2022-07-21 911
العلماء العرب وتأسيس علم الجغرافيا
تحتل مؤلفات المسلمين في الجغرافيا
مكانة كبرى من بين اسهامات العلماء عموما، حتى يومنا هذا؛ خصوصا وأن
المعلومات التي تتضمنها، دقيقة وعميقة، تزيد علم الجغرافيا رصانة
وعلمية، وتحرره من الافتراضات والخيالات.
وعلى الرغم من كون الجغرافيا قد أسست وابتدعن قبل مجيئ الإسلام، إلا أن العرب هم من ابتدعها وتعمق فيها، ومن دلائل ريادة العرب لعلم الجغرافيا وخصوصا الفلكية منها، بعدما كانوا قد اتخذوا ما وصل اليه اليونانيون واسطة لهم لتبحر هذا العلم، إلا أنهم سرعان ما صار لهم دلوهم الخاص بل وقد فاقوا اليونانيين في ذلك وصارت الجغرافيا عربية بالصنعة والحرفة والبدعة والابتكار.
وقد مرحل المسلمون ابداعاتهم في علوم الجغرافيا الى ثلاث مراحل، حيث بدأوا أولا بتصحيح من خطأ به الأخرون ممن سبقهم بهذا العلم، وبالتحديد اليونانيين، فضلا عن منهجة العلم بتحريره من الخزعبلات والترهات والأوهام التي كان اقرب للشعوذة منها للعلم، ثم عمودا في مرحلة ثانية الى الجانب الوصفي، إذ اضطلعوا بتوصيف أحوال المدن والأمصار مشكلين بذلك أطلسا معرفيا لا يمكن أن يتجاهله ذو علم وبصيرة، في حين كانت مرحلتهم الثالثة هو البدعة والاكتشاف والابتكار، وقد سجلوا في هذا المضمار ما يحسب لهم حتى اللحظة.
كروية الأرض حسب رأي علماء المسلمين
أعرب العلماء المسلمون عن رأي جريء وغير مطروق في حينه، ألا وهو كروية الأرض، قالوا ذلك يوم كانت العالم لا يؤمن سوى بتسطحها، ومن ذلك الإغريق حيث كانون يعتقدون بأن الأرض قرص دائري مسطَّح تحيط به مياه المحيطات من كل جانب، حسب الفيلسوف اليوناني هكتاتيوس (وهو أب الجغرافيا الإغريقيَّة ومؤسسها)، في وقت شك به أفلاطون بسطحيتها، محتملا أنه على غير ذلك، ليعدل عن رايه ويؤيد تسطحها بعد أن رفضت الدولة الرومانيَّة فكرته هذه، فضلا عن رأي كوزماس (الأب الروحي للجغرافيين الرومانيين) الذي كان يرى بأن العالم ـ يقصد الكرة الأرضية ـ أشبه ما يكون بعجلة، تحيطها مياه المحيط من كل الجهات، وهو عين ما ذهب إليه كتانشيوس الذي جزم بضرس قاطع بأن الأرض مسطَّحة، وأن جانبها الآخر غير مأهول بالحياة؛ وإلا؛ لسقط الناس في الفضاء.
عند هذا التصور طرح العلماء المسلمون نظريتهم التي تبنوها، وراحوا يثبتون كروية الأرض خصوصا وأن كتابهم المقدس ( القرآن الكريم) قد اشار الى ذلك بصور مختلفة كقوله عز وجل: ((وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا))(سورة النازعات ـ 30)، والدحية كما هو في اللغة التكور، ودحى؛ كوّر، فضلا عن قوله تعالى في تعاقب الليل والنهار ((يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ))(الزمر ـ 5)، وهو ما استفادوا منه في اثبات كروية الأرض لا تسطحها.
ومن ذلك قول ابن خرداذبه المتوفي 272هـ/ 885م): "إن الأرض مُدَوَّرَةٌ كدوران الكرة، موضوعة كالمُحَّة في جوف البيضة"، وهو قريب جدا مما قاله ابن رُستة المتوفي سنة 290هـ/ 903م): "إن الله وضع الفلك مستديرًا كاستدارة الكرة، أجوف دوَّارًا، والأرض مستديرة أيضًا ومصمتة في جوف الفلك".
كما ان ابن حزم هو الأخر كان يؤمن بكروية الأرض، حيث ينقل عن أجماع أئمة المسلمين على كروية الأرض فيقول: "قالوا: إن البراهين قد صحَّت بأن الأرض كرويَّة، والعامَّة تقول غير ذلك، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقِّين لاسم الإمامة بالعلم لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يُحفَظ لأحدٍ منهم في دفعه كلمةٌ، بل البراهين من القرآن والسُّنَّة قد جاءت بتكويرها، قال الله: ((يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ))(سورة الزمر ـ 5)، وهذا أوضح بيانٍ في تكوير بعضها على بعض، مأخوذ من: كوَّر العمامة، وهو إدارتها، وهذا نصٌّ على تكوير الأرض...".
أما الإدريسي ـ وكان يجزم بكروية الأرض ويرى أن هذه حقيقة مُسلَّم بصحتها ـ فقد قال في كروية الأرض: "إن الأرض مدوَّرة كتدوير الكرة، والماء لاصقٌ بها، وراكد عليها ركودًا طبيعيًّا لا يفارقها، والأرض والماء مستقرَّان في جوف الفلك كالمُحَّة في جوف البيضة، ووَضْعُهُما وَضْعٌ متوسط، والنسيم يحيط بها (يقصد الغلاف الجوي) من جميع جهاتها"، وقد رسم الإدريسي خرائط غاية في الأهمية، عُدّت من أهم المصادر العلمية حتى وقتنا المعاصر، وهو ما دفع ول ديورانت للقول: "كانت خرائط الإدريسي أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط في العصور الوسطى، لم ترسم قبلها خرائط أتم منها، أو أدق، أو أوسع وأعظم تفصيلاً".
