8 جمادي الاول 1446 هـ   10 تشرين الثاني 2024 مـ 5:20 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | التبري من اعداء الله |  أوثق عُرى الإيمان.. كلمة في التولي والتبري
2021-11-11   3738

أوثق عُرى الإيمان.. كلمة في التولي والتبري

خلق الله أدم ـ النوع وليس الشخص ـ بطريقة محصنة، تحكمها الفطرة السوية التي تصيره وتسيره حيث الوجه التي يريد الله جل شأنه، إذا لم تلوثه لوثة ما؛ تجره لغير فطرته تلك، وهذه الفطرة تنسجم مع ما أنزل الله عليه من احكام من قبيل الأمر والنهي وغير ذلك من التكاليف الشرعية: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ))(سورة الروم ـ 30).
ومن متسقات هذه الفطرة، هي التولي والتبري الفطريين، إذ إنهما من أجلى وأوضح المفاهيم الفقهية والشرعية، فضلا عن كونهما مما أتفق عليهما العقل والمنطق، إذ أننا نجد إن الإنسان الفطري ـ ونقصد به الذي يحافظ على فطرته من املاءات غير سوية تفرضها المفاهيم البشرية قبالة المفاهيم الإلهية ـ  يرفض الكذب ويدعو للصدق، يأبى الظلم ويدعو للعدل، يبرأ من الشر وفعله ويدعو للخير ويحب أهله، يجنح حيث السلام ويأنف عن القتل والحرب، محتكما بذلك لبوصلة فطرته السوية التي أودعها الله سبحانه فيه، وما خلاها فهي تشويه لهذه الفطرة، من خلال التربية والتنشئة أو الأدلجة التي يؤسس لها الغير قبالة ما يريده الله سبحانه. 
وعلى هذا، فأن التبري من أعداء الله ـ وهم قطعا أعداء للحق ـ والتولي لمن يوالي الله سبحانه، مما فطرت عليه النفس البشرية، وبين هذا التبري المتمثل بترك اعداء الله والإعراض عنهم، وبين التولي المتمثل بموالاة أولياء الله والتقرب منهم يكون مدار قرب العبد من ربه أو بعده عنه. 
ولغويا، تنسحب مفردة "ولي" للتتابع، وهي من أصل صحيح يدل على القرب المعنوي والقرب الحقيقي، كأن يُقال تولى فلان أي أنه قُرْب له وجلس منه وقاربه وناصره، وقد تأتي هذه المفردة "الولي" بعدة عناوين؛ منها الحليف والناصر والمنعم، في حين أن مفردة التبري التي تنحدر من البرء والَبراء فتعني التقصي مما يكره مقاربته والتقريب إليه او مجاورته، ومنه برأت من الداء بالدواء، أي تباعدت عنه بالشفاء.

ممن نتبرأ ومن نتولى؟
التولّي والتبرّي حسب الشارع المقدس، هي تلك المواقف الاجتماعية التي يتخذها الفرد منها حيال زيد بالتولي وعمر بالتبري، أي أنه يتخذ موقفا رافضا للأول ومتقبلا للثاني، وبالتالي فأنهما من المواقف الاجتماعية المبدئية، حيال الأخرين شريطة ان لا تحتكم للعاطفة المحضة او المزاجية او الشُبهة والظنة والمصلحة الضيقة والميل الغرائزي، فيتحتم أن يكون هذا الموقف، حسب ما يمليه الضمير الأمين والموقف الشرعي الذي شرعه الشارع المقدس من خلال قول الله تعالى وقول المعصوم من بعده، حسبما أمرنا به الله تعالى بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .....))(سورة النساء ـ 59)، ومن هذه التشريعات قوله تعالى: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ))(سورة فاطر ـ 6) وقوله تعالى: ((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))(سورة المجادلة ـ 22).
أما عن قول أئمة أهل بيت النبوة في ذلك، فكثير، منه قول الإمام علي بن موسى الرضا عليه الصلاة والسلام: "کمالُ الدّینِ وَلایتُنا وَ البَراءَةُ مِن عَدُوِّنا ".
ولأن النفس البشرية تتنازعها ولايتان اثنتان، الأولى ولاية الله جل شأنه والثانية ولاية الشيطان لعنه الله، فتكون الأولى ولاية إلهية والثانية ولاية شيطانيّة، وإذا ما ارتبط الفرد بربه؛ قّدم ولاية الله ورسوله وأهل بيته على غيرها من ولاية من خلال الَتَبَرّأ مِن أعدائهم، فعن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام أنه قال في ذلك: "وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ".
أي أن من يتنكر من البراءة من اعداء الله، قطعا انه سيكون في ولاية الشيطان، حسبما تبينه الآية الشريفة: ((يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30))(سورة الأعراف ـ 27 ـ 30)، وقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ))(سورة الممتحنة ـ 13)، خصوصا وإنها ـ ولاية الشيطان ـ ولاية محكومة بالضعف والهزال والوهن مهما كادت ومكرت؛ كما بينه جل شأنه في قوله: (( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))(سورة العنكبوت ـ 41).
وعلى عظم هذين الموقفين ـ التولي والتبري ـ صارا ركنين اساسيين للعديد من اصول الدين، ومنه التوحيد، ومفاده أن يؤمن العبد بربه يقينا، ولا يشرك به أحدا من خلال الشهادة المطلقة " اشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله"، ففي هذه الشهادة، اقرار من العبد بتولي الله ورسوله بالضد من الشيطان وحزبه، أي أنها ـ على ما تحمله من توحيد ـ تعني كذلك أن الذي ينطقها إنما يقصد أن يعاهد الله ورسوله، خصوصا وأن الجزء الأول منها يعني نفي الشراكة مع الله، أي الإمعان في التبري ممن يشارك الله بالربوبية في حين أن الجزء الثاني من العبارة آنفة الذكر يراد به تولي خط الأنبياء وآخرهم النبي محمد صلوات الله تعالى عليه وآله، أي أنها تتضمن الإخلاص في توحيد الله والإقرار بوحدانيته، والبراءة من أعداءه، لأن الإقرار بنبوة النبي الخاتم محمد بن عبد الله صلوات الله تعالى عليه وآله إنما تعني التولي والتصديق بخط من يسير مع الله والبراءة ممن اخذ خط غير الخطوط الموصلة لله سبحانه: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(56))(سورة المائدة ـ 55 ـ 56) وقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا))(سورة النساء ـ 59)، فعن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام: "عشر من لقى الله بهن دخل الجنة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، والاقرار بما جاء من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والولاية لأولياء الله، والبراءة من أعداء الله، واجتناب كل مسكر".
وقد بين نبي الرحمة صلوات الله تعالى عليه وآله اهمية تولي ولي الله والتبري من اعداء، بل وعدها من اوثق عرى الإيمان، فعنه صلوات اللته تعالى عليه وآله أنه قال لجمع من اصحابه: "أَيُّ عُرَى الإيمان أَوْثَقُ؟"، فقَالوا: "اللَّهُ ورسولهُ أَعْلَمُ"، بعد أن قال بعضهم الصّلاة، وقال بعضهم الزكاة، وقال بعضهم الصوم، وقال بعضهم الحجُ والعمرة، وقال بعضهم الجهاد، فقال عليه وآله افضل الصلاة  واتم التسليم: "لكل ما قلتم فضل، وليس به، وبكن أوثق عرى الإيمان، الحب في الله والبغض في الله، وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله عز وجل". 

زيد خلف مجيد 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م