2 جمادي الثاني 1446 هـ   4 كانون الأول 2024 مـ 11:44 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-08-04   1103

الخمر؛ الخسران الأكبر.. كلام في حرمة الخمر وآثارها على شاربها

يندرج الحديث عن حرمة الخمر، تحت حزمة أولويات قصوى يتبناها الإسلام ويطالب من خلالها المسلمين، بضرورة إداء دورهم المنبثق من لازمة" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، خصوصا وأن تعاطيه قد أصبح ظاهرة اجتماعية، ليس في البلدان غير المسلمة فحسب، بل وحتى المسلمة منها، وصار المسلمون وغيرهم سيان في تعاطيها، عدا أنها صارت ملازمة لمجالس المجون والفسق وهو ما يجعلها أكثر حرمة واشد خطورة على المجتمع، أي مجتمع كان.
وقبيل البدء في تبيان مضار تعاطي الخمر دنيويا وآخرويا، لا بد لنا من أن نستعرض بوجه تفصيلي، أدلة حرمتها من خلال كتاب الله الأقدس (القرآن الكريم)، والسنة العصموية على صاحبها وأهل بيته افضل الصلاة واتم التسليم. 

التحريم القرآني للخمر.. 
وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة، تُبين حرمة شرب الخمر، بل وأبعد من ذلك، فقد وردت هذه الحرمة بشكل جلي لا لبس فيه ولا مواربة، ومن ذلك قوله جل شأنه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91))(سورة المائدة ـ 90 ـ 91)، والتحريم هنا واضح وجلي، ولا لبس فيه أو شك، خصوصا وأن هذا التحريم قد أُقرن بصيغ تأكيدية، منها اعتباره من رجس الشيطان والعياذ بالله، كما أنه جاء مع خطايا وآثام أخرى كالقمار والأوثان والسهام الجاهلية، ناهيك عن وروده بصيغة (اجتنبوا) والاجتناب أشد منعا من التحريم او الترك، ففيه مبالغة وتأكيد؛ فالأمر بالاجتناب أقوى في الدلالة على الحرمة من غيره من صيغ الأمر، فضلا عن أن هذا التحريم قد جاء مسبوقا بـ (إنّما) وهي أداة تفيد الحصر والتأكيد.، واخيرا فإن الآية الكريمة قد ربطت بين عدم الاجتناب هذا (اجتنبوه) مع فلاح المتجنب له (أو المجتنب)، وبالتالي فأن الفلاح، كل الفلاح في اجتناب الخمر.
أما قوله تعالى: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ... ))(سورة البقرة ـ 219)، ففيه تبيان لقاعدة مهمة تركز على ضرورة الابتعاد عن كل شيء تكون مفاسده أكثر من منافعه، مع أن المنافع المبينة هنا ليس مما يتوهما المتوهم من تعاطيه! إنما تلك التي تندرج ضمن  الكسب؛ صناعة وبيعا ونقلا وما الى ذلك، مع أنه كسب غير مشروع هو الأخر، أي أن منافعه المادي هذه، دنيوية بحت، ولا تستقيم والأرزاق المشروعة، وسيُحاسب مكتسبها كثيرا يوم القيامة، عدا أن تبيان مضاره قبالة منافعه، فيه ندب عقلي للترك والاجتناب.
وثمة لفتة لغوي رائعة حول لفظة (سُكر) ـ وهو النتيجة الحتمية للخمر ـ إذ تعني الإغلاق و المنع، وبالتالي فإن الخمر مما  يسكر العقل ويغلقه ويمنعه من مزاولة فعله أي أن حالة السكر تؤدي الى الإغلاق بين العقل والجسم، وهو ما يفسر ارتكاب شارب الخمر للجرائم فضلا عن الموبقات.

