2 محرم 1447 هـ   28 حزيران 2025 مـ 3:29 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أفكار ونظريات |  هل تقوض نظرية التطور ثقتنا في العقل؟ دارون يشك وهوسرل يعترف
2025-06-25   28

هل تقوض نظرية التطور ثقتنا في العقل؟ دارون يشك وهوسرل يعترف


الشيخ مقداد الربيعي

تواجه نظرية التطور في تفسيرها المادي البحت تحدياً فلسفياً جوهرياً يهدد أساس المعرفة الإنسانية نفسها. هذا التحدي لا يأتي من خارج النظرية، بل ينبع من داخلها، حيث تؤدي مسلماتها المنطقية إلى نتائج تقوض الثقة في العقل البشري ذاته.

تنطلق نظرية التطور من فكرة أن العقل البشري نتاج لعملية تطورية عشوائية، تحكمها قوانين الانتقاء الطبيعي والبقاء للأصلح. وفقاً لهذا التصور، فإن العقل لم يتطور لكي يدرك الحقيقة، بل لكي يساعد الكائن على البقاء والتكاثر. هذا المنطق يضع المؤمنين بالنظرية في موقف محرج، إذ كيف يمكن الوثوق بنتائج عقل تشكل عبر آليات لا تهدف إلى الوصول للحقيقة؟

ولم يكن تشارلز دارون نفسه غافلاً عن هذه المعضلة الفلسفية. في رسالة خاصة بعث بها إلى صديقه وليام جراهام في يوليو عام 1881، كشف عن قلقه العميق قائلاً: «ينتابني دائماً شك فظيع حول ما إذا كانت قناعات عقل الإنسان، والذي بدوره تطور من عقول كائنات أدنى، تتمتع بأي قيمة أو تستحق أدنى ثقة». 
Charles Darwin to W. Graham, July 3, 1881, In Darwin, F.; edit. (1911) The Life and Letters of Charles Darwin, Vol. 1, London, p. 285.

وفي موضع آخر من سيرته الذاتية، يعود دارون لنفس الإشكالية بصراحة أكبر: «ولكن هنا يراودني الشك الآتي: هل يمكن أن يكون عقل الإنسان، والذي أؤمن إيماناً جازماً أنه تطور من عقل كذاك الذي تمتلكه أدنى الكائنات، محلاً لثقتنا وهو يُدلي بتلك الاستنتاجات العظيمة؟». المصدر السابق، ص۲۸۲.

موقف هوسرل الفلسفي
تنبه الفيلسوف إدموند هوسرل لخطورة هذا الإشكال، واستخدمه كمثال يوضح التحديات التي تواجه إمكانية المعرفة. يقول هوسرل: «قد تعرض للخاطر بعض الأمور من علم الحياة، فنذكر نظرية التطور الحديثة حيث نما الإنسان في كفاحه من أجل الوجود بحسب الانتقاء الطبيعي، فنما معه عقله بالطبع، ومع العقل سائر الصور التي هي أخص به، ولا سيما الصور المنطقية. ألا يدفعنا ذلك إلى القول إن الصور والقوانين المنطقية إن هي إلا سمة عارضة للنوع البشري، وإنها قد تكون مختلفة، وتصير كذلك في سياق التطور المقبل؟». فكرة الفينومينولوجيا، ترجمة: د. فتحي إنقزو، مركز دراسات الوحدة العربية، ٢٠٠٧م، ص ٥٤ .

يكمن جوهر المشكلة في أن نظرية التطور المادية تحمل في طياتها بذور تدمير نفسها. فإذا كان العقل مجرد نتاج لعمليات عشوائية لا تهدف للوصول إلى الحقيقة، فكيف يمكن الوثوق بنتائجه، بما في ذلك نظرية التطور نفسها؟ هذا يضع أنصار النظرية في دائرة مفرغة من الشك الذاتي.

الخلاصة
إن القبول بنظرية التطور دون ربطها بخالق حكيم يوجه العملية يؤدي حتماً إلى تقويض الثقة في العقل البشري وقدرته على إدراك الحقيقة. هذا التناقض الداخلي يكشف عن ضرورة وجود تفسير أعمق للوجود يتجاوز المادية البحتة، ويعيد للعقل مكانته كأداة موثوقة للمعرفة والفهم. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م