| حقوق الإنسان | شهادتها نصف شهادة الرجل.. هل انتقص الإسلام من كرامة المرأة؟!
2024-04-04 520
شهادتها نصف شهادة الرجل.. هل انتقص الإسلام من كرامة المرأة؟!
ماذا يعني تساوي الرجل والمرأة، وهل تتنافى المساواة مع اختلاف التكاليف؟ إشكالية متجددة ما زال يطرحها أنصار النموذج الغربي للمرأة من المسلمين، شاهدهم في ذلك حكم الإسلام بأن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، بنص القرآن الكريم، قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)، البقرة: 282، متوهمين أن في ذلك انتقاص من كرامتها، وحيف على حقوقها!!
بدايةً، دعونا نبحر في صفحات التاريخ لنرى كيف عامل الإسلام
المرأة، ونقصد بالإسلام الثقلين، كتاب الله والنبي واهل بيته عليهم
السلام، دون غيرهم، فقد ساوى القرآن الكريم بينهم في الخلقة
والإنسانية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا
زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً.. الآية)،
النساء:1.
وفي التكليف، فجاء الخطاب الإلهي عاماً شاملاً للجنسين، قال تعالى:
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ
وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ
وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، الأحزاب:
35. وهذا لا يختص بالتكاليف الفردية، بل الأمر في التكاليف
الاجتماعية ـ التي يصطلح عليها بالكفائية ـ أوضح، والتي يمكن أن
يكون الجامع فيها فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال
تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، التوبة: 71.
وكذا في الجزاء، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ)، النحل: 97.
فمن منظور الإسلام لا فرق بين الرجل والمرأة من جهة الخلقة ولا
التكاليف ولا الجزاء. نعم خفف عن المرأة بعض التكاليف بما ينسجم مع
طبيعتها البدنية وخصوصيتها النفسية، ففي الخبر عن الصحابية أُميمة
بنت رقيقة: «جئت النبي صلى الله عليه واله في نسوة نبايعه، فقال
لنا: فيما استطعتن وأطقتن».
ونتيجة تأكيد القرآن الكريم والنبي العظيم صلى الله عليه واله، قد
فهم المسلمون هذه المساواة في الحقوق، وأن كل حق للرجل يقابله حق
للمرأة، حتى روي عن حبر الأمة ابن عباس أنه قال: «إنني لأتزين
لامرأتي كما تتزين لي«، كيف وقد علمه القرآن ذلك، قال عز من قائل:
(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.. الآية)،
البقرة: 288.
وما الدرجة التي جعلها الحق سبحانه للرجل على المرأة في قوله تعالى
(وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)، البقرة: 228، إلا بمعنى
القوامة التي تفرضها رئاسته للعائلة، فالحياة الزوجية حياة
اجتماعية، وما من اجتماع إلا وله رئيس، ولا تعني بأي وجه تفضيل
الرجل على المرأة، فالقوامة لا تلغي المساواة، وإنما هي نوع من
توزيع الأدوار، فالرجل مسؤول فيما يتسق وفطرته التي خُلق عليها،
كذلك المرأة مسؤولة في الميادين التي تتناسب وخلقتها، ففي الحديث
الشريف عن النبي صلى الله عليه واله، «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن
رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم ومسؤول عنهم، والرجل راعٍ
على اهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده
وهي مسؤولة عنهم.. الحديث» (مجموعة ورام)، ج 1، ص 6.
فلابد من فهم الآية الكريمة التي تناولت شهادة المرأة في هذا
السياق، فلم يكن منطلق الإسلام فيها تفضيل جنس الرجل على جنس
المرأة، وإنما هي مراعاة لخصوصيتها، ولو كان السبب ميل الإسلام
للرجال، كان من اللازم تقديم شهادته على شهادتها في كل الحالات
والفروض، بينما نجد موارد في القرآن الكريم قد قدم شهادة المرأة على
شهادة الرجل، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ
فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ
عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا
الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ
عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، النور: 6 ـ 9. فلدينا
شهادة من الرجل بزنا زوجته، تقابلها شهادة أخرى من المرأة تنكر ذلك،
والإسلام هنا قدمها على شهادة الرجل.
