30 ربيع الاول 1446 هـ   4 تشرين الأول 2024 مـ 5:35 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | حقوق الإنسان |  الإمام علي (ع) يؤسس لـ «حقوق الإنسان» قبل 14 قرنا!
2024-03-09   493

الإمام علي (ع) يؤسس لـ «حقوق الإنسان» قبل 14 قرنا!

رغم أن عهد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب كان كله حروب، فقد خاض ثلاثة حروب داخلية طاحنة مع الناكثين (معركة الجمل)، والقاسطين (معركة صفين)، والمارقين (معركة النهروان)، وفي العادة تستدعي أجواء الحرب فرض قيود على الحريات العامة، إلا أنه عليه السلام كان الحامي الأول لما صار يعرف اليوم بحقوق الإنسان، والتي نحاول في هذه الوجيزة تناول جملة منها، ولعل من أبرز هذه الحقوق التي تناولتها نصوص القانون الدولي كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الحقوق التالية:

حق المساواة وعدم التمييز
من القواعد الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، أن كل الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة دون أية تفرقة. وقد نصت المادة (٧) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن «الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحـريض على مثل هذا التمييز».
هذا وقد سبقهم بذلك الإسلام كثيراً، فقد خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) يوماً: «فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضاً فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عز وجل ألا وقد حضر شيء ونحن مسوون فيه بين الأسود والأحمر، فقال مروان لطلحة والزبير: ما أراد بهذا غيركما، قال: فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلاً من الأنصار ثلاثة دنانير وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الأنصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواءا؟ فقال: إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا». الكافي، ج ٨، ص٦٩.
وفي عهده المشهور لمالك الأشتر واليه على مصر، قال عليه السلام يوصي واليه بالتعامل بالرحمة مع شعبه وعدم التمييز بينهم بحسب اللون أو الدين او العرق: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم. ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يدي لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته». موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، ج ٤، ص٢٣٤.
وكذا عهده إلى محمد بن أبي بكر: «فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة، حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم...»، شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١٥، ص١٦٣.
وقد تجسد ذلك بقوله لما عوتب على التسوية في العطاء: «أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه!... لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال لله»، نفس المصدر، ج ٨، ص ١٠٩.
حق حرية التعبير والرأي:
فكان عليه السلام يسمح بمناقشته في كل شيء، ويعطي مساحة واسعة للخلاف معه في الرأي، إذ كان الخوارج يناقشونه حتى في الصلاة، بل أسس عليه السلام قاعدة الحكم العادل والرشيد من خلال تحلي الحاكم بصفة قبول الحق إذا قيل له، والعدل إذا عرض عليه، فإن ثَقُل عليه ذلك، كان العمل بهما أثقل، فكان عليه السلام يقول: «.. فلا تكلموني بما تُكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يُتحفظ به عند أهل البادرة (الغضب) ولا تخالطوني بالمصانعة (المداراة)، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي، فإنه من أستثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه». 
بل يتنزل عليه السلام لطلب النصح والمشورة من شعبه، «ولا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست بنفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني». نهج البلاغة، الخطبة 216.
حق التجمع: 
جاء في التعليق العام رقم 37 لسنة 2020 للمفوضية السامية لحقوق الإنسان: «يسمح الحق الأساسي في التجمع السلمي للأفراد بالتعبير الجماعي والمشاركة في تشكيل مجتمعهم». وتنص الجملة الأولى من المادة 21 من العهد الدولي للحقول المدنية والسياسية على ما يلي: «يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به».
وقد سبقهم بذلك الإسلام بقرون، إذ ترك أمير المؤمنين عليه السلام الخوارج يتجمعون في النهروان وغيرها. ولم يمنع حرية الذهاب والإياب، وترك طلحة والزبير يغادران المدينة الى مكة وهو يعلم انهما ينويان الغدر به، فعن ابن ابي الحديد، قال: «وروى شيخنا أبو عثمان قال لما خرج طلحة والزبير إلى مكة وأوهما الناس انهما خرجا للعمرة قال علي عليه السلام لأصحابه والله ما يريدان العمرة وإنما يريدان الغدرة». شرح نهج البلاغة، ج11، ص17.
أكثر من ذلك، فأنه عليه السلام ما كان يلزم أحداً بالقتال الى جانبه، بل يكتفي بقطع عطائه، كونه يتوقف على المشاركة في الجهاد.
حق التملك ومنع التصرف فيه:
وقد أقر هذا الحق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بينما تجاوز ذلك الإمام علي عليه السلام، ففضلاً عن منع قادته العسكريين من تسخير ممتلكات الناس أبان الحرب حتى لو كانوا من غير المسلمين، أمرهم بتقديم أهل البلد على جيشه في الحقوق، حتى أنه منع جيشه من الاستئثار بالماء دونهم، فعنه عليه السلام في وصيته لجارية بن قدامة السعدي وكان قائد جيشه لليمن عندما أرسله لصد جيش معاوية بقيادة الملعون بسر بن أرطأة، الذي ارتكب الفظائع، فلم ينج منه حتى الأطفال: «أوصيك يا جارية بتقوى الله فإنها جموع الخير، وسر على عون الله، فالق عدوك الذي وجهتك له، ولا تقاتل إلا من قاتلك ولا تجهز على جريح، ولا تسخرن دابة وإن مشيت ومشى أصحابك، ولا تستأثر على أهل المياه بمياههم ولا تشربن إلا فضلهم عن طيب نفوسهم، ولا تشتمن مسلما ولا مسلمة فتوجب على نفسك ما لعلك تؤدب غيرك عليه، ولا تظلمن معاهداً ولا معاهدة...». نهج السعادة، ج ٨، ص٣٦٧.
لهذه العدالة، أصدرت الأمم المتحدة في العام 2002 تقريرها من مائة وستين صفحة، والذي أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم، والذي تم فيه اعتبار الإمام علي عليه السلام من قبل المجتمع الدولي شخصية رائدة، ومثلاً أعلى في إشاعة العدالة الاجتماعية والإنسانية، وقد تضمَّن التقرير مقتطفات من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام الموجودة في نهج البلاغة، التي يوصي بها عمَّاله، وقادة جنده، حيث يذكر التقرير أنَّ هذه الوصايا الرائعة تُعدُّ مفخرة لنشر العدالة، وتطوير المعرفة، واحترام حقوق الإنسان.
الشيخ مقداد الربيعي – باحث وأستاذ في الحوزة العلمية

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م