| دراسات | التربية العقلية بين الفلسفة والإسلام.. رؤية وتحليل
التربية العقلية بين الفلسفة والإسلام.. رؤية وتحليل
مباني الفلسفة الإسلامية
وتحليلها..
1. مدخل
وتمهيد
إذا كانت الفلسفة تعني بتربية العقل
وتنميته ورفع قدرته على الاستدلال فالمسلمين اولى من غيرهم بها ،
لان منبع فلسفتهم الحقيقة هو كتابهم الديني الاسمى القران الكريم
الذي يعتبرونه معجزة عقلية تدعوهم إلى اعمال العقل والنظرة الثاقبة
في الكون لإدراك مبانيه ومبادئه على حد تعبير الشيخ مطهري
>الفلسفة تجعل الوجود بأجمعه ميدان ليجول فيه الفكر البشري وهي
تحمل العقل الانساني على جناحها وتحلق به عوالم هي منتهى اماله
وغاية طموحه<( ) إلَّا ان مباني التربية العقلية في الساحة
الاسلامية تعددت ابعادها وفقا لتعدد المدارس الفلسفية التي يتبنوها،
فالأغلب يذهبون إلى ان الدين هو منبع للتربية وعليه يجب ان نستخرج
المباني منه يلاحظ ان الهدف الاساسي للدين هو التربية بمفهومها
العام و ان تشعب مجالات التربية يحتاج نوع من السجال الفلسفي لإثبات
امور ميتافيزيقية ولان معجز الاسلام الخالدة معجزة عقلية وفيه دعوة
مؤكد لأعمال العقل وتنميته فان متبني نظرية علاقة الدين الوثيقة
بفلسفة التربية العقلية خاضت حراكا فكريا متشعبا واسسوا عليه نظرية
للمعرفة تصرح بضرورة الاستفادة من كافة العلوم العقلية والنقلية
لتنمية العقل.
وعليه يجب ان تدرس المباني المتعلقة
بتلك العلوم في قبال هذا التيار هناك من قال بضرورة اقصاء الفلسفة
وعلم النفس المعرفي عن التربية و الاكتفاء بالعلوم النقلية، وبتطور
الزمان واجه التيار الكلاسيكي معارضة من قبل التيارات الحديثة افرزت
مكاتب نقدية حول مقدار تدخل الدين في التربية ونظم
التعليم.
وان كنا قد اسهبنا في بيان مباني
الفلسفة الغربية في المبحث السابق ذلك لوجود تيار عارم في بلادنا
العربية والاسلامية قادم بورشات تدريبية وحقائب تنموية للقدرات
العقلية مستوردة من الغرب قائمة على فلسفة علمانية لبرالية لا يفقه
المتلقي البسيط للتربية الفكرية والعقلية جذور هذا المباني وتنطلي
عليه محاولات اسلمتها وتزينها ببعض المشتركات الواردة في المنظومة
التربوية الاسلامية لذا يجدر الاشارة إلى التهافت الداخلية الذي
عانت منها التيارات الفكرية الاسلامية جعلت منها عرضة لنقد
المنبهرين بالنتاج الغربي وابراز الهفوات التي وقع فيها منظرو مناهج
التربية الاسلامية ليجد الاخر ذريعة لأقصائها من الساحة التربوية
الفكرية واحلال النتاج المستورد محله ولذا ترون اسهابنا في بيان
مباني الفلسفات الغربية بشكل اكثر اتساعا من مبحث الفلسفة الاسلامية
لعدة اسباب منها:
أ)توعية المتلقي العربي والاسلامي
بمباني الفلسفات الغربية وبيان المقارابات من المفارقات بينها وبين
نظام التربية القرآنية ليعرف الانتقاء منها ما ينسجم مع دينه
وثقافته
ب) طرح المسائلة في المحافل
التنظيرية للمجالات التربية والتعليم والتثقيف ي المحافل الاسلامية
الاكاديمية لضرورة توجس هذا الخطر المكتسح للمحافل الشبابية التي
تدرب اليوم في ورش انتجت في مصانع غربية بفلسفة تنويرية قد تكون
بعيدة عن الفلسفات الغربية الكلاسيكية التي تتفق مع الاسلامي لأنها
من منبع وحياني، بل الحقائب منجة وفق فلسفة برجماتية نفعية بغرض
ترويج ثقافة علمانية لبرالية.