فالأمر ليس له علاقة بتفضيل جنس على آخر، وإنما مرتبط بما يعرف في
علم القانون بـ(أدلة الإثبات الجنائي)، ولحرص المشرع الإسلامي في
إرجاع الحقوق لأصحابها وتوخي أكثر الأدلة كشفاً عن الواقع، تراه
فصّل كثيراً في باب الشهادات، ففي بعض الجرائم كالزنا تراه يشترط
أربعة شهود ولا يكتفي بالشاهدين، وأخرى يكتفي بشهادة المرأة وحدها
من دون حاجة لضميمة شهادة الرجل، وذلك في عدة موارد، منها الشهادة
على عذرية الفتاة ونفاسها بل مطلق ما لا يجوز للرجال النظر اليه،
كما في صحيحة عبدالله بن سنان، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام)
يقول... تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز
للرجال النظر إليه»، الوسائل 27 : 353 / كتاب الشهادات ب 24 ح 10 .
وكما لم يقبل المشرع الإسلامي في باب الدَين شهادة المرأة إلا
بضميمة شهادة امرأة غيرها، كذلك لم يقبل شهادة الرجل إلا بضميمة
شهادة رجل آخر في موارد أخرى، كما في شهادة الأخ لأخيه فذهب جماعة
من الفقهاء لعدم قبول شهادة القريب لقريبه، بمفرده، حتى لو كان
رجلاً، بل لابد من انضمام شاهد آخر، وقد نسب ذلك إلى الشيخ الطوسي
(ره)، (النهاية ص 330)، وقد استدلّ عليه بمعتبرة إسماعيل بن أبي
زياد السكوني ، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام): «أنّ شهادة الأخ
لأخيه تجوز إذا كان مرضيّاً ومعه شاهد آخر»، الوسائل 27 : 368 /
كتاب الشهادات ب 26 ح 5 ، التهذيب 6 : 286 / 790 .
وقد نُسب الى السيد المرتضى (ره)، الإجماع على عدم قبول شهادة الولد
على أبيه، (حكاه في الجواهر 41: 75، وراجع الانتصار: 496)، وتردّد
في ذلك العلاّمة في التحرير (التحرير 2: 209)، واختار الشهيد القبول
في الدروس (الدروس 2: 132)، ومال إلى ذلك بعض المتأخّرين.
كما أنه لا تقبل شهادة الرجل إذا كان له نصيب فيما يشهد به، فلا
تقبل شهادة الشريك في المال المشترك، ولا شهادة صاحب الدين إذا شهد
للمحجور عليه بمال، ولا شهادة السيّد لعبده المأذون بالتجارة منه،
وتدلّ على ذلك معتبرة سماعة، قال: سألته عمّا يردّ من الشهود «قال:
المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتّهم،
كلّ هؤلاء تردّ شهاداتهم»، الوسائل 27: 378 / كتاب الشهادات ب 32 ح
3.
وكذا لا تقبل شهادة الرجل إذا كان بينه وبين المشهود له خلاف،
وشحناء، تدل عليه معتبرة إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد،
عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) «قال: لا تقبل شهادة ذي شحناء أو
ذي مخزية في الدين»، الوسائل 27: 378 / كتاب الشهادات ب 32 ح 5،
الفقيه 3: 27 / 73.
والخلاصة، أن الأمر عائد لطبيعة كل مورد من موارد الشهادة، ولا
علاقة له بتفضيل الرجال على النساء، فالإسلام قانون وشريعة واقعية،
يتقصى الأسباب الواقعية التي من شأنها إحقاق الحق في الخصومات
والمنازعات.
الشيخ مقداد الربيعي - باحث وأستاذ في الحوزة العلمية
الأكثر قراءة
26897
18766
14034
10856