| محمد (صلى الله عليه وآله) الشهيد | النبي محمد... الحقيقة الأبدية إذا ما زوّرت كل الحقائق
النبي محمد... الحقيقة الأبدية إذا ما زوّرت كل الحقائق
عكف ويعكف الكثير من المفكرين
والكُتاب والمدونين على تدوين الأحداث المهمة، خصوصا تلك التي لها
أثر اجتماعي كبير كالرسالات السماوية ومنعطفاتها الاجتماعية
والقيمية، ومن ذلك الرسالة الإسلامية على حاملها وآله الصلاة
والسلام، حتى تتبعوا دقائقها وجزئياتها بفضول كبير؛ لئلا تفوتهم
شاردة أو واردة، ما جعل الكثير من أحداثها واضحة جلية؛ لا لبس
فيها ولا شك، بناء على تواتر كثرة من نقلها واستحالة أتفاقهم على
التزوير؛ على رغم توزعهم على أجيال عديدة ـ مع إن في بعض جنباتها
مبالغة في مرة وبخس في أخرى إلا هذا الاختلاف مرده في جزئياتها
وليس في كلياتها، بما أن الاختلاف عنه وعنها وليس فيه وفيها، أي
اختلاف في الفرعيات الصغيرة وليس في بداهة وثبات نبوته وحياته، ما
جعل دقائقها ـ السيرة النبوية ـ وجزئياتها واضحة بلا خفاء، وهو ما
يمنح المطلع عليها؛ اليقين البعيد عن اعتراءات الشك، ومن ذلك نرى
الجميع متفق على ولادته، نشأته من الطفولة حتى البلوغ، يتمه،
رضاعته، صباه وفتوته وشبابه، زواجه، أولاده، عمله قبل النبوة،
وبعدها، نبوءته، هجرته، سياسته، حكمته، سنته، استشهاده، وبذلك
فأننا امام حقيقة ماثلة تتجلى بأوضح صورها وعظمة حدثها وهيبة
التأريخ وهو يسطر كلياتها وجزئياتها.
بل وأسهب هؤلاء ـ المفكرون
والكُتاب والمدونون ـ لملاحقة أدق التفاصيل فيما قال وقرر وفعل
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في وقت كان الأسطرة تفعل
فعلها في صياغة حياة غيره من الأنبياء، ليأتي القرآن الكريم ـ من
خلال تبليغ النبوي به ـ مثبتا للصحيح منها وناسفا التخرص
فيها.
علميا... فإن هذا التواتر النقلي،
والقبول من قبلِ من كتب في الاحداث المهمة، ما هو إلا رضوخا
للحقيقة وسطوتها، وهو ما جعل المشككين في حالة تراخي من التشكيك
في تلك الحقائق؛ لوجود أدلتها ماثلة غير قابلة للتفنيد، بناء على
حاكمية القبول التأريخي للحقائق وعدم تواطأ الأجيال على "أكذوبة
ما"، إذا ما افترضنا جدلا كذب النبوة المحمدية، حاشاه من
ذلك.
ولما كانت العرب ـ وهي البيئة
التي صقلتها الصحراء بعناوين الأنفة والشجاعة وعدم الرضوخ إلا
للحقيقة ـ موطن الرسالة النبوية، فأن وجود النبي الأكرم محمد
صلوات الله عليه وآله بينهم سيرضخه لقوانين هذه البيئة، إلا أنه
روضهم بما ملك من حق وحقيقة، وإلا فما الداعي لقادة وسادة هذه
البيئة ـ وما عرفوا بها من اعتزازهم بتقاليدهم واعرافهم ـ ان
يتقبلوا من ينسف هذه التقاليد والأعراف ليأتي بما قد يناقضها فضلا
عما يُخسرهم الكثير مما أَهَلوه في حياتهم... أنها الحقيقة
المقنعة، وليس غير تلك الحقيقة.
قبل
النبوة...
اتسمت حياة النبي الأكرم بمعالم
وضاءة، جعلت من يختلف معه، يرضخ لقبول حقيقتها الناصعة بدواعي
صحتها، ومن ذلك ما عُرف به صلوات الله عليه وعلى آله، من مروءة
وكرم وسماحة ونبل وأمانة، حتى سمي ـ وحديثنا قبل البعثة النبوية
الشريفة ـ بالصادق الأمين.
أما بخصوص اخلاق الفرسان النبلاء،
فقد تجسدت فيه صلوات الله عليه وآله، بشكل لا يقبل الشك، خصوصا
فيما يخص عمله في التجارة مع سيدة قريش الأولى خديجة رضوان الله
تعالى عليها، حيث اثبت عليه الصلاة والسلام بأن للتجارة قيم
ومبادئ تلازم نجاحها، وذلك على غير ما اعتاد عليه عرف ذلك العصر
من غش وخداع في السوق كآلة للشطارة والحذلقة وعلامة للغنى
المادي.
ولما كانت الحكمة تفيض منه فيضا،
اختارته العرب حكما فيما بينهم، بل وجعلوه حائلا بينهم قبل
احتكامهم للسيف، وواقعة رفع الحجر الأسود المعروفة خير شاهد على
ذلك، عندما قبلوا بأن يحمل الحجر بثوبه الحجر الشريف؛ ويوزع أذيال
الثوب على ممثلي القبائل، إشارة لمنحهم شرف عمارة بيت الله
العتيق، وكان لديه بذلك حلا يحقن الدماء بينهم، بعد إن كادت تشبه
بهم نزعتهم الجاهلية المبنية على الغالب والمغلوب.
وعود على ملامح الحكمة والعلم
اللدني عنده سلام الله عليه، فأن قصته مع بحيرى الراهب أدل دليل
على ذلك، وملخصها أنه سلام الله عليه عندما كان يافعاً رافق عمه
أبو طالب رضوان الله تعالى عليه في تجارة الى أحد الأقاليم
البعيدة، فرآهُ الراهب المسيحي بُحيرى، وسال أبي طالب رضوان الله
تعالى عليه قائلا:
ـ ما
هذا الغلامُ منكَ؟
ـ إبني..
فردَ عليهِ بحيرى
بالقول:
ـ ما
هو بأبنكَ؛ وما ينبغي لهذا الغلامِ أن يكونَ أبوهُ
حَياً!
فرد عليه أبو طالب رضوان الله
تعالى عليه بالقول:
ـ إنهُ
ابن أخي الذي توفاهُ الله.
فقالَ بحيرى:
ـ صَدقتَ؛ ارجع بأبنِ أَخيكَ هذا الى بلدهِ؛
وأحذر عليهِ اليهودَ؛ فواللهِ لئنْ رأوهُ وعَرفوا عَنهُ ما
عَرفْتُ لـَيَضمُرونَ لهُ شَــراً وكَيـداً؛ فأنهُ كائنٌ لأبنِ
أخيكَ هذا شأنٌ فأسرعْ بهِ الى بلادهِ فأنهُ النبيُّ الذي بَشَرَ
بهِ عيسى.