25 جمادي الثاني 1446 هـ   27 كانون الأول 2024 مـ 4:42 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-04-11   791

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا... القرآن الكريم؛ المعُجز الأبدي

ماهي المعجزة؟ 
الأمر الخارق للقوانين والنواميس الطبيعية والكونية؛ الثابتة والمعتادة لدى بني البشر، يسمى معجزة، شريطة ان لا تقبل تلك القوانين النقيض أبداً، فإن كانت تقبل النقيض، لم تكن معجزة أصلا، مثلاً، من القوانين الطبيعية التي لا تقبل النقيض هي كون النار محرقة تحرق ما يواجهها، إن كان قابلا للاحتراق، وكون الميّت لا يرجع للحياة بعد وفاته، والعصا لا تكون أفعى أبدا، والإنسان لا يفهم لغة الطير، وغيرها، بمعنى آخر أن تعريف المعجزة هو خرق القانون الطبيعي للحياة، والإتيان بالمستحيل الذي لا يمكن أن يكون عادة.
والمعجزة هي البرهان الرصين الذي لا يقبل التشكيك أو التكذيب، سلّح الله به أنبياءه؛ لتعزيز قدرتهم على تفادي تكذيب الناس لهم، ودفعهم للتصديق برسالاتهم السماوية والايمان بدعواتهم، على أنهم أنبياءُ مبعوثون من قِبَل الله رب العالمين، فإنَّ من قَدرِ على خلق القانون، يكون قادراً على أن يخلق الخارق.
وتختلف معاجز الأنبياء؛ بعضها عن بعض، فلا تشابه بين معجزة نبي وغيره من الأنبياء، وغالبا ما تكون معجزة النبي، خرق القوانين المعتادة في المجتمع الذي يُبعث فيه ذلك النبي، ليظهر تفوقه على حالة أهل زمانه، على سبيل المثال، كان الطب متطورا في زمن بعثة النبي عيسى عليه السلام وعلى رأسه العالم والطبيب اليوناني جالينوس، فجاءت معجزة عيسى عليه السلام موافقةً للحالة البارزة في ذلك العصر وهي الطب، فكانت معجزته شفاء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ((وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني )) (المائدة -110)، ليتفوق بذلك على جالينوس وطبه، في حين كان السحر رائجا في المجتمع الفرعوني، فكانت معجزة النبي موسى عليه السلام هي الإتيان بما يفوقه، وهكذا. 

وماذا عن معجزات باقي الأنبياء؟
إبراهيم عليه السلام، الذي قذفه الطاغية نمرود باتجاه نار عظيمة ـ سَجّرَها خصيصا له من الخشب الخاص ذي اللهب القوي ـ بواسطة المنجنيق، فكانت بردا وسلاما عليه ((قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم)) (الأنبياء - 169)، وموسى، حيث فلق الله له البحر، كي ينجو وأتباعُه من بطش فرعون ((وأوحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كلُ فِرقٍ كالطّود العظيم)) (الشعراء -63)، فضلا عن معجزة العصا التي غلب فيها موسى عليه السلام سحر أعاظم السحرة على مرأى ومسمع من فرعون وهامان ((فألقى موسى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ)) (الشعراء -45 ـ 46)، أما النبي سليمان عليه السلام فكانت معجزته أنه يفهم لغة الطير ويتحاور معه ((وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)) (النمل -16).