ج) إلفات النظر لضرورة تمحيص
المسائل التربوية الواردة والوصول لصيغة معالجة وبدائل.
د) بيان المشتركات والموافقات التي
يمكن من خلال الوصول ان نظام مشترك قائمة على اثراء التجربة
الإسلامية في توليد العلوم وعرضها على المستوى العالمي بعد تبديد
الاختلاف الاسلامي في ساحة المفاهيم الدائرة حول مفهومة
العقل.
ز) عرض المدارس الغربية يبن لان ان
بعض السجالات الفكرية الموجودة في التيارات الاسلامية الناقدة
لتراثنا هي موروث من حراك فلسفي ناقم على السلفي الفلسفية الغربية،
قام به مجددون الفلسفة الغربيين.
2. علاقة الدين بالتربية الفلسفية
العقلية
رغم ان الدين الاسلامي يؤكد على
مسالة دور الدين في التربية إلَّا ان الآراء انقسمت حول مسألة
الفلسفة وتدخلها في الدين إلى عدة اقسام:
أ) ذهب التيار الاعظم منهم إلى
الانسجام التام بين الدين والفلسفة والموائمة بين حكمة التشريع
والتربية مثل الكندي والفارابي وابن سينا وصدر الدين الشيرازي(
).
ب) ومنهم من قسم الارتباط إلى جزئي
مثل الغزالي، وتام بين حكمة التشريع والعرفان والفلسفة كالسهروردي
ومدرسته الاشراقية وصدر الدين ومدرسة الحكمة المتعالية(
).
ج) البعض يرى ان الفلسفة علم عبثي
ورفض ادخال العقل والفلسفة في الدين مثل فريد وجدي صاحب كتاب "على
اطلال العالم المادي" وابو الحسن النداوي صاحب كتاب "ماذا خسر
العالم بانحطاط المسلمين "وقد اوعز الاثنين انحطاط التربة بسبب تدخل
الفلسفة وذلك نتيجة لحصرهم الفلسفة بالمادية القادمة من الغرب، كما
ان بعض اتباع الاخوان المسلمين وسيد قطب ايضا يرفضون تدخل الفلسفة
في الدين( ).
ويرى احمد رجب الاسمر بان >
الفلسفة هي الفكر الاستدلالي المنظم الذى يتناول بالبحث "الله تعالى
والكون، والحياة، والإنسان، والقيم، والمعرفة"، متقيداً بالكتاب
والسنة، هادفاً إلى تحديد علاقة الله تعالى بالكون وعلة خلقة وعلاقة
الإنسان بالله تعالى<( ).
3.علاقة الاخلاق
بالميتافيزيقا
عند محاولة بيان مباني الفلسفة
الاسلامية نرى انقسام علماء المسلمين حول تأسيس الأخلاق
ميتافيزيقياً إلى فرقين كلاميين: ذهب الأشاعرة إلى الاستناد للموقف
الديني في تأسيس نظرية الأخلاق ولازمه أن الأخلاق متأخرة رتبة على
المعرفة الدينية ثبوتًا وإثباتًا، وقدموا نظريتهم على طبق" التحسين
والتقبيح الشرعي "وحرموا العقل عن ادراك ذلك والحكم
عليه.
بينما ذهب العدلية بشقيهم
الشيعة والمعتزلة إلى منح العقل استقلالية كاملة في الادراك والحكم
على تشخيص الخير من الشر بل قالوا ان المنظومة الدينية تستدل إلى
الادراك العقلي في ذلك ولازمه إن الادراك العقلي للفضيلة والاخلاق
له رتبة أسبقية إبستمولوجية على المعرفة الدينية.
