

| محمد (صلى الله عليه وأله) النبي | أخلاق النبي الكريم وحاجة الحضارة الإنسانية إليه
2025-03-18 80

أخلاق النبي الكريم وحاجة الحضارة الإنسانية إليه
الشيخ معتصم السيد أحمد
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، ويقول رسول الله
(صلى الله عليه وآله): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
عند الحديث عن أخلاق النبي (صلى
الله عليه وآله) وضرورتها للحضارة الإنسانية، لا بد أولاً من تحديد
مفهوم الأخلاق، إذ أن هناك اختزالاً مخِلّاً لهذا المفهوم، حيث صار
يُنظر إليه بوصفه مجرد سلوكيات فردية، بينما الأخلاق في حقيقتها
نظام متكامل للحياة. فالإنسان العاقل لا يمكن أن تستقيم حياته دون
أن تقوم على أسس أخلاقية، بل إن جوهر وجوده وقيمته الحقيقية تكمن
فيما يحمله من قيم. ففلسفة الوجود الإنساني تقوم على أن الإنسان
كائن أخلاقي، ولا يمكن للمجتمعات والحضارات أن تبلغ مراتب التكامل
إلا من خلال منظومة أخلاقية متماسكة.
والسلوك الإرادي للإنسان ليس إلا
انعكاساً لما يحمله من رؤى ثقافية، والثقافة بدورها انعكاس لما
يحمله من قيم، وهذه القيم نابعة من منظوره المعرفي للحياة. وبهذا
يتضح أن الأخلاق ليست مجرد تصرفات معزولة، وإنما هي نظام شامل من
القيم التي تمنح الإنسان فهماً أعمق للحياة، إذ أن كل شيء في الوجود
يكتسب أهميته بمقدار ارتباطه بتلك القيم.
وإذا كانت القيم هي أساس الحياة،
فهي كذلك المدخل لفهم الدين، فالدين ليس سوى تأكيد وتذكير بهذه
القيم، وهو الإطار الذي يحقق تكامل الإنسان. ومن هنا فإن فهم الدين
بوصفه منظومة قيمية يحوّله من مجرد موروث ثقافي إلى عنصر فاعل في
تحقيق تطلعات البشرية.
القيم في جوهرها ثابتة، ليس لأنها
خارجة عن الزمن، وإنما لأنها تتكيف مع حركته، تماماً كما أن الجمال
مثلاً قيمة ثابتة، لكن مظاهره تتغير عبر الزمن. فالقول بأن "هذه
الزهرة جميلة" قد يتغير، لكن الجمال كقيمة لا يتغير، بل يتجلى في
مظاهر أخرى. وهذا ينطبق على قيم مثل العدل، والكرامة، والرحمة،
والحرية، فهذه القيم تشكل أصل الحياة، وهي قادرة على الاستمرار
والتفاعل مع مختلف الأزمنة والمتغيرات.
لكن لماذا نحتاج إلى الرجوع إلى
الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ إذا كانت القيم هي أساس الدين
والحياة، فلماذا لا يتصل الإنسان بها مباشرة؟ الجواب أن هذه القيم
بوصفها مفاهيم مجردة لا يمكن إدراكها إلا إذا تجلت في أشخاص
وسلوكيات ملموسة. فالعقل لا يُعرف إلا من خلال العاقل، والقدرة لا
تُدرك إلا عبر القادر، والرحمة لا تُفهم إلا حين تتمثل في فعل رحيم،
وهكذا العدل، والحرية، والتسامح، والمحبة، والجمال، كلها مفاهيم لا
يدركها الإنسان إلا من خلال التجسيد الواقعي لها.
فإذا وُجد شخص جسّد هذه القيم
بأكمل صورة، فإنه يصبح رمزاً لهذه القيم في أذهان الناس، وتظل
مرتبطة به ما لم يأت من هو أعظم منه في تجسيدها. ولهذا، فإننا كلما
ذكرنا الرحمة تذكرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكلما ذكرنا
العدل استحضرنا أمير المؤمنين (عليه السلام)، لأن معرفتنا بهذه
القيم لا تتحقق إلا من خلال مصاديقها العليا في الواقع. ولهذا، فإن
الأنبياء والأولياء يبقون خالدين، لأنهم النماذج الأسمى لهذه
القيم.