التحريم العصموي للخمر.. 
ورد عن نبي الإنسانة محمد صلوات الله عليه وآله قوله: "لعن الله الخمر، وعامرها، وغارسها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه"، كما ورد عنه صلوات الله عليه وآله قوله: "لا تجمع الخمر والايمان في جوف أو قلب رجل أبداً"، وقوله: "الخمر أم الفواحش والكبائر – الخمر أم الجنائب"، وقوله صلوات الله عليه وآله: "من شرب الخمر بعد أن حرّمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب، ولا يُشفّع إذا شفع، ولا يصدَّق إذا حدّث، ولا يؤتمن على أمانة، فمن ائتمنه بعد علمه فليس للذي ائتمنه على الله ضمان وليس له أجر ولا خلف".
وقد ورد عن الإمام الباقر عن جده النبي الأكرم صلوات الله عليهما قولهما: "لعن الله الخمر، وعامرها، وغارسها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه"، وعنه ـ الباقر ـ عليه الصلاة والسلام قوله: "لعن رسول الله صلوات الله عليه وآله في الخمر عشرة: غارسها، وحارسها، وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبايعها، ومشتريها، وآكل ثمنها"، وعنه أيضا: "يأتي شارب الخمر يوم القيامة مسودَّاً وجهه مولعاً لسانه يسيل لعابه على صدره ينادي العطش وحق على الله أن يسقيه من طينة خبال، قيل له: وما بئر خبال؟ قال: بئر يسيل فيها صديد الزناة".
أما ما ورد عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام في الخمر، فهو كثير جدا؛ منه قوله: "حرم الله الخمر لفعلها وفسادها، لأن مدمن الخمر ثورته الانتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن يجترئ على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حُرَمِه وهو لا يعقل ذلك، ولا يزيد شاربها إلا كل شر"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "شارب الخمر إن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشهدوه".
ومما ورد عن الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام في الخمر قوله: "ما بعث الله نبياً قط إلا وفي علم الله أنَّه إذا أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر ولم يزل الخمر حراماً". 
ومما لا شك فيه، أن لشرب الخمر آثار كثيرة وعديدة، منها ما هو دنيوي، لا بد أنه حاصل لكل من يعارقها، ومنها ما هو آخروي، سيناله من يشرب الخمر بعد حين..

ـ الآثار الدنيوية لشرب الخمر
يُسقط المجتمع المحترم، شارب الخمر من عين حساباته، ويجعله مذموما منبوذا من الناس، بل وانهم لا يحبون معاملته ومقاربته، كما أن لم يحصل على معونتهم وإن كان فقيرا! لأن فيها إعانة على الإثم، وبالجملة فهو إنسان مرفوض في بيئته ومحيطه، ومن هنا ينبغي التشديد على مقاطعة شارب الخمر، مضافاً الى نهيه عن هذا المنكر الخبيث والبغيض عند الله جل شأنه رغبة في ردعه ومنعه عن هذه الآفة اللعينة، التي لا ينتج عنها إلا كل فعل قبيح، خاصة إذا التفتنا الى القاعدة العقلائية التي تؤسس سبب تحريم الشيء ـ أي شيء ـ إنما يعود لما فيه من المفاسد، يريد الله برحمته تجنيبنا اياها ومنعنا من الوقوع فيها.

ـ الآثار الآخروية لشرب الخمر
أما عن الاثار التي يتحصلها شارب الخمر في أخرته، فهي أصعب وأشد قسوة عليه، فعن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من شرب الخمر وهو يعلم أنها حرام، سقاه الله من طينة خبال؛ وإن كان مغفورا له"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "مدمن الخمر يلقى الله عز وجل حين يلقاه كعابد وثن، فقال حجر بن عدي: يا أمير المؤمنين ما المدمن؟ قال: الذي إذا وجدها شربها".
كما يبتلى شار بالخمر يوم القيامة بعدم قبول صلاته لأربعين يوما، فعن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال: "من شرب المسكر لم تقبل صلاته أربعين يوماً وليلة"، ناهيك عن اسوداد وجهه بساحة الله جل شأنه، فعن النبي الأكرم صلوات الله عليه واله قال: "والذي بعثني بالحق نبياً إن شارب الخمر يأتي يوم القيامة مسودّاً وجهه، يضرب برأسه الأرض وينادي واعطشاه".

عقوبة شارب الخمر 
ولشارب الخمر عقوبة دنيوية، استفادها الفقهاء من الروايات الشريفة لأئمة أهل البيت عليهم الصلاة السلام، وهي الجلد، كحد لمن شرب الخمر، فعن رسول الله صلوات الله عليه وآله: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الثالثة فاقتلوه"، كما ورد عن الإمام الباقر عليه الصلاة والسلام في تبيان عقوبة شارب الخمر: "كان علي عليه السلام يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين، الحر والعبد واليهودي والنصراني"، فتساءل ابو بصير (وهو من صحابة الإمام الباقر عليها السلام): "وما شأن اليهودي والنصراني؟" قال عليه الصلاة والسلام: "ليس لهم أن يظهروا شربه، ويكون ذلك في بيوتهم"، بل وعدها الإمام موسى أبن جعفر الكاظم عليه الصلام مما يستوجب القتل إذا تمادى بها صاحبها، فعنه عليه الصلاة والسلام قوله: "أصحاب الكبائر كان إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في المرة الثالثة"؛ والخمر من الكبائر بطبيعة الحال.
ولا يُحد على شارب الخمر إلا بعد أثبات فعله المُحّرم هذا، وذلك عن طريق إقراره على نفسه مرتين؛ بأنه قد شرب الخمر، وتلازم هذا الإقرار بكون صاحبه بالغاً عاقلاً مختاراً وقاصداً لما يقول، كما يمكن أثبات هذا الفعل على صاحبه من خلال شاهدين عدلين (رجلين حصرا) عند حاكم شرعي، ولا بد ان تكون شهادتهما غير متعارضة ولا متناقضة.  

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م