21 ذو الحجة 1446 هـ   18 حزيران 2025 مـ 10:12 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  فاطمة الزهراء عليها السلام... سيدة نساء العالمين
2018-02-19   3263

فاطمة الزهراء عليها السلام... سيدة نساء العالمين

من لطف الله بعباده، وعدله في خلقه، أن جعل للمرأة مكانةً مهمة في المجتمع الإنساني، وجعل لها دوراً كبيرا ومتميزا في إرساء دعائم الحياة الاجتماعية والإنسانية، فهي نصف المجتمع الذي لا تستقيم الحياة بدونه، لذا فقد جاءت التشريعات السماوية داعمة لكيان المرأة، معزِّزة لدورها الكبير في بناء الحياة الإنسانية، من خلال حفظ حقوقها وصيانة عفَّتها، حتى برزت في التأريخ الإنساني أدوارٌ مهمة لنساء كثيرات، شغلْن حيزا كبيرا في التراث الحضاري للمجتمعات الإنسانية، سواء كانت الدينية منها أو السياسية أو الاجتماعية، فكان منهن الملكات والعالمات والاديبات، واللواتي كانت لهن أدواراً كبيرة في الجانب الديني والإنساني على مر التاريخ.

أعلام النساء
لقد لمع نجم السيدة مريم بنت عمران عليها السلام، كقدّيسة وصدّيقة، وأمٍ لنبي من أولي العزم، وهو عيسى عليه السلام، وقد ذُكرت في القرآن الكريم عدة مرات، كما برز دور السيدة آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون، كمؤمنة في وسط ٍفرعوني كافر، تعرضت للاضطهاد والتعذيب من أجل الدين والعقيدة، ذُكرت قصتها في القرآن الكريم بالإجلال والتعظيم.
أما الإسلام؛ فإنه لا يخلو من نساء متميزات، لعبن دورا كبيرا في مسيرته التاريخية، فكانت السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها، علما من أعلام النساء اللواتي كان لهن دورا كبيرا في إرساء دعائم الإسلام، كذلك ابنتها الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام، بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، سيدة نساء العالمين، والتي نحن بصدد ذكرها في هذه المقالة، والسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام، جبل الصبر وبطلة كربلاء، وغيرهن كثيرات.

من هي فاطمة عليها السلام؟
هي فاطمة الزهراء بنت النبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله، وأمها السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها، فاطمة، زوج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ولدت بمكة، وقد اختلف المؤرخون في سنة ولادتها، فمنهم من قال أنها وُلدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهو قول علماء العامة، ومنهم من قال بل بعد البعثة النبوية بخمس سنين، وهو قول الكليني في الكافي، ومنهم من قال أنها وُلدت سنة البعثة النبوية المباركة، وهذا ما قال به اليعقوبي، وتابعه على ذلك الطوسي.
ولو رجعنا الى سنة وفاتها عليها السلام، وكم كان عمرها آنذاك، وجمعنا المعطيات المتوفرة لدينا، لرجّحنا أن مولدها كان بعد بعثة النبي صلوات الله عليه وآله بسنتين أو ثلاثة، فهو الأقرب الى الحقيقة، فقد استشهدت عليها السلام سنة وفاة أبيها، وهي السنة الحادية عشرة للهجرة، عن عمر يناهز الثامنة عشر سنة على أظهر الروايات، فإننا لو أجرينا عملية حسابية بسيطة لكانت سنة ولادتها هي السنة الثالثة بعد البعثة النبوية على وجه التقريب.

زواج النورين
تحظى مناسبة ذكرى زواج علي من فاطمة عليهما السلام باهتمام كبير لدى الأوساط الشيعية، وذلك لأهمية الحدث، حتى يسمونه بزواج النورين، وتأتي أهمية الحدث من أهمية  شخصياته، فعلي بن أبي طالب عليه السلام هو ابن عم النبي صلى الله عليه وآله، وهو من السباقين الى الإسلام، واليه يرجع الفضل في قيام الدين وانتشاره، صاحبُ ذي الفقار الذي قال عنه النبي صلوات الله عليه وآله: "ما قام الإسلام الا بأموال خديجة وسيف علي"، فهو الرجل الثاني في الإسلام بعد رسول الله صلوات الله عليه وآله، أما فاطمة الزهراء عليها السلام، فهي بنت النبي صلوات الله عليه وآله، الوحيدة التي بقيت على قيد الحياة، وهي النسخة المؤنثة لرسول الله صلوات الله عليه وآله، إذ كانت تُشبِه أباها خَلقا وخُلُقا ومنطِقا.
روي أن أبا بكر وعمر وغيرهما قد خطبوا فاطمة من النبي صلوات الله عليه وآله، فأبى أن يزوجها لهم قائلا: أنتظر فيها أمرَ القضاء، وذات يوم، وبعد أن بلغ علي عليه السلام من العمر أربعةً وعشرين سنة، صلى النبي صلوات الله عليه وآله صلاة الصبح من يوم الجمعة، ثم قال : سمعت حفيف الملائكة، وإذا بحبيبي جبرائيل ومعه سبعون صفا من الملائكة مُتوّجين مقرّطين مُدَملجين، فقلت ما هذه القعقعة من السماء يا أخي يا جبرائيل؟ قال يا محمد؛ إن الله اطّلع على الأرض اطّلاعةً فاختار منها من الرجال عليّا، ومن النساء فاطمة، فزوج فاطمة من عليّ، فرَفعت فاطمة عليها السلام رأسها وتبسمت، وقالت: رضيت بما رضي به الله ورسوله.
ثم جمع النبي المسلمين في المسجد، فلما اكتمل الجمع قام خطيبا فقال: "إن الله أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، واللهُ عز شأنه قد زوجه بها في السماء، بشهادة الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك"، فكان ذلك العرس السماوي.

