19 جمادي الاول 1446 هـ   21 تشرين الثاني 2024 مـ 7:59 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-07-04   767

محاكمة علنية لحركة التأريخ الإنساني

ما زالت حركة التأريخ الإنساني وسننه ومتغيراته عرضة للتفسيرات البشرية وقراءاتها المغلوطة، فمنهم من يرى بأن حركة التاريخ البشري إنما هي صراعات طبقية حسب ماركس واشتراكيته، في حين يراها اخرون بأنها صراع حضاري (صراع الحضارات) كما يراها ويؤسس لها صموئيل همنغتون، اما داروين واتباعه ومن يؤمن بخطه ورؤيته فأنه يراها بقاء للأصلح وصراع من اجل البقاء. 
إلا أن القرآن الكريم يُعّرف هذه الحركة الإنسانية؛ على إنها انعكاس لصراع الخير والشر؛ وبالتالي فأنه يرى بأنها حركة لا تحتكم لأي من التفسيرات البشرية المتقدمة، فراح يؤسس لها بمعيارية الخير والشر فقط.
والمتتبع منا لآيات القرآن الكريم؛ يجد الحقيقة الكاملة وبشكل لا لبس فيه، بما يثبت بأن الصراع بين الحق والباطل هو سنة الخلق على حكمها الله على خلقه بحكومته عليهم، وبالتالي فأن تصور الحياة بشكلية الخير المطلق او الشر المطلق نوعا من السفسطة، وفي هذا الصدد، تثبت الآيات القرآنية ذلك التي وتؤكده كحقيقة راسخة؛ كقوله جل وعلا: ((...... كذلك يضرب الله الحق والباطل....))(الرعد ـ17)، وقوله سبحانه: ((ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق))(الكهف ـ56)، وقوله عز وجل: ((ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم.....))(محمد ـ3)، فهذه الآيات - وغيرها ليس بالقليل – وفي ذلك تبيان لحقيقة مسار الإنسانية عبر التاريخ، على أنه صراع بين الحق والباطل، وتصارع بين الخير والشر.
ولا تخفى في هذا المقام دلالة تسمية القرآن بـ (الفرقان)؛ لما فيه من فارق بين الحق والباطل، الخير والشر، كونه الفرقان والفيصل بين رؤية الخالق الحق ورؤية المخلوقين؛ نهج السماء ونهج الأرض، وبين تشريع البشر وتشريع رب البشر، وهي سنة آلهية جرت على كل الخلق وعلى مر الأزمة وتنوع الأمكنة، وهو ما يندرج في سنة الابتلاء التي خلق الله العباد لأجلها، ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)) (الملك ـ2)، فمن وقف في جانب الحق مدافعاً عنه ومنافحاً، يكون قد عمل عملاً حسناً، وهدي إلى سواء السبيل، ومن وقف في جانب الباطل، ونافح عنه ودافع، يكون قد عمل عملاً سيئاً، وضل سواء السبيل.
ولما أثبتنا أن السنة الحياتية تقوم بقيمومة الصراع بين الحق والباطل، فاللازم اثبات أن انتصار الحق هو المآل الأخير، وإلا فأن الحكمة الألهية تبطل لصالح صيرورة الفوضى في أصل الخلق، وهو ما لا يُقبله المخلوق فكيف بالخالق الحكيم المقتدر. 
كما أن انتصار الباطل في شروره أحيانا، إنما هي انتصارات مزيفة وآنية ولا ثبات لها، وهو ما يثبته القرآن الكريم في الكثير من آياته كقوله جل وعلا ((فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون)) (الأعراف ـ 118)، وقوله: ((ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)) (الأنفال ـ 8) وقوله تعالى: ((وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)) (الإسراء ـ81)
كما ان قصة نبي الله موسى عليه لسلام والطاغية فرعون، حيث نجد أن القرآن وضح بأن هذا الصراع إنما هو صراع حق وباطل؛ كفر وايمان؛ وأن انتصار فرعون في بعض فصول هذا الصراع؛ لا يعني أنه على حق، بل ولا يعني أن الخاتمة ستوكن له، لأن الجولة الأخيرة ستكون حتما لصالح الخير، وبالتالي لصالح موسى عليه السلام ((وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)) (الأعراف ـ137).

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م