وقد قيل إن هناك فرقاً جوهرياً بين
الأنبياء والأقوياء، فبينما يحتل كل منهما قمة الهرم البشري، فإن
الأنبياء يعطون الحياة ولا يأخذون منها، في حين أن الأقوياء يأخذون
أكثر مما يعطون. الأنبياء يملكون القلوب، بينما الأقوياء يسيطرون
على الأجساد، والأنبياء يعيشون مع الناس، بينما يركب الأقوياء على
ظهورهم. وهذا هو الفرق الجوهري بين حضارة الأنبياء التي تقوم على
الرحمة، وحضارة الأقوياء التي تقوم على القوة المجردة.
ومن هنا، نجد أن هناك ثلاث آيات
تشكل أساس علاقتنا برسول الله (صلى الله عليه وآله):
قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).
قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ
خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)
قوله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:
21).
الرحمة هي القاعدة التي ترتكز
عليها جميع القيم، فالعلم قيمة لأنه في جوهره رحمة، بخلاف الجهل
الذي هو أساس كل شر. والقدرة قيمة، ولكن حينما تكون في إطار الرحمة
لا التجبر. وكذلك المودة، والإحسان، والمروءة، كلها قيم تتحرك في
إطار الرحمة. ولهذا، إذا تزاحمت القيم ولم نعرف أيها أولى، فإن
القاعدة هي البحث عن القيمة الأقرب إلى الرحمة.
اخلاقيات الرسول ومفاتيح الحضارة
الإنسانية:
ويقال إن هناك ثمانية مفاتيح
أساسية تشكل جوهر كل حضارة، ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دونها. هذه
المفاتيح تمثل جوهر الأخلاق التي ترتكز عليها جميع المجتمعات
الراقية. والأهم من ذلك أن هذه المفاتيح هي ذاتها التي أكد عليها
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعاليمه وأفعاله، حيث كانت جزءًا
أساسيًا من رسالته في بناء مجتمع عادل ومتقدم.
المفتاح الأول نظرة المجتمع
للإنسان: هل يُنظر إليه ككائن شرير لا يستحق الكرامة، أم يُنظر إليه
بوصفه مخلوقاً له قيمة بمجرد كونه إنساناً؟ فالمجتمعات التي تعترف
بكرامة الإنسان ستفسح له المجال للنمو والتطور، بخلاف المجتمعات
التي تهدر كرامته، فتخلق إنساناً مهزوز الثقة، ضعيف الإرادة، فاقداً
للقدرة على الإبداع والتغيير.
وعند تأمل سيرة النبي (صلى الله
عليه وآله)، نجد أن أخلاقياته تجسدت في احترام الآخر حتى لو كان
مخالفاً له، وهذا ما أكده القرآن الكريم بقوله: (وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70). كما أن النبي (صلى الله
عليه وآله) لم يُسقط كرامة أحد، حتى أعدائه، إذ قال: «ما من شيء
أكرم على الله من ابن آدم». وقال أيضاً: «الخلق عيال الله، فأحب
الخلق إلى الله من نفع عيال الله». وفي حديث آخر: «خير الناس من
انتفع به الناس»، كما قال أيضاً: «أذل الناس من أهان الناس».
ويُلاحظ هنا أن النبي (صلى الله
عليه وآله) استخدم لفظ "الناس" بشكل مطلق، دون تخصيصه بالمؤمنين أو
المسلمين، مما يدل على أن إهانة أي إنسان، بغض النظر عن دينه أو
معتقده، أمر مرفوض أخلاقياً ودينياً.
المفتاح الثاني توظيف الدين في
المجتمع: كيف يتم توظيف الدين والإيمان بالله واليوم الآخر؟ هل
يُستخدم لتحفيز الإنسان على الإخلاص والإحسان في مختلف جوانب حياته
مثل البيت والمدرسة والمصنع والمتجر؟ أم يُستغل لتقليص فعالية
الإنسان وإفقاده قدرته على التأثير؟ المجتمعات التي توظف الدين
لتحقيق التقدم والنمو ستكون بالتأكيد أكثر تقدماً من المجتمعات التي
تساهم في تقليص دور الإنسان وتحجيمه. قال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: «إِنَّ الله يُحِبُّ إذا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ
يُتْقِنَهُ». وقال أيضاً: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ». كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلَى كُلِّ
مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، فقال الصحابة: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ فأجاب:
فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. وأضاف:
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ فقال: "َيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ
الْمَلْهُوفَ. فقالوا: "َإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ فقال: َفيَأْمُرُ
بِالْمَعْرُوفِ، وإذا لم يتمكن من ذلك، فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ
فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ». وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: «يا
معشر القراء، خذوا طريق من كان قبلكم، وارفعوا رؤوسكم، ولا تكونوا
عيالاً على المسلمين». في هذا السياق، إذا لم يجد المؤمن باباً من
أبواب الخير مفتوحاً أمامه، فإنه يجب عليه أن ينتقل إلى باب آخر،
لأن أبواب الخير كثيرة والطريق إلى مرضاة الله لا ينتهي.