وعلى الرغم من كون الجغرافيا قد أسست وابتدعن قبل مجيئ الإسلام، إلا أن العرب هم من ابتدعها وتعمق فيها، ومن دلائل ريادة العرب لعلم الجغرافيا وخصوصا الفلكية منها، بعدما كانوا قد اتخذوا ما وصل اليه اليونانيون واسطة لهم لتبحر هذا العلم، إلا أنهم سرعان ما صار لهم دلوهم الخاص بل وقد فاقوا اليونانيين في ذلك وصارت الجغرافيا عربية بالصنعة والحرفة والبدعة والابتكار.
وقد مرحل المسلمون ابداعاتهم في علوم الجغرافيا الى ثلاث مراحل، حيث بدأوا أولا بتصحيح من خطأ به الأخرون ممن سبقهم بهذا العلم، وبالتحديد اليونانيين، فضلا عن منهجة العلم بتحريره من الخزعبلات والترهات والأوهام التي كان اقرب للشعوذة منها للعلم، ثم عمودا في مرحلة ثانية الى الجانب الوصفي، إذ اضطلعوا بتوصيف أحوال المدن والأمصار مشكلين بذلك أطلسا معرفيا لا يمكن أن يتجاهله ذو علم وبصيرة، في حين كانت مرحلتهم الثالثة هو البدعة والاكتشاف والابتكار، وقد سجلوا في هذا المضمار ما يحسب لهم حتى اللحظة.
كروية الأرض حسب رأي علماء المسلمين
أعرب العلماء المسلمون عن رأي جريء وغير مطروق في حينه، ألا وهو كروية الأرض، قالوا ذلك يوم كانت العالم لا يؤمن سوى بتسطحها، ومن ذلك الإغريق حيث كانون يعتقدون بأن الأرض قرص دائري مسطَّح تحيط به مياه المحيطات من كل جانب، حسب الفيلسوف اليوناني هكتاتيوس (وهو أب الجغرافيا الإغريقيَّة ومؤسسها)، في وقت شك به أفلاطون بسطحيتها، محتملا أنه على غير ذلك، ليعدل عن رايه ويؤيد تسطحها بعد أن رفضت الدولة الرومانيَّة فكرته هذه، فضلا عن رأي كوزماس (الأب الروحي للجغرافيين الرومانيين) الذي كان يرى بأن العالم ـ يقصد الكرة الأرضية ـ أشبه ما يكون بعجلة، تحيطها مياه المحيط من كل الجهات، وهو عين ما ذهب إليه كتانشيوس الذي جزم بضرس قاطع بأن الأرض مسطَّحة، وأن جانبها الآخر غير مأهول بالحياة؛ وإلا؛ لسقط الناس في الفضاء.
عند هذا التصور طرح العلماء المسلمون نظريتهم التي تبنوها، وراحوا يثبتون كروية الأرض خصوصا وأن كتابهم المقدس ( القرآن الكريم) قد اشار الى ذلك بصور مختلفة كقوله عز وجل: ((وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا))(سورة النازعات ـ 30)، والدحية كما هو في اللغة التكور، ودحى؛ كوّر، فضلا عن قوله تعالى في تعاقب الليل والنهار ((يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ))(الزمر ـ 5)، وهو ما استفادوا منه في اثبات كروية الأرض لا تسطحها.
ومن ذلك قول ابن خرداذبه المتوفي 272هـ/ 885م): "إن الأرض مُدَوَّرَةٌ كدوران الكرة، موضوعة كالمُحَّة في جوف البيضة"، وهو قريب جدا مما قاله ابن رُستة المتوفي سنة 290هـ/ 903م): "إن الله وضع الفلك مستديرًا كاستدارة الكرة، أجوف دوَّارًا، والأرض مستديرة أيضًا ومصمتة في جوف الفلك".
كما ان ابن حزم هو الأخر كان يؤمن بكروية الأرض، حيث ينقل عن أجماع أئمة المسلمين على كروية الأرض فيقول: "قالوا: إن البراهين قد صحَّت بأن الأرض كرويَّة، والعامَّة تقول غير ذلك، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقِّين لاسم الإمامة بالعلم لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يُحفَظ لأحدٍ منهم في دفعه كلمةٌ، بل البراهين من القرآن والسُّنَّة قد جاءت بتكويرها، قال الله: ((يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ))(سورة الزمر ـ 5)، وهذا أوضح بيانٍ في تكوير بعضها على بعض، مأخوذ من: كوَّر العمامة، وهو إدارتها، وهذا نصٌّ على تكوير الأرض...".
أما الإدريسي ـ وكان يجزم بكروية الأرض ويرى أن هذه حقيقة مُسلَّم بصحتها ـ فقد قال في كروية الأرض: "إن الأرض مدوَّرة كتدوير الكرة، والماء لاصقٌ بها، وراكد عليها ركودًا طبيعيًّا لا يفارقها، والأرض والماء مستقرَّان في جوف الفلك كالمُحَّة في جوف البيضة، ووَضْعُهُما وَضْعٌ متوسط، والنسيم يحيط بها (يقصد الغلاف الجوي) من جميع جهاتها"، وقد رسم الإدريسي خرائط غاية في الأهمية، عُدّت من أهم المصادر العلمية حتى وقتنا المعاصر، وهو ما دفع ول ديورانت للقول: "كانت خرائط الإدريسي أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط في العصور الوسطى، لم ترسم قبلها خرائط أتم منها، أو أدق، أو أوسع وأعظم تفصيلاً".
الأكثر قراءة
26746
18754
14013
10848