الإشكالية آنفًا، بيان هذا الخطأ يستدعي الإشارة بشكل
مقتضب إلى ما يعرف في علم المنطق بأصول المطالب وأسسها، وعادة ما
تستعمل فيها ثلاثة من وسائل السؤال و أدوات الاستفهام: (ما، وهل،
ولِمَ)، وفيما بين هذه الثلاثة مسافة شاسعة وفرق كبير، وهو باختصار
شديد أرجو ألا يكون مخلًا كالآتي:
حين يُسأل عن الشيء بـ(ما) فإنّما
يطلب بذلك في المقام الأول الكشف عن هُويّته أو صورته، ويراد بها
الاستعلام عن حقيقة الشيء أو مفهومه، فإذا قيل مثلًا: ما القرآن؟
أجيب: كتاب الله المنزل على رسول الإسلام(صلى الله عليه وآله)،
بينما يؤتى بـ(هل) بهدف السؤال عن الوجود أو العدم في متن الواقع
وعالم الخارج، فيسأل مثلًا: هل للقرآن وجود؟. أمّا السؤال بـ(لِمَ
أو لماذا) فيبتغى من ورائه الكشف عن السببية الغائية: لماذا كان
القرآن؟.
ما يعنينا من هذه الثلاثة أن نحيط
علمًا بالمائز بين اثنين منها: بين (ما) وبين (هل)، فالأولى تقع ضمن
حقل نظرية المعرفة(الإبستمولوجيا) ويبحث بها عما ينفعنا في تصوّر
الشيء والحصول على مفهومه، بينما ينتمي السؤال بـ(هل البسيطة) إلى
باب الوجود وحقل(الأنطولوجيا)، فيقع بها السؤال بغرض الاستعلام
والكشف عن الوجود الخارجي للمسؤول عنه، فالفرق بين الاثنين كالفرق
بين الوجود الذهني والوجود الخارجي.
وبالرغم من أنّ الخالق ليس من جنس
المركبات ذوات الماهيات؛ كي يقع البحث ماهيته ويجري السؤال عن
أجزائه، لكنّ مفهومه الإجمالي حاصل لدى الجميع قطعًا، ومعناه
التصوري العام متفق عليه بين البشر: مؤمنهم وملحدهم. وما أعنيه هنا
بالضبط لا يتجاوز ما يقوله دوكنز نصًا: " الله: كلمة تدل على خالق
من عالم ما وراء الطبيعة" (المصدر نفسه، ص15)، ومن ثمّ يتخصص السؤال
بـ(بهل المركبة)، وينحصر الطلب بالبحث التصديقي: هل الخالق موجود
أولا؟. وبعبارة أخرى: ليس في المقام إنسداد معرفي ومجهوليّة تامّة
حيال الوجود الإلهي، بل ثمّة معنى تصوري عن الخالق حاصل عند الجميع،
ومعرفة إجمالية عنه تعالى هي التي أتاحت طرح السؤال عن وجوده
الخارجي، لولاها لما تمكّن حتى الملحدون من السؤال عن
وجوده.
لكن، هل يمكن أن يكون لشيء ما
مفهومًا إجماليًا يتيح البحث عن وجوده الموضوعي، وتاليًا الجزم به،
بينما تبقى حقيقته في حيّز الإبهام؟!، والجواب: نعم من دون شك، وهذه
النقطة تحديدًا ستضمن تفكيك بنية الإشكالية المتقدّمة، ودونك مثال
توضيحي على ذلك: إنّنا في الوقت الذي ندرك فيه معنى الإنسان على
الإجمال، وكذلك نجزم بوجوده الفيزيائي، غير أنّ البحث عن حقيقة
الإنسان وجوهره ما يزال قائمًا حتى اليوم، ذلك أنّ التعريفات
الفسلجية التي تقصر النظر على جانب البدن والأعضاء لا تمثّل جوهر
الإنسان ولا تعبّر عن تمام حقيقته؛ لسبب غير خاف على أحد، وهو تبدّل
جميع الخلايا في جسم الإنسان، وعلى هذا الأساس نستنتج أنّ وراء
الأعضاء شيء ما، يترجمها الإنسان ويعبّر عنها عادة بـ(أنا)، وهي
حقيقة ثابتة واحدة، من لحظة الولادة حتى لحظة الممات، وليس مهمًّا
أن نضع اسمًا لها: نفس، روح، الفكر، الجوهر.. بقدر ما يهمنا الإذعان
بواقعيّتها، والتسليم بوجودها الموضوعي ولو لم نُحط بكنهها
علمًا.
عدا هذا المثال التوضيحي، هناك
شاهد من واقع العلم يتعلق بالمادة المظلمة((Dark matter فهي على
خلاف المادة التي نعرفها: لا تعكس الضوء ولا تقبل للرصد، والأغرب من
ذلك أنّها تمثّل أكثر من 90% من مادة الكون إلى جانب الطاقة
المظلمة، ومعظم المجرّات وعناقيدها متكوّنة منها، بينما لا أحد من
علماء الفيزياء يعرف حقيقتها ومن أي شيءٍ تتكوّن؟، فلماذا من الأساس
يُعتقد وجودها ؟!. الجواب وبكل يسر وسهولة؛ لأنّ الدلائل العلمية
تقود إليها وتدلّ على جودها(=التوسع الكوني)، وهي بعد تحل لنا
لغزًا، وتفسّر أمرًا مبهمًا، لأنّ كتلة الكون بمادته المعروفة لا
تكفي لإنتاج كل هذا التماسك الفعلي والجاذبية الحاكمة فلهذا كان
اعتقاد العلماء بوجود المادة المظلمة أمرًا مبررًا، وهو الحل
المتعين لتفسير عدم التناسب بين كميّة مادة الكون، وبين التماسك
المحكوم بالجاذبية من جهة أخرى، فلم يقل العلماء في هذا الموضع: لا
يمكن استعمال فكرة المادة المظلمة لتفسير الجاذبيّة؛ لأنّها أكثر
تعقيدًا وتتطلب بدورها تفسيرًا!.