المفتاح الثالث: النظرة إلى
الموجودات من طبيعة وسماء وأرض ومادة وكائنات حية وغير ذلك، هل ينظر
المجتمع إليها باعتبارها مجالاً للبحث والتساؤل والمعرفة؟ هل يُنظر
إليها ككتاب مفتوح يجب النظر فيه لاكتشاف أسراره؟ أم يتم اعتبارها
مجرد أشياء موجودة في هذا الوجود بلا قيمة؟ إذا كانت علاقة المجتمع
مع الوجود لا تحفزه على السؤال والاستفسار، فإنه سيظل في حالة من
التخلف. بالمقابل، المجتمعات التي تشجع على الاستكشاف والاكتشاف
والتساؤل ستتقدم وتنمو، لأن كل يوم يحمل فيها اكتشافات جديدة. قال
تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ
فِيهَا). وقال أيضاً: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ
نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان: 20]. وقال سبحانه:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۚ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ
أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). وقد استخدم القرآن الكريم
الأسئلة لتشجيع النظر والتفكر في المخلوقات، مثل قوله تعالى:
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى
السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ). وقد مارس رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم تعليم الناس عن أسرار الكون من خلال الأسئلة
والملاحظات التي تفتح الأفق لاكتشاف الحكمة والإعجاز العلمي في
المخلوقات، وقد ورد العديد من الأحاديث النبوية التي تتعلق
بذلك.
المفتاح الرابع النظرة إلى الحياة:
هل يرى إنسان المجتمع نفسه فاعلاً في الحياة، قادراً على التأثير في
مجرياتها والمساهمة في تقدمها، أم ينظر للحياة على أنها صورة جامدة
قد تم اعتدادها سلفاً وليس للإنسان أي دخل أو دور فيها؟ أي نوع من
الثقافة سائدة في المجتمع؟ المجتمعات التي ترى أن الفرد هو عنصر مهم
في صناعة الحياة ويؤثر فيها هي المجتمعات التي تتقدم. ولذا حث رسول
الله على العمل والفاعلية في جميع جوانب الحياة، حيث قال: صلى الله
عليه وآله وسلم: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع
ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها». هذه الرواية تدل على أهمية
الاستمرار في العمل والمساهمة حتى في أقسى الظروف. كما قال صلى الله
عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو
إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة». هذه الأحاديث تعكس فلسفة
الإسلام في التحفيز على الإبداع والعمل المستمر كجزء من الإيمان.
وأيضاً: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، دعوة للعمل والنشاط في وقت
مبكر من اليوم لتحقيق أقصى فاعلية. المجتمعات التي تشجع على العمل
الفردي والجماعي ستزدهر في مختلف مجالات الحياة.
المفتاح الخامس: النظرة للإنسان
الذي يشاركك في المجتمع... هل النظرة قائمة على التساوي أم هي قائمة
على التمييز والعنصريات والقبليات وما شابهها؟ من الطبيعي أن
المجتمعات الطبقية تشهد صراعات ونزاعات بسبب التفرقة بين الأفراد،
بينما المجتمعات التي تقوم على مبدأ المساواة بين الجميع هي مجتمعات
أكثر تقدماً واستقراراً. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا
اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر». هذه الصورة تعكس
الترابط القوي بين أفراد المجتمع المؤمن. وقال صلى الله عليه وسلم:
«الناس سواسية كأسنان المشط الواحد، لا فضل لعربي على أعجمي إلا
بالتقوى». كما جاء في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا
خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ
خَيْراً مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا
تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
(الحجرات: 11). هذه الآيات والأحاديث تؤكد على ضرورة التساوي بين
الناس والابتعاد عن كل أشكال التمييز، ما يساهم في بناء مجتمع
متماسك ومتقدم.