القرآن معجزة محمد صلى الله عليه وآله
أما معجزة النبي محمد صلى الله عليه وآله فقد كانت القرآن، حيث متانة اللغة العربية في ذلك العصر، وعمق الأدب وقوة الشعر الجاهلي، وفي مقدمته المعلقات السبع، فجاء القرآن بلغةٍ وبلاغةٍ تفوّق بها على لغتهم وبلاغتهم، بحيث أنه تحدى صراحة جميع الناس أن يأتوا بمثله، فلم يستطع أحدٌ أن يأتيَ بمثله أبدا، ولو حتى بسورة واحدة ((أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ))﴿يونس - 38)، وهذا تحدٍ كبير لم يستطع أحدٌ مواجهته رغم كثرة المحاولات، روي أن أعرابيا مرّ برجل يقرأ القرآن فسمعه يتلو ))وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ)) (هود -44)، فقال  ما هذا والله بقول بشر، فقد سمع الأعرابي من قوة البلاغة وحسن البيان ومتانة السبك وعمق المعنى ما أبهره، حيث فاق ما كان متوافراً في اللغة والشعر الجاهليين آنذاك، بالرغم من أن الأعراب قد سبروا غور اللغة العربية، وغاصوا في أعماقها، وتتبعوا كل شاردة وواردة فيها، إلا أن ما سمعه ذلك الأعرابي كان شيئا عجبا! لِمَ لا، وأنه قول الله جل جلاله.
ليس القرآن معجزةٌ بشكله ولغته وبلاغته فحسب، بل إن بعض ما جاء في صفحاته يحمل إعجازا كبيرا وعظيما، ألا وهو السبق التاريخي للعلم وللأحداث، ذلك السبق الذي لم يستطع العالم اكتشافه والوصول اليه الا في الوقت القريب، حيث التقدم التكنولوجي والتطور التقني، واختراع الآلات والأجهزة الحديثة، واتساع رقعة البحوث والدراسات في كافة الميادين العلمية، فبين الحين والآخر، يطالعنا العلم الحديث باكتشافات علمية جديدة، كان قد أشار اليها القرآن الكريم لأكثر من ألفٍ وأربعمائة سنة خلت، كان الغموض يكتنفها طيلة تلك الفترة، وما إن يكشف عنها العلماء، و يطَّلعوا على ذكرها في القرآن، حتى ينبهروا لدقة الوصف ودقة المعلومة التي ذكرها القرآن الكريم، كأطوار نمو الجنين مثلا، أو كون منطقة البحر الميت أخفض منطقة في الأرض، أو إخبارُه ُعن هلاك فرعون موسى غرقاً، أو ضرر لحم الخنزير، وغير ذلك كثير، وكثيرٌ منهم من أشهر إسلامه بعد ما تبيّن له من الحق، نفهم من هذا أن لا مجهول ولا غموض في القرآن، إلاّ وكان سببه قصور العلم الحديث عن إدراكه والتوصل الى معرفة كنهه.

القرآن سبق العلم
((لكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)) (الانعام-6(، تشير الآية الكريمة من سورة الأنعام الى أن ما ورد في القرآن الكريم من معلومات علمية، سبق بها العلم الحديث، سوف يكتشفها الإنسان مع مرور الزمن، فتعالوا الآن نسلط الضوء على معاني مفردات هذه الآية
- (لكل نبأٍ) يعني كل خبر أشار اليه القرآن الكريم. 
- (مستَقرٌّ) يعني سيظل مُستقِراً بين صفحاته. 
- (وسوف تعلمون) يعني سوف تكتشفون حقيقته بعد مرور فترة من الزمن، وهذا مصداقٌ حقيقي لما يحصل في العصر الحديث من اكتشافات علمية، أشار اليها القرآن منذ أربعة عشر قرن مضت، وظلت مستقرة بين طيات صفحاته لفترة طويلة من الزمن، الى أن جاء العصر الحديث بتقدمه العلمي وتقنيته العالية، ليكشف عنها من خلال جهد رجال العلم واختراع الأجهزة الحديثة والبحوث العلمية العميقة.
لا بأس بأن نميط اللثام عن بعض الأمثلة التي سبق فيها القرآنُ العلمَ بكثير، كي يتبين للمنصفين من طلاب الحقيقة، كون القرآن كتابٌ ليس من صنع محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله كما يدّعي البعض، بل هو كتاب سماوي مُنزّل من الله جل جلاله.

أطوار خلق الجنين
((مالكم لا ترجون لله وقارا (13) وقد خلقكم أطوارا)) (نوح ـ 14)، ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴿١٢﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴿١٣﴾ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿١٤﴾) (المؤمنون ـ12ـ14)، تنبه كثير من الباحثين والمتخصصين، الى أن القرآن قد سبق العلم في كثير من الأمور العلمية، وبفارق زمني كبير، فقد ظهرت من خلال البحوث العلمية الحديثة حقائق كثيرة، كان قد أشار اليها القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة خلت، قبل أن يتوصل اليها علماء العصر الحديث، ومن هؤلاء العلماء، العالم الكندي كيث مور (Keith Moore) رئيس قسم التشريح وعلم الأجنة بجامعة تورنتو في كندا، صاحب كتاب خلق الأجنة (The developing Human)، الذي يحوي حقائق كثيرة عن أطوار ومراحل نشأة الجنين في بطن الأم، متوافقةً ومتّسقةً  تماما مع الدلالات التي وردت  في القرآن الكريم، والتي تحدثت عن الأطوار التي يمر بها الجنين، منذ انعقاد نطفته الى اكتمال خلقته، وقد سجل هذا العالم في كتابه هذا اعترافا بربانية القرآن الذي لا يمكن أن يأتي به بشر في العصر الجاهلي.