ثالثًا- مفهومه من أعرف
الأشياء:
تتضمن النقطة الثالثة معالجة
فلسفية مختلفة عما سبق، وتشتمل على جواب مغاير لما تقدّم ذكره، من
حيث إنّ المعالجة المطروحة فيها مبنية على نظرية وحدة الوجود
التشكيكية، وهو قول جماعة من المتكلمين والفلاسفة على رأسهم صدر
الدين الشيرازي وسائر أتباع مدرسة الحكمة المتعالية، وهم لا يرون
فيها ما ينافي العقيدة الدينية، بل بالعكس ذهب بعضهم إلى أنّ
الاعتقاد بهذه النظرية "مما لا محيد عنه، وهي الأساس لأكثر القواعد
في العلم الإلهي..(انظر: مبادئ الإيمان،ص50)، وأنّه من الضروريات
الأوليّة التي لا تستقيم حقيقة التوحيد إلا بها، ولا تنتظم مراتب
العلّة والمعلول والحق والخلق إلا بها(الفردوس الأعلى،
ص255).
وتتلخص النظريّة بأنّ الوجود في
الواقع الخارجي ذو حقيقة واحدة، كما أنّه في الذهن له مفهوم واحد،
بيد أنّ مصاديق تلك الحقيقة الواحدة في الشدة والضعف والخفاء
والظهور، فمن مصاديقه الواجب القديم الأزلي الذي وجوده بذاته وغناه
بنفسه وهو علة العلل ومصدر كل الكائنات، ومن مصاديقه أيضًا: الوجود
الممكن المحتاج في حدوثه ووجوده إلى الواجب، ورغم الاختلاف البيّن
بين المصداقين(الواجب والممكن) إلا أنّ حقيقة الوجود ومفهومه فيهما
واحدة، وهي ما نعبّر عنه بالظهور والتحقق وأمثال ذلك.
إنّ أنصار هذا التقرير من الوحدة
يرون الأشياء ثلاثة لا رابع لها: (نورٌ، وظلّ، وظلمة) بوصفها
موجودات حسية تتنزل بها المعقولات: (الوجود، وعدم، وماهيّة)، فـ"
الوجود البحت(هو) الخالق الحق البسيط المنزّه عن الماهية والتركّب
هو الله سبحانه، والعدم البحت لا ذات له ولا ماهيّة ولا أثر ولا
تميّز، بل هو لا شيء محض، والوجود المشوب بالعدم ما سوى الله، وهي
المخلوقات ذوات الماهيّات، أجسامًا كانت أو أرواحًا، فإنّ كل ممكن
زوج تركيبي، تركّب ذاته من وجود له من الله، هو بمنزلة صورته، ومنشأ
تحقّق حقيقته، ومن عدم له من نفسه، تميّز بذلك الوجود وتخصّص به
بحسب قابليته له في علم الله.. (الكاشاني-أصول المعارف،
ص10).
وعليه، حيث إنّ الوجود صفة من صفات
الله الذاتية كان الجواب عن الإشكالية بناءً على هذه النظرية في
غاية الإبانة؛ لأنّ أصحاب هذا الاتجاه أسسوا النظرية على مجموعة من
المبادئ، منها الاشتراك المعنوي للوجود أو وحدة الوجود المفهومية،
أي أنّ مفهوم الوجود في الذهن له معنى واحد، فضلًا عن بداهة مفهوم
الوجود وأنّه من أعرف الأشياء وأوضحها، وأكثرها استغناءً عن الشرح
والتفسير.
جاء في منظومة الملا هادي
السبزواري(ت:1873م) بشأن الوجود:
مفـهـومـه مـن أعـرف الأشـياء،
وكنـهـه في غاية الخفاء
ثمّ يقوم ببيانه بأنّ الوجود لا
يمكن أن يشرح بغير الاسم؛ لأنّه مبدأ أول لكل شرح، فلا شرح له بل
صورته تقوم في النفس بلا توسط شيء..؛ لأنّ المعرِّف لا بدّ أن يكون
أظهر وأجلى من المعرَّف، ولا أظهر من مفهوم الوجود، فهو من أعرف
الأشياء، هذا من جهة المفهوم، وأما حقيقة الوجود وكنهه - وهو
الحقيقة البسيطة النورية التي حيثية ذاتها حيثية الآباء عن العدم
ومنشئية الآثار- فهو في غاية الخفاء والغموض. وبهذا البيت جمع بين
قول من يقول: إنّه بديهي، أي مفهومه، وقول من يقول: إنّه لا يتصور
أصلاً، أي لا يتصوّر بحقيقته وكنهه.(انظر: شرح المظومة، ج2، ص60، ت:
حسن زاده آملي).
الأكثر قراءة
32354
19387
14896
11613