وعليه فإن الأسئلة المركزية في
فلسفة الأخلاق من تخصص العقل العملي وفق ما يدركه من مبادي الحسن
والقبح والخير والشرّ، هذا لا يعني أن العقل يستطيع الاجابة عن كل
الجزئيات وإنما هو محتاج إلى معرفة دينة وحيانية يتمم بها النواقص
الجزئية والموارد التفصيلية في عالم الممارسة والتزاحم التشريعي فان
المستقلات العقلية محدودة جدا وان كان في ادراك الكلية قد ثبت
سابقته ابستمولوجيًا ومنطقيًا.
يترتب على ذلك ان الاخلاق في رتبتها
الكاملة تزودنا بها المعرفة الدينية بما تلزمنا به العقيدة وبيان
الغايات العليا لوجود الإنسان، من خلال بيان هرم تصاعدي من
الأولويات والترجيحات في موارد التزاحم في العقل العملي
للإنسان.
وهناك فرق جوهري بين القول إن
الايمان بمعتقد يؤدي إلى التنظير لفلسفة أخلاقية معينة وبين القول
بانها نتيجة لذلك المعتقد الميتافيزيقي، على نحو التراتب المنطقي
والابستمولوجيً فالميتافيزيقيا لا تقدم اسباب للتسمك بنظرية أخلاقية
معينة وإنما العقيدة الدينية تجد أساسها الابستمولوجي في المعرفة
الأخلاقية، وعليه فان القول بالحسن والقبح العقليين يعارض فكرة إن
فلسفة الأخلاق تتوقف على المعرفة الدينية وهذا ما نخالفه تماما
فالشرع والعقل كلاهما مكمل للاخر بالعقل تثبت الكليات وبالشرع
تفصيلات جزئياتها.
4.نقد وردود حول الفلسفة
الاسلامية
أثيرت شبهة مفادها ان الفلسفة
الاسلامية هي خليط هجين من فلسفة عربية ويونانية، فدعى البعض إطلاق
اسم "الفلسفة العربية" عليها وآثر البعض الآخر إنكار وجود مثل هذه
الفلسفة مدعين أن أفكار فلاسفتها مستمدة من فلسفات أخرى، وحكم البعض
الآخر على أنها لا تتعدى شرح أفكار " أرسطو " والمشائيين(
).
ولا يخفى ان الحضارات القديمة سواء
اليونانية او الاغريقية او الفارسية تلاقحت فيما بينها واضاف بعضها
للاخر ولكن الفلسفة الاسلامية قطعاً لم تكن نسخ مستنسخة من الفلسفات
الاخرى فقد أخذت وأعطت وأثرت على الفلسفة المسيحية في القرون الوسطى
وعملت على بعثها وتوجيهها في الكثير من المسائل والموضوعات، كما
أثرت على الفلسفة الأوروبية الحديثة عن طريق ما ترجم إلى اللاتينية
وعن طريق الفلاسفة المسيحيين بل لإعلام هذه الفلسفة انجازاتهم مثل
الكندي والفارابي وابن رشد وعلى سبيل المثال لا الحصر لا ينكر احد
ما ابدعه ابن خلدون في تأسيس علم الاجتماع( ) وابن حيان هو
اول عالم قام بتطبيق مبدأ التجريب بطريقة علمية ولا ننسى اسهامات
ابن سينا اول من وضع تصنيفات للأمراض الجسمية والعقلية والنفسية،
ويفوقهم كللهم النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم الذي جاء بمبادئ
هذه الفلسفة الاسلامية وارسى قواعدها كنظام حياة ونظام
دولة.