اما أرسطو؛ فهو واحد من عظماء المفكرين اليونانيين، وهو أول من أفرد علم الأجنة ببحث خاص، وقد لخص معتقدات أهل زمانه بنظريتين هما
- أن الجنين يكون جاهزا في ماء الرجل، فاذا وصل الى الرحم نما كما تنمو البذرة.
- أن الجنين يتكون من دم الحيض، حيث يقوم المني بعقده كخميرة الجبن أو اللبن، وليس للمني في تكوين الجنين من دور.
وقد استمر الجدل بين أنصار هاتين النظريتين لفترة طويلة من الزمن، حتى سنة 1677م؛ سنة اختراع المجهر ومشاهدة الحيمن المنوي، فما أصاب الحقيقة ارسطو ولا علماء زمانه، ولكن القرآن أصابها. 
ولنرجع الى القرآن ((إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِير)) (الإنسان - 3)، يقول المفسرون أن الأمشاج هي حصيلة التقاء ماء الرجل والمرأة، والأمشاج أخلاط من الجنسين، وقبل اختراع المجهر سنة 1677م، لم يكن أحد من علماء أوربا، قد توصل الى حقيقة أن الجنين يتكون من التقاء الحيمن الذكري بالبويضة الأنثوية، بينما سبق القرآن الى ذلك بأكثر من ألف سنة. 

غلبة الروم على الفرس
((الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ))(الروم ـ 1ـ3)، آيات صريحة من سورة الروم، أشارت الى نبوءة القرآن الصادقة، التي لا لبس بها ولا تشكيك، أشارت الى واقعة بين الفرس والروم، كانت الغلبة فيها للفرس أولا، ثم تنبأ القرآن بأن الروم سِيَغلِبون الفرس في أقل من عشرة سنين، فكان الذي تنبأ به القرآن بعد تشكيك من الناس.
نستشف من آيات سورة الروم، ثلاثة أشياء لم يكن أحد يعرفها أو يستطيع أن يتكهن بها قبل أن يذكرها القرآن
ـ غلبة الروم على الفرس في المعركة القادمة، وقد حصل هذا بالفعل.
ـ الفترة الزمنية التي حددها القرآن ببضع سنين والبضع هي أقل العشرة، وقد حصلت غلبة الروم على الفرس، وضمن هذه المدة التي حددها القرآن.
ـ عبارة في أدنى الأرض، أي أخفض مكان في الأرض، وهو منطقة البحر الميت، وهذه معلومة جغرافية ظلت غامضة ومجهولة، لم يتم يتوصل اليها العلم الا حديثا.


أبو لهب
((تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿٢﴾ سيصلى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿٤﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴿٥﴾)( سورة المسد ـ 1ـ5)
لقد سبق القرآن الحدث، بأن أبا لهب وأمرأته أم جميل بنت حرب، سيكونان من أهل النار حتما، وهذه نبوءة صحيحة دامغة، كانت القشة التي قصمت ظهر الجمل، العجيب ـ ولا عجب في أمر الله ـ هو أن أعداء النبي الذين آذوه و حاربوه عند ظهور دعوته، وهم كثيرون، ومنهم أبو لهب وامرأته، قد أسلموا جميعا فيما بعد، الا أبا لهب وامرأته، ظلا على كفرهما الى أن ماتا كافران، فقد مات أبو لهب على الكفر بعد غزوة بدر بسبعة أيام، ولم يفكر في دخول الإسلام ولو نفاقا كما فعل غيره، فهو الوحيد من المناوئين الذين نزلت بهم سورة، وهذا سبق للأحداث يسجله القرآن الكريم. 

العنكبوت 
((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) (العنكبوت -41)، والعنكبوت حيوان من ذكر وأنثى، شأنه شأن باقي الحيوانات، ومن المعلوم عن الحيوانات أنها تبني بيوتها بالاشتراك بين الذكر والأنثى، فلماذا خص الله أنثى العنكبوت ببناء البيت، فقال اتخذت بيتا؟
هنا يتدخل العلم الحديث المختص بعالم الحيوان، الذي توصل الى أن أنثى العنكبوت، هي التي تبني البيت دون الذكر وذلك بواسطة مغزل خاص موجود في نهاية بطنها، ولا يوجد مثله عند الذكور، وتكون الانثى سيدة البيت، تقتل ذكرها بعد أن يتم الإخصاب، ولهذا يفر منها الذكر بعد انتهاء عملية الإخصاب مباشرة، دون أن يفكر في البقاء ببيتها، فجاءت الآية الكريمة مصداقا للحقيقة العلمية التي أكدت أن أنثى العنكبوت، هي التي تبني البيت وليس الذكر، وغير ذلك كثير لا يسعنا ذكره في هذه العجالة.
ولا زال القرآن الكريم يكتنف علوما وأسرارا لم يتوصل اليها العلم الحديث لحد الآن، ولكن تواصل البحث العلمي في كافة مجالات العلم والمعرفة، سيكشف عن الكثير من هذه المجاهيل التي أشار اليها القرآن، ولم يفهمها الانسان بعد.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م