المفتاح السادس: النظر للمجتمعات
البعيدة... هل ننظر للمجتمعات البعيدة على أنها فرصة للتعارف
والتكامل والتعلم، أم نعتبرها عدواً يتربص بنا الدوائر، أما أن
نغزوه أو أن يغزونا؟ من الواضح أن المجتمعات التي تنظر إلى الآخر
بنظرة العداوة لن تجني إلا ما كانت تتوقع، بينما المجتمعات التي
تحترم الآخر ستستفيد منها وتتكامل بها. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ) (الحجرات: 13). ومن هنا تأتي سيرة رسول الله صلى الله عليه
وسلم التي تجسد التواصل الإيجابي مع الحضارات والمجتمعات الأخرى.
فعندما ضاق الخناق على النبي في مكة، أرسل صحابته إلى النجاشي ملك
الحبشة، كما كان يرسل بعض أصحابه لتعلم بعض الصناعات، مثلما أرسلهم
إلى اليمن لتعلم صناعة السيوف. هذه المواقف تُظهر كيف يمكن
الاستفادة من التواصل والتعارف مع الآخرين في شتى المجالات.
المفتاح السابع: النظر إلى العلم
والمعرفة... هل تنظر إلى العلم على أنه شيء يزداد دائماً بالسؤال
والاستفسار، أم أنك تخاف من السؤال وتراه محصوراً في دائرة واحدة لا
يزيد ولا ينقص؟ هل تجتر العلوم أم تخلق أسئلة جديدة وتؤمن بأن العلم
في تطور مستمر وفوق كل ذي علم عليم؟ المجتمعات التي تقتل آفاق
السؤال والعلم والمعرفة تظل جامدة ومتخلفة، تعيش على التراث
والموروث، وتنعدم فرصها في التقدم والنجاح. وقد كان هذا خلق النبي
صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعلم أصحابه بنفسه ويفتح لهم كل يوم
باباً من أبواب العلم لم يكونوا يعرفونه، ويشجعهم على التعلم.
والأحاديث في وجوب طلب العلم لا تحصى ولا تعد، فقد شجع على طلب
العلم حتى من حضارات أخرى: «اطلبوا العلم ولو في الصين»، «واطلبوا
العلم من المهد إلى اللحد»، كما شجعنا على البحث عن الحكمة حتى لو
كانت من أفواه المجانين. وبالتالي، إذا تخلق المجتمع الإسلامي
بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانفتح على العلم وسعى في كسب
الجديد منه، فسيكتب له النجاح والفلاح.
المفتاح الثامن: النظرة إلى
الزمن... هل المجتمع نظرته معلقة بالمستقبل أم بالماضي؟ هل هو مشغول
بالماضي أم بالمستقبل؟ هل يرى الزمن وعاءً تنافسياً يسعى لاستغلاله
لأكبر قدر من الإنجاز، أم يراه عبئاً يجب التخلص منه بأي شكل؟
المجتمعات التي تعد الزمن وعاءً تنافسياً لديها فرصة كبيرة في
التقدم، بعكس المجتمعات التي ترى الزمن عبئاً يجب التخلص منه. وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة
حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين
اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه.» وقال أيضاً: «نعمتان
مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.» وأضاف: «اغتنم خمساً
قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك
قبل هرمك، وغناك قبل فقرك.»
خاتمة:
إن أخلاقيات رسول الله صلى الله عليه وسلم تعد بمثابة مفاتيح حيوية للتقدم والتحضر في أي مجتمع. فقد كان رسول الله نموذجاً في التعامل مع الحياة، العلم، الزمن، والمجتمع، وكل سمة من سماته العظيمة تسهم في إرساء أساسات النجاح والتطور. والمفاتيح الثمانية التي تم استعراضها ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل هي ممارسات وأفعال يمكن أن تقود أي حضارة إلى الرقي والتقدم، إذا ما تم تبنيها وتطبيقها بجدية. ومن خلال إحياء هذه المبادئ الإسلامية في الحياة اليومية، يمكن لأي مجتمع أن يحقق نجاحاً مستداماً وتقدماً حقيقياً في مختلف مجالات الحياة.
الأكثر قراءة
29858
19122
14524
11202