ان الانتقادات الموجهة نحو الفلسفة
الاسلامية كانت موجهة للذين يسيؤن تطبيقها، وهناك نقد وجهته المادية
الواقعية حيث زعمت ان الفلسفة الاسلامية تحتوي جانب من الغيبيات
المجهولة التي تترك غموض بسبب عدم تفسيرها وعدم امكان تطبيقها، وهذا
مردود لكثرة الشرح والتفسير من قبل فلاسفة المسلمين وغيرهم، وإذا
كانت الفلسفة نشاط عقلي يحاول تفسير قضايا الكون والحياة في الجانب
النظري فإن التربية العقلية هى ذلك المجال التطبيقى لتلك العملية
التنظيرية فهي المعنية بتفعيل طرق التفكير وانعكاسها على العقل
العملي لإتقان مهارات سلوكية راقية تسمى الاخلاق. في القسم التالي
من البحث نحاول التعرف على المباني الانسانية للفلسفة
الاسلامية
5. تُلخص المباني في
الفلسفة الاسلامية إلى ما يلي:
أ) العلاقة بين الانسان وبين الخالق
هي: علاقة عبودية قائم على عامل عقائدي هو تحديد الصلة القائمة بين
الخالق المربي وبين الانسان المخلوق
ب) العلاقة بين الانسان وبين الكون
هي: علاقة تسخير قائمة بعامل مكاني وهو اسلوب العيش على الرقعة
المكانية وهي رقعة شملت الكرة الارضية كلها والكون
المحيط
ج) العلاقة بين الانسان وبين أخوه
الانسان: علاقة عدل واحسان قائمة على عامل اجتماعي وهو بلورة
العلاقة وانماط السلوك في الدائرة الانسانية التي ينتمي اليها انسان
التربية الاسلامية وهي دائرة شملت جميع افراد النوع
الانساني.
د) العلاقة بين الانسان وبين الحياة
هي: علاقة ابتلاء "اي الامتحان أو الاختبار".
هـ) العلاقة بين الانسان وبين
الاخرة هي: علاقة مسؤولية وجزاء قائمة على عامل زماني وهو مراعاة
البعد الزماني لعمر الانسان وهو بعد يبدأ في الدنيا ويمتد إلى
الاخرة عبر مستقبل لا يتناهى.
بعد هذا السير البسيط الذي يبين
مباني التربية العقلية في الفلسفات المختلفة والاسلام نرى انه يمكن
مد جسور التعايش والتعاون للوصول إلى نظام عقلاني يضمن حفز ثقافة كل
منهما ولا يقصي احدهما الاخر ويترك الخيار للشعوب في ادارة منظومتها
التعليمية والثقافية حسب ما تتبناه من دين وقيم وأخلاقيات دون ان
ينصهر أبناء أي مجتمع وثقافة مع المجتمع المجاور له بل نحترم فكرة
الاختلاف وقبول الاخر مع عرض النظرية الإسلامية على سبيل حب الخير
للجميع وحسب انه خاتم الاديان الذي ارسل للناس كافة.
الفهارس
والمصادر
1. ولترستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة مجاهد
عبد المنعم مجاهد، ص29.
2. مصباح اليزدي، الايدلويجيا المقارنة، ص
65.
3. نعيم حبيب جعنيني، الفلسفة وتطبيقاتها التربوية،
ص131-139.
4. نعيم حبيب جعنيني، الفلسفة وتطبيقاتها التربوية
،ص183-223.
5. اسس الفلسفة والمذاهب الواقعية للعلامة
الطباطبائي بتعليقات الشهيد مطهري قد سره.
6. محمد حسين الطباطبائي مقدمة الشهيد مطهري، اسس
الفلسفة ومذاهبها الواقعية، ص10.
7. ابو الفضل عزتي، علاقة الدين بالفلسفة،
ص83.
8. محمد الجعفري، العقل والدين، ص45.
9. محمد حسين طباطبائي، اسس الفلسفة ومذاهبها
الواقعية مقدمة الشهيد مطهري، ج 3، ص231.
10. أحمد رجب الأسمر، فلسفة التربية في الإسلام،
ص30.
11. دي بور، تاريخ الفلسفة الاسلامية، ترجمة مهدي
عبد الهادي ص 41-50.
12. عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة ج3،
ص11.
الدكتورة مواهب الخطيب