صفاتها
لا تستطيع الكلمات الإحاطة بجميع صفات هذه المرأة العظيمة، فإن جلال قدرها وعظمة شأنها، أكبر من أن تحتويها هذه السطور القليلة، فهي السيدة الصديقة الطاهرة المطهرة الزكية البتول، أم أبيها، فاطمة الزهراء عليها السلام واحدة من أصحاب الكساء، وهي من المعصومين الأربعة عشر، سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، أم الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، فاطمة هي المرأة الوحيدة التي خرج بها رسول الله صلوات الله عليه وآله في يوم المباهلة مع نصارى نجران، وما الى ذلك من الخصائص والصفات العظيمة التي يعجز القلم واللسان عن الإحاطة بها في هذه العُجالة.

مظلوميتها
ما إن قُبض رسول الله صلوات الله عليه وآله، حتى انقلب القوم على أعقابهم، وهُرعِوا الى سقيفة بني ساعدة ينتخبون خليفة لرسول الله صلوات الله عليه وآله، وكأنهم لم يحضروا الغدير، ويشهدوا تنصيب عليٍ خليفة ًلرسول الله صلوات الله عليه وآله، قاطَع عليٌ السقيفة، فحاول القوم إكراهه على البيعة فرفض، مما دفع القوم للهجوم على بيته الذي فيه فاطمة، فتعرضت من جراء ذلك للإصابة وأسقطت جنينها المحسن، ومن ثم للظلم والاضطهاد، فقد سُلب منها إرثُها، وهو أرض فدك، بدعوى باطلة، وهي أن الأنبياء لا تُورّث، فقد أنْحلها أبوها محمد صلوات الله عليه وآله على حياته أرض فدك، كان يملكها النبي صلوات الله عليه وآله، وإن عملية سلبها أرض فدك، كانت سابقة خطيرة تتعارض مع صريح القرآن، فإن الأنبياء تورِّث كما يورِّث سائر الناس ((وورث سليمانُ داوودَ))(النمل-16)، ((يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رضيا))(مريم-6). 

وفاتها 
أما وفاتها فقد اتفق المؤرخون على أنها كانت سنة 11 للهجرة، مع اختلاف في الشهور والأيام، فمنهم من قال انها عاشت بعد أبيها أربعةً وعشرين يوما، ومنهم من قال بل ثمانيةَ أشهر، إلّا أن المشهور أنها عاشت بعد أبيها ثلاثة أشهر وخمسة أيام، فإذا ضممنا ذلك الى تاريخ وفاة أبيها وهو الثامن والعشرين من صفر سنة 11 للهجرة، يكون يوم وفاتها هو الثالث من جمادي الآخرة من نفس السنة.

دفنها
دفنها زوجها علي بن أبي طالب عليه السلام ليلاً سراً، وأعفى قبرها، وتم ذلك حسب وصيتها، فلا يُعلمُ أين قبرها الى يومنا هذا، ولم يسهم في تشييعها سوى نفر قليل من المؤمنين، أمثال سلمان وأبو ذر وعمار بن ياسر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وعقيل والزبير وبريدة فقط، نلاحظ ان هذا العدد من المشيعين لا يتناسب ومنزلةِ السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، البنت الوحيدة لنبي المسلمين محمد صلوات الله عليه وآله، ولكن في الأمر غاية وفي الوصية سبب، فقد صرح به زوجها علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو أن لا يشارك أعداؤُها مراسمَ دفنِها، لغضبها الشديد عليهم.  
يكفي فاطمة الزهراء عليها السلام فخرا، أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهذه منزلة عظيمة لا يرقاها الا من يستحقها، وأنها من أهل آية التطهير (( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا))(الأحزاب-33)، وأنها المرأة الوحيدة التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وآله معه ليباهل بها نصارى نجران، وأنها أمٌ لأحدَ عشر إمام معصوم، فهي امرأة لا تُدرَك فضائلُها ولا تُعَدّ شمائلُها، جادت بها السماء، فأشرقت على أهل الأرض.

 

سهيل الخزاعي

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م